استثمار مبادرات الشباب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٢/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٢٢ ص
استثمار مبادرات الشباب

احمد المرشد

عكس منتدى الشباب العالمي الذي استضافته مدينة شرم الشيخ المصرية خلال الأسبوع الفائت أهمية اعتماد الدول على الشباب وتكريس دورهم في بناء الأوطان بصفتهم العماد والأساس لمستقبل أي بلد، فالشباب حقاً هم عماد الأوطان ومستقبلها، ولدينا المرجعية التاريخية والإسلامية في هذا، فقد عيَّن رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد قائداً لجيوش المسلمين وعمره 17 عاماً لغزو الروم بالشام رغم وجود كبار الصحابة بالجيش، وكان ذلك في العام 11 هجرية. ليس هذا فقط، فقد ولى أول خليفة للمؤمنين أبو بكر الصديق قيادة الجيش لأسامة بن زيد أيضاً عندما توفي رسول الله، فسار الجيش إلى الوجهة التي وجهه إليها رسول الله ومشى ابن زيد ومعه أبو بكر يودعه.. ومع تولية الشباب كانت نصيحة الشيوخ، حيث أوصى أبو بكر أسامة بن زيد بوصية تصلح لكل زمان ومكان لمن يقود حرباً، وجاء فيها: «سيروا على بركة الله واغزوا باسم الله وقاتلوا من كفر بالله ولا تغدروا ولا تغلوا ولا تقتلوا شيخاً كبيراً ولا امرأة ولا طفلاً ولا تقطعوا شجرة ولا تذبحوا شاة إلا للأكل». كما شارك ابن زيد في حروب الردة والكثير من الفتوحات الإسلامية التي أبلى فيها بلاءً حسناً، وعُرفت عنه بصمته القوية ودوره العظيم في فتح كثير من البلاد ونشر الإسلام بها.

فالشباب هم القاطرة لبناء المجتمع وتقدمه ودعامته الأساسية، فقوة الشباب وطاقاته المفعمة بالحيوية هي سبب نهضة الكثير من الأمم؛ لأن بنيان أي دولة يتطلب في تشييده سواعد قوية وعقولاً مبتكرة، ولكن لا نغفل هنا مشورة الشيوخ ونصائحهم للشباب، لتكتمل دور الطاقة والعمل. لقد أصبح الشباب رقماً صعباً في بناء الدولة الحديثة وجزءاً مهماً في معادلة التغيير للأفضل، وهم الأمل الذي تستند عليه جميع الأمم في بنائها ورقيها ونمائها.. كما أصبح طموح الشباب سبباً لتحفيزهم على بذل المزيد من الجهود في سبيل الوصول إلى ما يصبون إليه في سبيل الإنجاز والنجاح والاستعداد للمستقبل الواعد.

