«حماية المستهلك»: فاضلـوا بين «السلـع» قبل الشراء

مؤشر الأربعاء ٠٨/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٤٤ ص
«حماية المستهلك»: فاضلـوا بين «السلـع» قبل الشراء

مسقط -

تمرُّ العملية الشرائية التي يقوم بها المستهلكون بمراحل وخطوات عدة، فالبعض منهم يبدأها بالتخطيط المسبق لشراء سلعة بعينها، والبعض الآخر يتجه إلى الشراء للسلعة بشكل مباشر، وبينهما من يقف أمام الخيارات المعروضة فيفاضل بينها ويختار منها وفق معايير يحددها كالسعر أو الجودة أو دولة المنشأ.

تحكمها معايير متعددة

يقول مدرب المهارات الإدارية مازن الغافري: «إن ثقافة الاستهلاك تُعدُّ من السمات الحضارية التي تلقي بظلالها على المجتمعات المعاصرة، ولقد أتاح ظهور الشركات المتنافسة في العصر الحديث، وعدم اقتصار إنتاج المنتج على شركة محتكرة معينة، وظهور وسائل النقل والشحن التي تصل لجميع أنحاء العالم؛ نوعاً من الخيارات التي يستطيع المستهلك أن يختار من بينها، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما المحدد الذي من خلاله يستطيع المستهلك أن يختار من بين مجموعة كبيرة من البدائل التي تتوافر في السوق؟ وربما السؤال الأجدر الذي يمكن أن أطرحه هنا هو: متى يلجأ المستهلك لعملية الاختيار بين البدائل؟ ربما لو تطرقنا للإجابة عن السؤال الأول لوجدنا أن هناك الكثير من المحددات التي تجعل من المستهلك يفاضل بين المنتجات المتعددة، ولعل أبرز هذه المحددات، هو ما أشار إليه نموذج ونتر وأريش، الذي يؤكد أن عملية الشراء تبدأ قبل الشراء الفعلي والتي تمتد نتائجها إلى ما بعد الشراء، ففي هذا النموذج نجد أن المستهلك يمر بست مراحل: المثير أو المؤثر الذي يدفعه للشراء، البحث عن البدائل، تجميع المعلومات، تقييم البدائل، اتخاذ القرار، سلوك ما بعد الشراء».
ويضيف الغافري: «إن نقطة البداية حسب النموذج السابق هو ظهور الحاجة لدى المستهلك، والتي عادة ما تكون مبررة بمثير تدفع المستهلك للتفكير في اقتناء السلعة، فلو أخذنا على سبيل المثال رغبة مستهلك ما في شراء هاتف فإن عادة ما يكون المثير هو الحاجة إلى التواصل الاجتماعي، والذي يدفع المستهلك للتفكير في شرائه، ثم ينطلق المستهلك إلى النقطة الثانية وهي جمع المعلومات من مصادر عديدة فلا يكفي أن يكون المنتج عبارة عن أداة تواصل فقط فهناك سمات، وحاجات أخرى، وربما يكون أهم مصدر للمعلومات بالنسبة للمستهلك هي خبرات الآخرين الذين قاموا بتجربة المنتج، وأخذ آرائهم حوله، أو ربما قد يتأثر المستهلك بإعلان تسويقي من خلاله ينجذب إلى سلعة بذاتها، وقد يكون المستوى الثقافي، والاجتماعي هو ما يحدد قرار المستهلك في الاختيار. ثم يأتي البحث عن البدائل الموجودة في السوق من بين العديد من البدائل المتاحة والمتوافرة، وذلك من خلال المخايرة بين مجموعة من الشركات، والموديلات الموجودة في السوق، معتمداً في ذلك على معايير عديدة مثل: قيمة المنتج، وجودته، والخدمات التي من الممكن أن تقدمها المنظمة المصنعة للمنتج، وغيرها من المعايير التي يعتمدها المستهلك لذلك الغرض. بعدها يقوم المستهلك باتخاذ القـــــرار بالشراء، من خلال تقرير مكان الشراء، والسعر الذي من الممكن أن يدفعه، والمكان الذي يشتري منه المنتج، وطريقة الدفع التي سيقوم من خلالها بسداد ثمن المنتج، وفي النهاية يقوم المستهلك بعد شراء المنتج وامـــــتلاكه بتقييمه، والتعبير عن مدى رضاه من عدمه ومدى إشباع هذا المنتج لحاجاته من عدمها، ولعل المرحلة الأخيرة هي مرحلة مؤثرة في عملية قرار مســـــتهلك آخر ينوي شراء المنتج نفسه، ذلك أن قرار المستهلك عادة مرتبط بخبرات المستهلكين السابقين، فقد أثبتت دراسات مختصة، أن كل مستهلك اختبر منتجاً قد أخبر عشرة، أو أكثر عن تجربته حول ذلك المنتج مما يؤثر على عملية الشراء المستقبلية للمستهلكين الآخرين. ربما الاختيار من بين البدائل الكثيرة من المنتجات يعد الأمر أكثر تعقيداً، إذ إن كثرة الشركات، وتعدد المنتجات يجعل من عملية الشراء عملية غير سهلة، إذ تكتنفها الحيرة، والتردد، لذا لا بد للمستهلك أن يكون على وعي كبير بعملية الاختيار، وذلك من خلال تحديد نوع المنتج المراد شراؤه من ناحية الحاجة والقصد من شرائه».
من جهة أخرى، يقول مساعد العميد للتدريب بكلية العلوم والآداب في جامعة نزوى والأستاذ المساعد في علم الاجتماع د.حسين بن سعيد الحارثي: «إن البدائل السلعية هي عبارة عن منتجات تحل محل منتجات أخرى، وتقوم مقامها في تحقيق الهدف أو الفائدة المرجوة سواء كانت تحمل بعض أو كل خصائص السلعة الأصلية أو مختلفة عنها، لكنها في الأخير يمكن أن تكون بديلاً عنها. والمفاضلة بين البدائل تعني أن يتخذ المستهلك قرار اختيار السلع بناءً على مدى توافر أكثر من سلعة لتحقيق الهدف والفائدة من شرائها».

