6850 عاماً من العزلة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/نوفمبر/٢٠١٧ ١٢:٢٨ م
6850 عاماً من العزلة

الحياة لا تمشي بشكل مستقيم أو متصاعد كما يُخيّل لنا، بل تدور في دوائر. تكرر الشخصيات نفسها بأسماء جديدة. تتكرر الأحداث بتفاصيل محدثة. وتأتي نهاية كل حقبة كنسخة ملونة للحقبة التي سبقتها. هذا هو ملخص الفكرة التي قامت عليها رواية "مئة عام من العزلة" لجابرييل جارثيا ماركيز. وهذا هو جوهر حياة قرية "ماكوند" التي استقرت فيها عائلة خوسيه بوينديا وعمّرتها. كبرت العائلة فيها وجاء الأولاد والأحفاد وكبرت القرية معهم. وعندما وفد إليها الغجر تنبأ المشعوذ "ملكياديس" بنهايتها في مجموعة أوراق سحرية لا يمكن قراءتها إلا بعد 100 عام. 10 عقود قضتها القرية في عزلة وصراع. قصص حب وحرب، هزائم وانتصارات. انتهت بفنائها بعد مئة عام برياح عجيبة دمّرت القرية بعد أن انهارت العائلة نفسها بسبب أخطائها المكررة جيلاً بعد جيل.
إنها الحياة البشرية بين دفتي كتاب، مُصاغة بشكل كئيب لا يُناسب مذاقه المرّ شهيتي.
أعترف أني حاولت قراءة الرواية مرتين لأفهم سبب طبع 30 مليون نسخة منها، وفوز كاتبها بجائزة نوبل بسببها. في المرة الأولى تركت يد أبطال الرواية في منتصف الطريق، فالإطناب في وصف الطبيعة ونسيج الحياة الكولومبية أشعرني بالضجر لبعده عمّا ألفته. في المرة الثانية تمكنت من الاندماج فيها بعد أن سحبت حقائقها وأحداثها المجردة على أحداث وحضارات عجّ بها التاريخ تشاركت مع مدينة "ماكوند" التي بناها خيال ماركيز في نشأتها الواعدة، وصراعاتها العبثية، وفسادها الذي قضى عليها في النهاية. لذا قال برنارد شو يوماً "إن التاريخ يُعيد نفسه مرتين: مرة على شكل مأساة ومرة على شكل مهزلة" والحق أن التاريخ أعاد نفسه لليوم ألف مرة، وعلى شكل مأساة ومهزلة في الوقت ذاته دوماً..
إن القلق الذي يسكن أجفان العالم من حروب ومهالك جديدة، نتاج حتمي لتكرار البشر لأخطائهم عصراً بعد آخر. فالإنسان -رغم ذكائه الظاهري- مبتلى بغرور يمنعه من استلال العِبر فيُجرّب المجرب، ويقع في ذات الحفر التي وقع فيها أسلافه.. مرة بعد مرة..
---------------
هامش: يقدّر البعض عمر البشرية بـ6850 عاماً استناداً إلى المصادر التوراتية، والله أعلم.