سوريا.. تلتقط أنفاسها في أوَّلِ هدنة

الحدث الأحد ٢٨/فبراير/٢٠١٦ ٢٣:١٥ م
سوريا.. تلتقط أنفاسها في أوَّلِ هدنة

دمشق – ش – وكالات
توقف القتال على ما يبدو عبر معظم مناطق غرب سوريا يوم أمس السبت بعد بدء سريان وقف للعمليات القتالية بموجب خطة أمريكية روسية قبلتها الأطراف المتحاربة في الصراع الدائر منذ خمس سنوات .
وإذا تماسك هذا الوقف المؤقت للقتال فإن ذلك سيمثل أول مرة تتمكن فيها القوى العالمية من التفاوض على توقف في هذه الحرب الأهلية. وبموجب هذا الاتفاق الهش من المتوقع أن توقف الحكومة وخصومها القتال حتى يتسنى وصول المساعدات للمدنيين واستئناف مباحثات السلام.
ولم تشر جماعة مراقبة والأمم المتحدة إلا إلى وقوع حوادث فردية لإطلاق نار في غرب سوريا بعد بدء وقف القتال عند منتصف الليل ( الساعة 2200 بتوقيت جرينتش يوم الجمعة)، وقالت الأمم المتحدة إنها تتوقع انتهاكات للهدنة المؤقتة وحثت على ضبط النفس في كبح أي تفجر جديد للقتال.
وتشهد المناطق التي تسيطر عليها القوات الحكومية والمعارضة السورية على حد سواء وقفا لإطلاق النار ما زال صامدا بعد دخول اتفاق وقف الاعمال العدائية الذي ابرم برعاية روسية أمريكية، حيز التنفيذ منتصف يوم أمس الأول، وأمس السبت.

دي ميستورا يتحرك
واعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستافان دي ميستورا في مؤتمر صحافي في جنيف ان اجتماعا جديدا لفريق العمل الخاص بوقف إطلاق النار في سوريا سيجتمع لتقييم مدى احترام الاتفاق. وفي حال صمد وقف إطلاق النار سيدعو دي ميستورا إلى جولة مفاوضات سلام جديدة في السابع من مارس.
ومنتصف ليل الجمعة السبت بالتوقيت المحلي (22,00 ت غ) توقف القتال في ريف دمشق وفي مدينة حلب (شمال) وضاحيتها الغربية التي تسيطر عليها الفصائل المقاتلة، كنا ذكر مراسلو وكالة فرانس برس.
وافاد مراسل فرانس برس في مدينة حلب ان "هدوءا كاملا يسود المدينة". وقال محمد نهاد، أحد سكان حي الكلاسة في الشطر الشرقي الواقع تحت سيطرة الفصائل المقاتلة في حلب، والمتزوج حديثا لفرانس برس "أشعر ببعض الأمان والهدوء الآن، بعد نصف الساعة الاولى من الهدنة وربما سأتأخر بالسهر اليوم وأتمنى ألا استيقظ على صوت إحدى الطائرات الحربية".
وبالقرب من حي جوبر في دمشق الذي تتواجد فيه فصائل مقاتلة، قال الجندي عبد الرحمن عيسى (24 سنة) "لا أخفي أنني سعيد بتوقف الحرب ولو لدقائق، وإذا استمرّ الهدوء فبكل تأكيد سنعود إلى منازلنا".