وعودة لمنتدى شرم الشيخ، فمجرد فكرة التقاء الشباب من مختلف أنحاء العالم يعدّ أساساً قوياً لتلاقي المبدعين والملهمين والخبراء وصغار العلماء، وإتاحة الفرص أمامهم لرسم خريطة تنموية عالمية تمهد لنجاح دولهم.. فاستخلاص الأفكار عملية مهمة في طريق النجاح أمام الشباب ليضعوا أقدامهم على طريق التقدم. فالشباب هو الفئة القادرة على مواجهة مسؤوليات وتحديات جسام، وهم الذين سيجنون عوائد العملية التنموية التي يمرّ بها العالم، خاصة في ظل تبادل الشباب خلال المؤتمرات والمنتديات التجارب الناجحة والتي تحفّزهم على الإبداع وحشد هممهم وطاقاتهم الكامنة ليكتبوا حكاية النجاح الخاصة بهم.
ولعل من الأهمية بمكان، أن تكون لدى كل دولة عربية إرادة سياسية حقيقية للتواصل مع الشباب، وهذا يعدّ تحدياً كبيراً في صناعة المستقبل، وأي غياب أو تغييب لتلك الفئة المهمة في المجتمع سينعكس بالضرر والسلب على المجتمع ذاته، فيما ترسم عملية التواصل تشابك الأجيال وتبادل الأفكار والنصائح. وإذا تحدثنا تحديداً عن عملية الابتكار والمعرفة، فهي عملية شابة لا يقوم بها سوى الشباب الواعد القادر على الاندماج في مجتمعه والمشاركة في صنع مستقبله، بما يمكن من خلاله استثمار كل الإمكانيات المتوفرة لتحقيق التنمية المستدامة والارتقاء بحياة الشعوب. لقد أوضح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في إحدى جلسات المنتدى، أن «استراتيجية مصر 2030» تنقسم إلى 12 محوراً رئيسياً، تشمل: التعليم، والابتكار والمعرفة والبحث العلمي، والعدالة الاجتماعية، والشفافية وكفاءة المؤسسات الحكومية، والتنمية الاقتصادية، والتنمية العمرانية، والطاقة، والثقافة، والبيئة، والسياسة الداخلية، والأمن القومي والسياسة الخارجية والصحة. وأمامنا 4 محاور على الأقل تتعلق بالشباب بل ترتبط بهم ارتباطاً كلياً، وهم التعليم والابتكار والمعرفة والبحث العلمي، ويمكن إضافة محاور أخرى في صميم عمل الشباب ولكننا نكتفي بالإشارة إلى طاقات الشباب وإبداعهم في المجالات التي ذكرناها.
ومن الأهمية بمكان أيضاً أن تكون لدى القيادات الرغبة الأساسية لتنفيذ توصيات منتديات الشباب، فتلك التوصيات لا تخرج هباءً، وإنما بعد جهد ومناقشات ورصد وتحليل وتقويم دراسات عديدة تم استعراضها مع الأفكار التي تمت مناقشتها باستفاضة، وتكون النتيجة الفعلية لتنفيذ تلك التوصيات على أرض الواقع المساهمة في صناعة المستقبل بأيسر السبل.
ليس هذا فحسب، فثمة مطلب مهم مع رغبة القيادة في تنفيذ توصيات المؤتمرات، هذا المطلب يتعلق بضرورة تمكين الشباب ومشاركته في تنفيذ أفكاره، ليقف على حجم التحديات الموجودة بعيداً عن الأحلام الوردية، خاصة في ظل أن البعض يعتقد أنه بمجرد طرح فكرة أو مبادرة يكون من السهل تنفيذها على أرض الواقع، ولكن بمشاركة الشباب وتمكينه في صناعة القرار، سيتفهمون عن قرب حجم التحديات التي تواجه أي صانع قرار.
وعلى سبيل المثال، ساهم منتدى شرم الشيخ في طرح أفكار مبدعة أمام كل الوزارات تقريباً، وإذا أراد أي وزير أو مسؤول النهوض بوزارته، فعليه عمل تصوّر عام للأفكار القابلة للتنفيذ التي خرجت وناقشت العديد من القضايا، خاصة أن المناقشات ولّدت أفكاراً جديدة في جميع المجالات لتطبيقها. وأذكر منها ما أشار إليه أحد المشاركين الشباب الذي أصرّ على طرح فكرته أمام الرئيس المصري، وكانت فكرته تحديداً تصب في اتجاه إمكانية زرع كلى صناعية لمرضى الكلى بما يوفر ملايين الجنيهات لميزانية الدولة ناهيك عن الهدف الأسمى من الاختراع وهو سهولة علاج المرضى وتخفيف آلامهم، مجرد فكرة عرضت في المنتدى كفيلة بفتح مجال علاج مرض صعب ويوفر للدولة أموالاً طائلة تصرفها في عمليات جراحية وأدوية وخلافه.
كتبت قبل شهرين تقريباً عن ضرورة تأهيل الشباب الخليجي للعمل خارج النطاق الحكومي والتأهيل للمشاركة بقوة في القطاع الخاص للمساهمة في تنمية المجتمعات الخليجية، وربما توفر تلك المنتديات الشبابية الأفكار والمبادرات التي تمكّن الشباب من استثمار معارفهم ومؤهلاتهم العلمية وثرواتهم حتى لو كانت محدودة في فتح آفاق جديدة أمامهم بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية التي باتت حلماً في وقتنا الراهن.
ويُكتب للبحرين تنظيمها مؤتمر الشباب الدولي الثامن قبل عام تقريباً بمشاركة 1600 مشارك يمثلون 32 دولة، والذي نقل للعالم أجمع إنجازات شبابنا في المجالات الرياضية والإنسانية والعلمية والثقافية والاقتصادية والتجارية، شباب قوي نمتن له ونقدّره لما بذلوه من أجل رفع مكانة البحرين وجعل رُقيها هدفاً أسمى في مسيرة نجاحهم.. ولمَ لا؟ وقد تمت مشاركته في صنع القرار وتمكينه في قيادة مؤسسات الدولة من خلال توليه المناصب القيادية المختلفة.

كاتب ومحلل سياسي بحريني