اضطرابات قد تهز العالم

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٤/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٤٩ ص
اضطرابات قد تهز العالم

كريستوفر سمارت

من أهم أسرار الأسواق العالمية اليوم حماسها الكبير، رغم أن العالم من حولها في حالة من الفوضى والانهيار. ومع ذلك، يُظهر المستثمرون عقلانية كبيرة عندما يتعلق الأمر بتقييم المخاطر السياسية. وإذا كان الاستثمار يُعطي الأولوية للتدفقات النقدية المستقبلية، فمن المهم التركيز بشكل دقيق على ما سيؤثر أو لن يؤثر على تلك التوقعات. وقد تكون الأزمات المحتملة الأكثر وقعاً أو عنفاً هي تلك التي يسهل على السوق فحصها.

والأخطر من ذلك، التحولات التدريجية في المؤسسات العالمية التي ترفع التوقعات حول كيفية تصرف اللاعبين الرئيسيين. وقد تظهر هذه التحولات ببطء شديد، ولكنها يمكن أن تغيّر أساساً حساب التفاضل والتكامل لتقييم المخاطر والعائدات المحتملة.

من السهل أن يفسر سوق اليوم الأمر من حيث العوامل الأساسية: الأرباح آخذة في الارتفاع، وتم تجنب التضخم، ويبدو أن الاقتصاد العالمي يشهد نمواً واسعاً ومتزامناً. وفي أكتوبر، قام صندوق النقد الدولي بتحديث توقعاته العالمية للتنبؤ بأن عدداً قليلاً فقط من البلدان الصغيرة سيعاني من الركود في العام المقبل. وبينما تخطط البنوك المركزية الرئيسية، أو بدأت بالفعل، لتشديد السياسة النقدية، ستبقى أسعار الفائدة منخفضة في الوقت الحالي.
ومن غير المرجح أن تغيّر الأزمات السياسية التحليل الاقتصادي للمستثمرين، مهما كانت مثيرة. حتى بعد وقوع أعظم الكوارث في القرن العشرين، استعادت الأسواق مكانتها بسرعة.

بعد هجوم اليابان على بيرل هاربور، انخفضت أسواق الأسهم الأمريكية بنسبة 10%، لكنها تعافت في غضون ستة أسابيع. وبالمثل، بعد الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر 2001، انخفضت الأسهم الأمريكية بما يقرب من 12%، لكنها عادت مرة أخرى لترتفع في غضون شهر. وبعد اغتيال الرئيس جون كينيدي، انخفضت أسعار الأسهم أقل من 3%، لكنها استرجعت قيمتها في اليوم التالي.