لا طلعات جوية
وقال مدير المرصد السوري لحقوق الانسان رامي عبد الرحمن أنه عند منتصف الليل تحديدا، "عمّ الهدوء غالبية الأراضي السورية" التي تنتشر فيها القوات الحكومية والفصائل المقاتلة ولم تسجل اي طلعة للطيران الروسي في شمال اللاذقية. واضاف ان الهدوء يعم ايضا محافظتي حمص وحماة وسط سوريا.
وهذه اول هدنة واسعة مدعومة بقرار لمجلس الأمن الدولي منذ بدء النزاع الذي أسفر عن سقوط 270 ألف قتيل منذ 2011 وادى إلى نزوح اكثر من نصف السكان. وخلال الايام الثلاثة الفائتة، اعلنت دمشق ونحو مئة فصيل مقاتل فضلا عن وحدات حماية الشعب الكردية انها ستلتزم الاتفاق.
لكن وقف إطلاق النار لا يشمل تنظيم داعش وجبهة النصرة المتحالفة مع عدة فصائل مقاتلة. ويمكن بذلك للنظام السوري وحليفته روسيا والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة مواصلة ضرب التنظيمين في الايام المقبلة. ودعا زعيم جبهة النصرة ابو محمد الجولاني الجمعة الفصائل المقاتلة إلى رفض الهدنة التي وصفها بانها "مذلة".
واكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو ان روسيا ستواصل بعد دخول الاتفاق حيز التنفيذ ضرب تنظيم داعش وجبهة النصرة وغيرهما من "المنظمات الارهابية" في سوريا "بلا هوادة".

جولة مفاوضات جديدة
من جهته اعلن موفد الأمم المتحدة لسوريا إنه يعتزم الدعوة إلى جولة مفاوضات سلام جديدة حول النزاع. لكنه اشترط لذلك ان يصمد وقف الاعمال العدائية وان يتواصل ايصال المساعدات الانسانية إلى ملايين السوريين المحاصرين جراء النزاع.
ومباشرة بعد عرض دي ميستورا، تبنى مجلس الأمن الدولي بالاجماع قرارا يصادق على الاتفاق الأمريكي الروسي في شان وقف الاعمال العدائية في سوريا ويطالب جميع الاطراف المعنيين بتنفيذه.
وقال انه ابلغ بعيد بدء سريان اتفاق وقف الاعمال العدائية ب"حادث"، مؤكدا ان الامر موضع استقصاء. واضاف بالتأكيد ستحصل "حوادث" لكن المهم هو "احتواؤها".
وأعلن دي ميستورا ان اجتماعا جديدا لفريق العمل الخاص بوقف إطلاق النار في سوريا سيعقد بعد ظهر السبت لتقييم مدى احترام اتفاق وقف الاعمال العدائية في الساعات الاولى من دخوله حيز التنفيذ.
وعقد اول اجتماع لفرق العمل حول وقف الاعمال العدائية في سوريا الجمعة بجنيف قبل ساعات من سريان الاتفاق.
وبعد ان اكد ان وقف الاعمال العدائية موضع متابعة من مراكز مراقبة في الولايات المتحدة وروسيا وجنيف، قال دي ميستورا إن "السبت سيكون يوما مفصليا"، مشيرا إلى انه "ستجري بالتأكيد الكثير من المحاولات التي تسعى إلى الحاق الضرر بهذه العملية"

