أوراق أوروبية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٠ ص
أوراق أوروبية

جاي فيرهوفشتات

يبدو أن التحالف عبر الأطلسي -الذي أسَّس لعقود من الزمن للاستقرار العالمي، وحَصَّن الديمقراطية، وصان الغرب كما نعرفه- أصبح خاضعاً لضغوط شديدة، وبات مهدداً بالانهيار إلى الأبد. ولا شك أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -الذي دأب على تحدي تحالفات أمريكا التقليدية، بما في ذلك من خلال الهجوم على منظمة حلف شمال الأطلسي- يتحمّل قدراً كبيراً من المسؤولية عن هذا التدهور. ولكن أوروبا، من خلال تقاعسها، ساهمت أيضاً في بلوغ هذه الحال -والآن يتعيّن عليها أن تسهم في إصلاحها.

يتفق القادة الأوروبيون على أن الهيكل المؤسسي الحالي في منطقة اليورو معيب، وهم يعرفون ماذا يتعيّن عليهم أن يفعلوا. ولكن تظل آفة الجمود متمكنة منهم، ويقيّد الاتجاه المحافظ حركتهم، وتشغلهم السياسة الداخلية، ويسمح العديد من القادة لأنفسهم بالوقوع رهينة للتشكك الشعبوي في أوروبا. وقد فشلوا نتيجة لهذا في اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان استقرار الاتحاد الأوروبي في الأمد البعيد، بما في ذلك الاتحاد المصرفي الكامل لدعم الموارد المالية الأوروبية ونظام حقيقي للحوكمة الاقتصادية على نطاق الاتحاد الأوروبي بالكامل.الخبر السار هنا هو أن الدعم الشعبي للاتحاد الأوروبي تحسّن بشكل ملحوظ منذ صوتت المملكة المتحدة لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في يونيو 2016، الأمر الذي أتاح الفرصة لإحداث إصلاح حقيقي. ولكن نافذة الفرصة لن تظل مفتوحة لفترة طويلة. وحتى الآن، فشل قادة الاتحاد الأوروبي في الاستفادة من الدعم المتجدد للمشروع الأوروبي لعرض الحجج الداعمة للتغيير.هذا لا يعني أن الخطوات الإيجابية غائبة تماماً. ففي تناقض مرحّب به مع نزوع ترامب الجاهل نحو فرض تدابير الحماية، واصل الاتحاد الأوروبي دفع عجلة التجارة الحرة، من خلال إبرام اتفاقيات تجارية مع كندا واليابان، وفتح المفاوضات مع أستراليا، وكتلة ميركوسور في أمريكا اللاتينية، ونيوزيلندا. ولا بد أن يكون أداء قادة أوروبا أفضل في التواصل مع المستفيدين المحتملين من اضطلاع الاتحاد الأوروبي بوضع قواعد التجارة العالمية.

وينطبق الأمر نفسه على المجالات الأخرى حيث يُبدي الاتحاد الأوروبي زعامته القيمة. على سبيل المثال، تقود المفوضية الأوروبية الطريق نحو كبح جماح إساءة استخدام انفتاح الحساب الرأسمالي -وبشكل خاص، من خلال الحد من التهرب الضريبي من جانب الشركات متعددة الجنسيات داخل الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى.وينبغي للقادة الأوروبيين أن يعملوا على إبراز هذه الجهود. فبعد مرور ما يزيد على العام قليلاً منذ أكدت أوراق بنما على حجم التهرب الضريبي من قِبَل أثرياء العالم، جاء إطلاق ما يُسمى «أوراق الفردوس» ليفضح مرة أخرى أولئك الذين ضخوا مبالغ طائلة من المال إلى ملاذات ضريبية آمنة في الخارج -بما في ذلك عدد كبير من الوزراء في حكومة ترامب. والآن حان الوقت لكي يعكف الاتحاد الأوروبي على وضع سجل عام كامل لمالكي الائتمان المستفيدين، في حين يضاعف جهوده في سبيل الإصلاح العالمي.
ومن الخطوات الأخرى الإيجابية التي من المتوقع أن يتخذها الاتحاد الأوروبي هذا الشهر، في إطار قمة جوتنبرج الاجتماعية، إقرار الدعامة الأوروبية للحقوق الاجتماعية من قِبَل المجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية، والبرلمان الأوروبي. تركز الدعامة الأوروبية للحقوق الاجتماعية على ضمان تكافؤ الفرص والقدرة على الوصول إلى سوق العمل، وظروف العمل العادلة، والحماية الاجتماعية والإدماج..إذا أخفق الاتحاد الأوروبي في اغتنام الفرصة لتنفيذ الإصلاحات الفعّالة، فقد تستعيد الاتجاهات السياسية غير الليبرالية داخل الكتلة قوتها، وخاصة إذا سُمِح للدول الأعضاء التي تتحرك بالفعل في هذا الاتجاه -بولندا والمجر على وجه التحديد- بالاستمرار على مسارها الحالي. وخارج حدود الاتحاد الأوروبي، يتعيّن على قادة الكتلة أن يسارعوا إلى عرض نوع جديد من العلاقات لا يقوم على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف على تركيا، حيث ركز الرئيس رجب طيب أردوجان السلطة السياسية بين يديه.
لا تملك أوروبا أي اختيار سوى التحرك الآن. فعلى نحو شبه يومي، تظهر أدلة جديدة تشير إلى أن ترامب يظل ملتزماً بنهج «أمريكا أولاً»، الذي يتبرأ من دور الولايات المتحدة التقليدي بوصفها المدافع الرئيسي عن الديمقراطية الليبرالية. وسيواصل الشعبويون -المنتمون إلى اليمين والأنظمة الاستبدادية في أوروبا وغيرها- مساعيهم الرامية إلى استغلال فراغ الزعامة العالمية الناتج عن انسحاب الولايات المتحدة. والسبيل الوحيد لحماية النظام العالمي الليبرالي هو أن تتقدم قوى أخرى -بدءاً بالاتحاد الأوروبي- لشغل الفراغ.يتعيّن على قادة العالَم أن يقاوموا ضغوط القَبَلية السياسية قصيرة الأجل وأن يتصدوا للتحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تنتظرهم. وسيفشل الشعبويون وأنصار تدابير الحماية من اليمين واليسار حتماً في الوفاء بوعودهم التبسيطية. ولكن لا بد أن تكون القوى الوسطية والتقدمية في أوروبا جاهزة ومستعدة.

رئيس وزراء بلجيكا الأسبق