نعم، تختلف كل أزمة سياسية عن الأخرى. ولكن من خلال معظمها، أشار المستثمر المخضرم في الأسواق الناشئة ينس نيستدت، أنه يمكن للمشاركين في السوق الاعتماد على استجابة صناع القرار. وستعمل البنوك المركزية ووزارات المالية دائماً لتعويض فرضية المخاطر المتزايدة عن طريق تعديل أسعار الفائدة أو السياسات المالية، ويقوم المستثمرون بإعادة الأصول إلى قيمتها التي كانت عليها قبل الأزمة.
واليوم، يتصدر الصراع مع كوريا الشمالية بشأن برامجها النووية والصاروخية معظم قوائم الأزمات المحتملة. ومن شأن الحرب المفتوحة أو وقوع حادث نووي في شبه الجزيرة الكورية أن تؤدي إلى كارثة إنسانية، وتوقف التجارة مع كوريا الجنوبية -الاقتصاد الثالث عشر في العالم- وإرسال صدمات سياسية حول العالم. ومع ذلك، فإن هذه الكارثة ستكون على الأرجح وجيزة، وستكون نتائجها واضحة وفورية.
وستظل القوى الرئيسية في العالم منظمة إلى حد ما، كما ستظل التدفقات النقدية المستقبلية في معظم الاستثمارات مستقرة.
ونفس الشيء يمكن أن يُقال عن المملكة العربية السعودية، حيث قامت السلطات السعودية بحملة كبيرة ضد الفساد تمثلت بإيقاف عدد كبير من المسؤولين للتحقيق معهم عن مصادر ثرواتهم المالية. وحتى لو كان الاضطراب المفاجئ في المملكة سيؤدي إلى تحويل ميزان القوى في الشرق الأوسط، فإن البلاد ما تزال ترغب في الحفاظ على صادراتها. وإذا كان هناك انقطاع في التدفقات النفطية العالمية، فإنه سيتم تخفيفه من قِبل المنتجين المتنافسين والتكنولوجيات الجديدة.
وبالمثل، فإن الانهيار السياسي أو الاقتصادي الشامل في فنزويلا ستكون له آثار إقليمية خطيرة، وقد يؤدي إلى أزمة إنسانية أعمق هناك. ولكن على الأرجح لن يكون لها أي تأثير واسع النطاق أو عام على الطاقة والأسواق المالية.
وكثيراً ما تكون هذه السيناريوهات في العناوين الرئيسية للصحف، وبالتالي فإن احتمال حدوثها لن يكون مفاجئاً. ولكن حتى عندما تندلع الأزمة، مثل هجوم إلكتروني أو وباء، بشكل غير متوقع، فإن الاضطراب الناجم عن السوق عادة ما يستمر لحين قيام المستثمرين بإعادة تقييم معدلات الخصم وتدفقات الأرباح المستقبلية.
وعلى النقيض من ذلك، فإنه من المرجح أن تؤدي التغيّرات في الافتراضات الاقتصادية المشتركة على نطاق واسع إلى عمليات تصفية، عن طريق دفع المستثمرين إلى إعادة تقييم احتمال تحقيق التدفقات النقدية المتوقعة فعلاً. وقد يكون هناك وعي بين المستثمرين بأن معدلات النمو آخذة في التباطؤ، أو أن البنوك المركزية لم تتنبأ بظهور التضخم مرة أخرى. أو قد يحدث التغيير بشكل مفاجئ، مع اكتشاف مبالغ كبيرة من «القروض السامة» التي من غير المرجح أن تُسدد.
وكما يعلم المستثمرون في الأسواق الناشئة، فإن التغيّرات السياسية يمكن أن تؤثر على الافتراضات الاقتصادية. ولكن مرة أخرى، ينبع الخطر ليس من الصدمات التي لا يمكن التنبؤ بها بل من التآكل البطيء للمؤسسات التي يثق بها المستثمرون للتنبؤ بعالم غامض.
وعلى سبيل المثال، فإن المستثمرين في تركيا على علم بأن ابتعاد البلد عن الديمقراطية أدى إلى إبعاده عن أوروبا، مما يعرّض العائدات المستقبلية لمخاطر جديدة. وفي البرازيل، رغم فضيحة الفساد المستمرة التي أطاحت بالرئيسة السابقة والتي يمكن أن تطيح بالرئيس الحالي، فإن المستثمرين يدركون أن مؤسسات البلاد تعمل -وإن كانت بطريقتها الخاصة- مع تحمّلها المخاطر وفقاً لذلك.
أما الخطر السياسي الأكبر الذي يواجه الأسواق العالمية اليوم فهو يتمثل في خضوع الفاعلين الرئيسيين الذين يشكلون توقعات المستثمرين لإعادة تنظيم أساسية. والأكثر إثارة للقلق هو سعي الولايات المتحدة الآن إلى رسم دور عالمي جديد لنفسها في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب.
وبالانسحاب من الاتفاقات الدولية ومحاولة إعادة التفاوض بشأن الصفقات التجارية القائمة، أصبحت الولايات المتحدة أقل قابلية للتنبؤ بها. وبالنظر إلى المستقبل، إذا ما استمر ترامب وزعماء الولايات المتحدة في المستقبل في التعامل مع بلدان أخرى من خلال معاملات مجموع الصفر بدلاً من بناء المؤسسات التعاونية، فإن العالم لن يكون قادراً على جمع استجابة مشتركة للفترة المقبلة من الاضطرابات في السوق العالمية.
وفي نهاية المطاف، فإن الولايات المتحدة المضطربة ستفرض ثمناً أعلى في كل مكان تقريباً.
وما لم تتدخل دورات اقتصادية أخرى قبل أن تتحوّل توقعات المستثمرين، فإن ذلك سيكون نهاية ازدهار السوق الحالي.

زميل أول في مركز مصفر رحماني للمؤسسات

والحكومات في مدرسة كينيدي جامعة هارفارد