محمد محمود عثمان
تفاقمت أزمة الدولار في مصر من جديد على الرغم من الوعود والعهود والإجراءات المتتالية التي اتخذتها السلطات للحد من تفاقم الأزمة، والتي ذهبت سدى، فقد عاود الدولار ارتفاعه التاريخي مجدداً مقابل الجنيه المصري، بعد فترة من الاستقرار النسبي لسعر الدولار بالسوق السوداء، ليواصل التحدي المستمر للجنيه، رغم المحاولات المستميتة من البنك المركزي لاستقرار سعره، ومع التوقعات التي كانت تشير إلى اتجاه الدولار نحو مزيد من الانخفاض، إلا أنه بصورة مفاجئة ومغايرة لكل التوقعات عاد السعر إلى الارتفاع مؤكدا فشل كل هذه المحاولات، لأن قرار رفع سقف الإيداع الدولاري إلى 250 ألف دولار لن يكون له تأثير يذكر على أسعار الدولار داخل السوق الموازية، خاصة مع وجود مليارات الدولارات كان يتداولها التجار ورجال الأعمال داخل السوق السوداء، وبخاصة بعد تطبيق البنوك المصرية قرار تحديد سقف إيداع الدولار بـ50 ألف دولار شهرياً، ولا سيما أن قرار البنك المركزي برفع سقف الإيداع الدولاري لبعض الشركات المستوردة للسلع الاستراتيجة والمواد الخام دون غيرها من الشركات والمصانع التي تعمل بمجال الاستيراد غير عادل، الأمر الذي يقود السوق إلى المزيد من التخبط وعدم وضوح الرؤية لأن رفع سقف الإيداع بهذه الصورة تستفيد منه فئة قليلة من رجال الأعمال وبعض الشركات فقط، مع حرمان الفئات الأخرى التي تتجه إلى السوق الموازية، وتنشطها بشكل كبير، وهذا لا يساعد على تراجع سعر الدولار، أو تحجيم ارتفاعه المتواصل، إذ من الضروري وضع خطة لضبط سعر العملة بالسوق السوداء وتحديد سعر ثابت للصرف مقابل الجنيه المصري، إلى جانب ضخ وتوفير الدولار في البنوك ومحلات الصرافة، لمواجهة زيادة الطلب المستمر على الدولار من قبل المستوردين لتوفير احتياجاتهم من العملة الصعبة وتغطية متطلباتهم الاستيرادية، والبحث عن مصادر تمويلية خارجية للاستثمارات الجديدة، وتنشيط تحويلات المصريين بالخارج، وعائدات قناة السويس وقطاع السياحة، لأن قرار البنك المركزي لا يعمل على حل الأزمة، حيث لم يسهم في حقيقته في تغذية موارد الدولار، في ظل عدم توفير السلع والصناعات المصرية المحلية التي تعوض عن السلع المستوردة المحظورة، بعد قرار وزير الصناعة بتقييد استيراد 50 سلعة، واعتبارها من السلع الاستهلاكية والاستفزازية، لأن الحكومة بذلك تصدر أزمة الدولار للمستثمرين وتحملهم مسؤولية توفير التمويل وجعلها على كاهل المستثمر، مما يؤدى إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية في السوق المحلي، ومن ثم تفاقم الأزمة مع زيادة نقص الدولار، ولا سيما في ظل عدم قدرة البنك المركزي على توفير الاعتمادات المالية الخاصة بالاستيراد، وعدم قدرة المستوردين أو المصنعين على جلب المواد الخام، باعتبار أن سعر الدولار عنصراً رئيسياً من عناصر جذب المستثمرين للسوق المحلي خاصة وأن المستثمر دائماً يبحث عن الدولة الأكثر قدرة على توفير أكبر معدلات من النقد الأجنبي لتسهيل عمليات استيراد المواد الخام اللازمة للمشروعات الاستثمارية، في ظل معاناة الاستثمارات الأجنبية المباشرة من صعوبة التمويل وعدم توافر العملة الصعبة، مما يضعف من قدرة الدولة على تحقيق التنمية الاقتصادية، ووصول معدلات النمو الاقتصادي إلى الحد المستهدف، الذي يتطلب توفير أكثر من 10 مليار دولار استثمارات أجنبية، وهي كشرط أساسي لتحقيق التنمية، بالإضافة إلى أن أزمة الدولار والنقص في المواد الخام اللازمة للمصانع، ولكل مدخلات الصناعة في الكثير من الصناعات، أدى إلى تآكل هامش ربح رجال الأعمال، بل وتحقيق خسائر في بعض المنتجات، وبخاصة في حالة شركات قطاع الأعمال العام، وإن كانت إجراءات البنك المركزي برفع سقف الإيداع ستسهل على المستوردين والمستثمرين شراء مستلزماتهم من المواد الخام المستوردة، ومن ثم يفترض أن يشجع ذلك في الفترة المقبلة على الزيادة النسبية في الاستثمارات الأجنبية، بالإضافة إلى الحد من تفاقم سعر الدولار التي لا ندري متي تنتهي ؟ الأمر الذي يستوجب تشجيع العمل والإنتاج وتنشيط السياحة وزيادة الصادرات لجلب المزيد من العملة الصعبة.