مراقبة مكثفة
وأضاف ان مراكز مراقبة مكلفة "جمع المعلومات عن مخالفات محتملة" اقيمت خصوصا في واشنطن وموسكو. ويطرح استثناء تنظيم داعش وجبهة النصرة تساؤلات جمة حول سبل وضع اتفاق وقف الاعمال العدائية موضع التنفيذ. فتنظيم داعش يسيطر على مناطق واسعة في سوريا اهمها في شمال وشمال شرق البلاد.
اما جبهة النصرة فتتواجد في محافظات عدة، غالبا في تحالفات مع فصائل مقاتلة معظمها اسلامي. ويسيطر الفصيلان على اكثر من نصف البلاد. وبين المناطق التي لا يشملها الاتفاق محافظتا دير الزور (شرق) والرقة (شمال) الواقعتان بشكل شبه كامل تحت سيطرة تنظيم داعش، ومحافظة ادلب (شمال غرب) التي يسيطر عليها باستثناء بلدتين، "جيش الفتح" وهو تحالف فصائل اسلامية اهمها جبهة النصرة.
وتعد داريا في الغوطة الغربية لدمشق والتي تشكل معقلا للفصائل المقاتلة مثالا على صعوبة تطبيق الاتفاق، اذ اكد مصدر عسكري سوري لفرانس برس الاربعاء انها غير مشمولة بالاتفاق "لأن جبهة النصرة هي أحد الفصائل المقاتلة"، الامر الذي نفته المعارضة.
وقبل دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، استهدفت الطائرات الحربية السورية والروسية باكثر من 180 غارة مواقع الفصائل المقاتلة في مناطق عدة، منها ريف دمشق وريف حلب الغربي. واستهدفت الغارات الروسية ايضا مواقع لتنظيم داعش.
من جانبه؛ قال مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة إن لجنة جنيف المكلفة بإعداد قائمة تضم التنظيمات الإرهابية لم تنته من عملها بعد، مؤكدا مواصلة القوات السورية وحلفائها استهداف الإرهابيين.
ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية يوم أمس السبت عن مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري، إن دمشق ستبلغ عن أي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار في سوريا. وقال الجعفري: "لجنة جنيف المكلفة بوضع الجماعات الإرهابية إلى جانب تنظيم "داعش" و"جبهة النصرة" لم تنته بعد من عملها".

المساعدات الإنسانية
ومن المتوقع أن توقف الحكومة وخصومها إطلاق النار للسماح بوصول المساعدات الإنسانية للمدنيين واستئناف مباحثات السلام وذلك بموجب الاتفاق الذي لم توقع عليه أطراف الصراع السوري بنفسها ويعد اتفاقا أقل إلزاما من وقف رسمي لإطلاق النار .
وتم تسليم مساعدات لبعض المناطق المحاصرة في سوريا هذا العام في سلسلة من الاتفاقيات الخاصة بأماكن محددة ولكن الأمم المتحدة تطالب بالوصول لكل السوريين الذين يحتاجون لمساعدات دون أي عائق.
ودعا الصليب الأحمر إلى وقف الحرب التي يشارك فيها الآن معظم القوى الاقليمية والعالمية. وقال بيتر ماورير رئيس الصليب الأحمر في بيان "حان الوقت كي توقف الأطراف المتحاربة هذا الصراع البشع وكي تتحرك القوى العالمية التي يمكنها التأثير في الوضع بشكل حاسم. "الشيء الأكثر إلحاحا هو زيادة المساعدات الإنسانية ..يجب عدم اعتماد المساعدات الإنسانية على المفاوضات السياسية."

تعهدات والتزامات
وانهارت محادثات السلام في وقت سابق من الشهر الجاري قبل بدئها وكثفت دمشق وموسكو هجماتهما في شمال وشمال غرب سوريا. وساعد تدخل موسكو في الحرب في سبتمبر أيلول بغارات جوية القوات الحكومية السورية وحلفاءها على استعادة أراض ولاسيما في محافظتي حلب واللاذقية.
وتقدم مقاتلو المعارضة في مناطق أخرى من بينها محافظة حماة ولكن القتال مال إلى حد كبير لصالح دمشق التي يدعمها أيضا مقاتلون من حزب الله اللبناني وإيران.
وقالت السعودية إنها مستعدة لإرسال قوات إلى سوريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتريد تركيا وهي خصم آخر للأسد إرسال قوات برية ولكنها نفت خططا للقيام بعمل من جانب واحد.
وقالت الحكومة السورية إن خطة وقف القتال قد تفشل إذا زودت الدول الأجنبية مقاتلي المعارضة بالسلاح أو إذا استغل المقاتلون الهدنة لإعادة التزود بالسلاح .
وقال التحالف الرئيسي للمعارضة المدعوم من السعودية والذي لديه تحفظات كبيرة إنه سيقبل خطة وقف القتال لمدة أسبوعين ولكنه يخشى أن تستغلها الحكومة وحلفاؤها لمهاجمة فصائل المعارضة المسلحة بحجة أنهم إرهابيون.
وقالت وحدات حماية الشعب الكردية المدعومة من الولايات المتحدة إنها ستلتزم بالخطة ولكنها تحتفظ بحق الرد إذا تعرضت لهجوم. وتقاتل وحدات حماية الشعب تنظيم الدولة الإسلامية في شمال شرق البلاد وجماعات المعارضة المسلحة التي تدعمها تركيا في شمال غرب البلاد.
كما ودعا مبعوث صيني إلى تنفيذ صارم لاتفاق وقف الأعمال العدائية في سوريا عقب مصادقة مجلس الأمن الدولي عليه. وقال مندوب الصين الدائم لدى الأمم المتحدة، ليو جيه يي، إن التسوية السياسية هي السبيل الوحيد للخروج من الأزمة السورية، وأنه لا بد من الالتزام بهذا المسار. وأضاف أنه يتعين على المجتمع الدولي أن يعتبر القرار الأممي فرصة مهمة ليضمن بشكل صارم الالتزام بتنفيذ الاتفاق.

