نهج اللا شقاق ولا فتن

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٩ ص
نهج اللا شقاق ولا فتن

فريد أحمد حسن

اختصر الإعلامي خالد الزدجالي المنهج العُماني في الحياة وفي التعامل مع مختلف المتغيّرات والتطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في المنطقة في هذه العبارة «قابوس.. ماضون خلفك لا شقاق ولا فتن»، فمنهج جلالة السلطان الذي نأى بالسلطنة عن الشقاق والفتن في العقود الخمسة الأخيرة هو نفسه الذي قرر العُمانيون مواصلة دربهم به في الحياة ومواجهة كل انحراف فيها به، وهو منهج أدهش تمكُّن العُمانيين من تطبيقه على أرض الواقع العالم بأسره، ففي هذا الزمان يصعب على المرء عدم الاصطفاف مع طرف ضد الآخر ويصعب فيه عدم الانحياز، فكيف بشعب ينبض بالحياة وتتوفر له كل وسائل التواصل مع الأحداث ومتابعة التطورات في مختلف المجالات؟

على مدى العقود الخمسة الأخيرة أكّد العُمانيون أن هذا المنهج هو الصراط الذي إن سار عليه العالم نجا وربح، وإن ابتعد عنه ساعد المشكلات على التمكُّن منه وقياده والتحكم فيه وتفشيل حياته، لهذا تنادى أهل عُمان وتواصوا بعدم التورط في الوقوف مع طرف ضد طرف في الأزمة الخليجية، وتنادوا وتواصوا بذلك منذ اللحظة الأولى التي برزت فيها التطورات الأخيرة في السعودية وفي لبنان.اتخاذ العُمانيين جلالة السلطان نبراساً والسير خلفه، واعتمادهم نهجه منهج حياة ضَمِن لهم عدم الوقوع في براثن الشقاق والفتن، فظلت علاقة بلادهم مع الجميع طيبة ومتطورة، وظلت علاقتهم مع أشقائهم ومع كل البشر طيبة ومتطورة، لكن فوائد هذا النهج لا تقتصر على هذا الجانب فقط، فلولاه لما تمكَّن أهل هذه البلاد الطيبة من العطاء والبناء، ولولاه ما تمكنوا من الإسهام في مسيرة الحضارة الإنسانية ومواصلة الدرب الذي بدأه الأجداد وحفظ التاريخ بصماتهم فيه. هذا النهج وفَّر للعُمانيين ما يحتاجونه من وقت ليبنوا بلادهم وليعطوا العالم ما يستطيعون من نتاج عقولهم، فلا شيء يشغلهم عن العطاء، ولا التزامات يفرضها عليهم الاصطفاف والوقوف إلى جانب دون الآخر، ولا حروب ينشغلون بها عن نثر بذور المحبة بين البشر، فصاروا مثالاً، وصار نهج قائدهم نموذجاً يُحتذى ويستحق أن يُدرَّس من قِبل المعنيين بتطور حياة البشر والباحثين في الحضارة.

باللغة الأكاديمية يمكن القول بأن هذا النهج هو الاستراتيجية التي أقرّتها قيادة السلطنة والتي وضعت بناءً عليها الأهداف بعيدة المدى، وفصّلت كيفية تحقيق الأهداف الآنية بالالتزام به وبتطبيقه بدقة. وباللغة نفسها يمكن القول بأن فشل كثير من الاستراتيجيات التي اعتمدتها دول أخرى في العالم سببه ابتعادها عن هذا النهج وتورطها من ثم في الانحياز والاصطفاف مع طرف ضد آخر وتحمّل نتائج ذلك.
هذا النهج الذي اعتمده صاحب الجلالة وجعل العُمانيين يتخذون منه منهج حياة أعان على تمكين هذا الشعب من التواصل والتعاون مع الجميع ومن التمكن من اتخاذ القرارات المناسبة في الوقت المناسب، فكل ما يفعله العُمانيون اليوم قبل اتخاذ أي قرار هو التساؤل عمّا إذا كان الأمر موافقاً أو مخالفاً لذلك النهج، فإن وجدوه موافقاً له اتخذوه بكل ثقة، وإن وجدوه مخالفاً له صرفوا النظر عنه، لهذا لا يتورط العُمانيون في أي فعل سالب ولا يمكن لأحد أن يقول إنهم محسوبون على هذا الفريق أو ذاك. نهج اللاشقاق ولا فتن يتبيّن بوضوح أكبر في تصريحات المسؤولين العُمانيين وعلى الخصوص الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية الذي يساعده هدوؤه على الالتزام بهذا النهج والتعبير عن السلطنة بالطريقة التي رسمها صاحب الجلالة وتوفر النموذج الذي يقتدي به العُمانيون، فهو فيما يخص العمل الخليجي الوحدوي المشترك مثلاً تجده مؤكداً لأهمية الابتعاد عن العقلية الضيقة وداعياً إلى مشاركة القوى الاجتماعية في اتخاذ القرار على شتى المستويات، وفيما يخص العمل العربي والقومي تجده مؤكداً لأهمية الوحدة العربية ورافضاً التفرُّد بالقرار الجماعي أو فرضه على الجميع كي لا يؤخذ به من دون اقتناع فيتعطل. هذا النهج القويم يجعل العُمانيين بكل شرائحهم يشعرون بقيمة وأهمية الاحتفال بالعيد الوطني، فيعبِّر كل منهم عمّا يكتنزه صدره من حب للوطن وللقيادة بالطريقة التي تجعله راضياً عن نفسه، ومؤكداً حرصه على رفض الشقاق والفتن، ومحتفياً بالنهج القويم لحضرة صاحب الجلالة والذي استطاع من خلاله إكساب عُمان احترام العالم كله، فالظروف الطارئة والمتغيّرات لا تدفع السلطنة إلى اتخاذ موقف بالانحياز إلى طرف ضد آخر أو الاصطفاف مع طرف دون آخر. تنادي العُمانيين عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى الوقوف على مسافة واحدة من جميع الأطراف ذات العلاقة بالمشكلة الخليجية وبالتطورات المتلاحقة في المنطقة، يؤكد اقتناعهم بنهج اللاشقاق ولا فتن الذي أرساه صاحب الجلالة ويوصي به، ويفرح بالتزام العُمانيين به وبتطبيقهم له بنجاح على أرض الواقع.

• كاتب بحريني