الطريق إلى قلب بكين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٥/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٨ ص
الطريق إلى قلب بكين

ريتشارد هاس

يقضي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما يقرب من الأسبوعين في آسيا، حيث يزور اليابان، وكوريا الجنوبية، والصين، وفيتنام، والفلبين. ومن المنطقي أن تكون الصين في قلب هذه الجولة؛ لأنها تشكل المحطة الأكثر أهمية على الصعيدين الاستراتيجي والاقتصادي.

وستهيمن مسألة كوريا الشمالية على قدر كبير من محادثات ترامب في الصين، ويرجع جزء كبير من السبب وراء هذا إلى اعتماد ترامب على القيادات الصينية لحل مشكلة كوريا الشمالية لصالح الولايات المتحدة. وهو نهج مفهوم؛ لأن القسم الأعظم من تجارة كوريا الشمالية يمر عبر الأراضي الصينية، والصين قادرة على فرض ضغوط هائلة على كوريا الشمالية إذا اختارت ذلك.

ولكن من المرجح أن يخرج ترامب من هناك خائب الرجاء. فسوف تقاوم الصين توظيف نفوذها الكامل، خشية أن تقوّض استقرار كوريا الشمالية فتصبح في حال أسوأ نتيجة لذلك. والمفارقة والمأساة المحتملة في موقف الصين هي أن السماح لكوريا الشمالية بزيادة وتحسين ترسانتها من الأسلحة النووية والصواريخ قد يغذي الزخم باتجاه الحرب، أو ربما يدفع كوريا الجنوبية، أو اليابان، أو كلا البلدين إلى إعادة النظر في مواقفهما غير النووية. وأي من هذه النتائج لا تتفق مع مصالح الصين الاستراتيجية، ولكن كمثل العديد من الحكومات، سيسعى قادة الصين إلى تجنب القرارات الصعبة في الأمد القريب، حتى وإن أدى ذلك إلى عواقب ضارة بمرور الوقت.
الحق أن مشكلة كوريا الشمالية ليست سوى واحدة من العديد من المشاكل على الأجندة الأمريكية الصينية، والتي تشمل مسائل جيوسياسية أخرى (وأبرزها الوضع في بحر الصين الجنوبي ووضع تايوان). وهناك أيضاً قضايا اقتصادية تحتاج إلى المعالجة، مثل عدم احترام الصين للملكية الفكرية، وإعانات الدعم الحكومية الضخمة التي تقدمها للشركات الموجهة نحو التصدير، والقيود التي تفرضها على القدرة على الوصول إلى السوق، ومحاولاتها مطالبة الشركات الأجنبية بممارسة أنشطتها التجارية في الصين لنقل التكنولوجيا المتقدمة إلى الشركات الصينية.
وبالتالي فإن قائمة القضايا التي تحدث الانقسام بين هاتين الدولتين المهمتين والقويتين طويلة وصعبة، مما يعزز من تشاؤم أولئك الذين يتوقعون أن تزداد العلاقات الثنائية مرارة. وتتلخص إحدى الحجج التي يسوقها المتشائمون في النمط التاريخي الذي تميل القوى الصاعدة والراسخة بفِعلة إلى التنافس في ما بينها، أو حتى الانزلاق إلى التناحر.
يركز كتاب حديث من تأليف جراهام أليسون، العالِم السياسي من جامعة هارفارد، على ما يُسمى «مصيدة ثوسيديدس»، على اسم المؤرخ اليوناني القديم الذي أرّخ للعلاقات التنافسية التي أنتجت في نهاية المطاف الحرب البيلوبونية بين أثينا واسبرطة، القوتين العظميين في ذلك العصر. يصوّر أليسون الصين والولايات المتحدة في هذين الدورين، ويُسمي كتابه «قَدَرُهما الحرب».
مثل هذه التنبؤات لا مبرر لها. وهي تستخف بالتأثير المخمد الناجم عن امتلاك الأسلحة النووية، والذي ساعد لأكثر من أربعين عاماً في منع الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من التحوّل إلى حرب ساخنة حقيقية. وهي تتغافل أيضاً عن قدرة الولايات المتحدة والصين على تمويه الخلاف بينهما بشأن تايوان. والدبلوماسية عنصر مهم، وأقل القليل من الأمور قد يكون غير حتمي أو لا مفر منه في العلاقات الدولية.
في واقع الأمر، تمكنت الولايات المتحدة والصين من الإبقاء على العلاقات بينهما متوازنة نسبياً، رغم اختفاء الأساس المنطقي الأصلي للعلاقة بينهما -الكراهية المشتركة تجاه الاتحاد السوفييتي- عندما انتهت الحرب الباردة قبل ربع قرن من الزمن. وقد أعطت العلاقات الاقتصادية المكثفة التي تطورت منذ ذلك الحين البلدين مصلحة حقيقية في الحفاظ على علاقات طيبة. ونظراً لاحتياج الصين إلى الاستقرار الخارجي لملاحقة جهود التنمية الاقتصادية، فقد تصرَّف قادتها بقدر كبير من ضبط النفس.
ولكن مع كل هذا، لا يجوز تجاهل مخاوف المتشائمين. ففي نهاية المطاف، كثيراً ما تفشل الدول في التصرُّف بما يحقق مصلحتها الذاتية، أو ربما تخرج الأحداث عن السيطرة ببساطة. على سبيل المثال، ربما يستسلم قادة الصين لإغراء العمل بشكل أكثر حزماً لاسترضاء الرأي العام في ظل الاقتصاد المتباطئ وانتهاز الفرص التي أوجدها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقيات التجارية الإقليمية.
الحق أن المخاطر بالغة، وسيتأثر تاريخ القرن الحادي والعشرين إلى حد كبير بطبيعة العلاقات الصينية الأمريكية. وسيكون لزاماً على ترامب، الذي يتأرجح بين الانتقادات الشديدة للصين بشأن التجارة وامتداح الرئيس شي جين بينج، أن يوازن بين شواغله المشروعة بشأن التجارة وضرورة تجنب الدخول في حرب تجارية. ويتعيّن على شي جين بينج أن يقرر ماذا يستطيع أن يقدّم لإرضاء زائره الأمريكي دون المساس بمكانته أو مكانة حزبه في نظر الشعب الصيني.
مع ذلك، ستشكل كوريا الشمالية الاختبار الأكبر. ويتعيّن على ترامب وشي أن يعملا على إيجاد السبيل لنزع فتيل الأزمة التي تلوح في أفق شبه الجزيرة الكورية -أو إدارة العواقب إذا فشلت الدبلوماسية واندلعت الحرب. ومن الأهمية بمكان في السيناريو الأخير منع حرب كورية ثانية من إشعال حرب مباشرة بين الولايات المتحدة والصين، كما فعلت الحرب الأولى. وسيشكل التعاون ضرورة أساسية للإبقاء على السيطرة على المواد النووية في كوريا الشمالية. وكل هذا يتطلب دبلوماسية بارعة. ولا نملك إلا أن نأمل بإخلاص أن يُرسي ترامب وشي قريباً الأساس لهذه الدبلوماسية البارعة.

رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية، شغل سابقاً منصب مدير التخطيط السياسي في وزارة الخارجية الأمريكية (2003-2001)، وكان مبعوث الرئيس جورج دبليو بوش الخاص في أيرلندا الشمالية.