البنتاجون: قوات "العزم الصلب" لن تلعب دورًا في اتفاق سورية
بغداد – واشنطن – ش – وكالات
صرّح المتحدث باسم القوات المشتركة لعملية العزم الصلب الكولونيل كريس جارفر، بأن قوات العمليات المشتركة لن تلعب دورًا في اتفاق وقف الاعتداءات في سورية الذي دخل حيز التنفيذ منذ ساعات.
وأشار المسئول الأمريكي - في تصريحات صحفية من بغداد - إلى أن قوات عمليات العزم الصلب ستواصل مهمتها لهزيمة تنظيم داعش عسكريًا في سورية والعراق، مؤكدًا أن قوات التحالف الدولي ستواصل ضرب عناصر تنظيم داعش بكل دقة للتقليل من حجم الخسائر وسط المدنيين.
وطالب جارفر في تصريحاته، قوات الحكومة السورية والعناصر المقاتلة الأخرى باحترام اتفاق وقف إطلاق النار، كما تم الاتفاق عليه بين الولايات المتحدة وروسيا في 22 فبراير الجاري، مشيرًا إلى أن هذه فرصة لخفض حدة العنف الذي تحمله المواطنون السوريون منذ فترة طويلة وللحد من حالة الفوضى التي استغلها تنظيم داعش لتعزيز وجوده على الأرض.
وفي غضون ذلك؛ أشار مسؤول أمريكي بالبيت الأبيض إلى أن الرئيس باراك أوباما أجرى عدة مناقشات داخلية بشأن الخيارات المتاحة فيما يعرف بالخطة(ب) في حال فشل اتفاق وقف إطلاق النار ووقف الأعمال العدائية في سوريا.
وقال المسؤول، الذي لم يتم تسميته، في تصريحات لصحيفة "الشرق الاوسط" الصادرة يوم أمس السبت إن الخيارات تنوعت ما بين إمكانية زيادة قوات الكوماندوز الأمريكية /القوات الخاصة/ على الأرض في سوريا، إلى خيارات لتدريب وزيادة المساعدات للقوات المحلية في سوريا، والاستعانة بالمساعدات من دول أخرى في تقديم الأسلحة والمساعدات اللوجستية إلى خيارات إقامة منطقة حظر جوي أو منطقة آمنة للاجئين لمنع النظام السوري والضربات الجوية السورية من استهداف المدنيين في سوريا.
واضاف المسؤول الأمريكي أن الخيارات ما زالت على الطاولة ، وأن المسؤولين في الإدارة يناقشون الكثير من المسارات لكن لم يتم الاتفاق أو تقرير أحد تلك الخيارات بعد.
وأوضح المسؤول أن المسؤولين بالإدارة ومسؤولي الأمن القومي يشعرون أن خيار إقامة منطقة حظر جوي سيكون مكلفا للغاية ويشمل خطوات عسكرية معقدة ومكلفة.

*-*