نوعان لفوائد المفاضلة

وعن فوائد المفاضلة بين البدائل، يوضح الدكتور وجود نوعين لها: الأول يعود إلى المستهلك بحيث يمكنه أن يختار ما يناسب ذوقه وميزانيته، بالإضافة إلى توفير الجهد والوقت الذين يمكن أن يقضيهما بحثاً عن السلعة أو «الماركة» التي اعتاد على شرائها. أما النوع الثاني من الفوائد فهو ذلك الذي يعود على الاقتصاد المحلي من حيث تنوع السلع في الأسواق، وما يصاحبه من حركة تجارية تشبع رغبات المستهلك واحتياجاته.
وعادة ما يتأثر المستهلك بطبيعة التطورات الاستهلاكية المحيطة به خصوصاً ونحن نعيش في عصر الفضاءات المفتوحة. وينصح الدكتور المستهلك بأن يحدد الهدف والفائدة من السلعة أو المنتج ومدى الحاجة الفعلية إليه قبل الشراء، مؤكداً أن أهمية المقارنة بين السلعة التي يحتاجها ومدى توافر بدائل عنها ممكن أن توفر له الوقت والجهد والمال، وألا يتأثر بالتحديثات والموضات طالما أنها لن تضيف شيئاً مهماً له.
الكاتب سلطان بن خميس الخروصي قال: «المفاضلة بين السلع قبل الشراء ثقافة ذاتية ضرورية، فانتقاء البديل الأفضل والأجود هو مطلب المستهلك ومبتغاه، كما أنه يوجِد بيئة صحية لدى البائع والمستهلك لتحقيق التوازن بين الخيارات كمّاً ونوعاً». ويعتقد الخروصي أن الأمانة هي حجر النرد الأساس في إيجاد بيئة المفاضلة والانتقاء، فحينما يوفّر المورّد البدائل بدرجات جودة مختلفة دون غش لاستنزاف جيوب المستهلكين فإنه يمكن الحديث عن ضرورة رفع المستوى الآمن من الوعي الثقافي التفاضلي للمستهلكين وفقاً للجودة والسعر والمواصفات التي تتناسب مع ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، فلو عرض المورّد بضاعة معينة بخيارات وأسعار متفاوتة وجزم بجودة البعض منها، وأنها تتسم بمصدرها المباشر من المصنع لكنها في الحقيقة مقلّدة وركيكة فأنّى لثقافة المفاضلة أن يكون لها موطئ قدم في هذا الموقف. ويسرد الخروصي موقفاً له قائلاً: «من المواقف التي وقــــــعت فيها وما زلت أعاني منها المفاضلة بين مركــــبتين، فقد عزمت على شراء مركبة جديدة ورصدت لها المبلغ وهي على قدر مشهود لها بالجاذبية والأناقة والفـــــخامة والجودة، لكنني فاضلت عنها مركبة أخرى بسبب العرض والخدمات المقدمة هنا، ولم تكن مفاضـــــلتي موفقة فقد عشت مع الخيار الثاني مأساة في التصنيع منذ خمس سنوات حتى اللحظة، فكانت تجربة مفاضلة فاشلة للأسف».

طرق المفاضلة

يقول المستهلك علي بن حمد الريامي إنه يقوم بالمفاضلة بين السلع قبل الشراء بهدف انتقاء السلعة ذات الجودة العالية، والتي يضمن بقائها صالحة لمدة أطول، فهذا الأمر يجعل المستهلك يطمئن للسلعة التي اشتراها. ويضيف أن على المستهلك البحث عن أفضل السلع إما عن طريق القراءة والبحث عن أصل السلعة ومكوناتها، أو عن طريق سؤال المحيطين به ممن جرب هذه السلعة حتى يثبت جيداً من أن هذه السلعة ذات جودة عالية، وإن كانت باهظة الثمن.
ويحكي الريامي موقفاً له مع المفاضلة قائلاً: «آخر موقف حدث لي قمت فيه بالمفاضلة هو إطارات السيارة، فقد اضطررت للدخول إلى مواقع الشبكة العالمية للقراءة والبحث عن أفضل الإطارات التي تحمل مواصفات عالية والتي تبقى لفترات أطول، ولم أكتفِ بذلك فقد سألت الأصدقاء وعرضت عليهم مجموعة مختلفة من الإطارات وكل أدلى برأيه مما دفعني إلى الاستقرار على نوع واحد وشرائه بعد التثبت من جودته حسب شهادات الأصدقاء وحسب ما ذكرته مختلف مواقع الشبكة العالمية الإنترنت».

التأكد من السعر

وتشير المستهلكة فاطمة بهوان إلى أن هدفها من المفاضلة قبل الشراء هو التأكد من سعر السوق للبضاعة، وأخذ أفضل سعر موجود، وتشير إلى أنه ليست كل البضائع المعروضة في السوق لها بدائل بأســــعار أفضل، ففي بعض الأحيان السعر يعني الجـــــودة والقوة، لذلك على المستهلك أن يـــــركز على جودة السلع وقوتها عند الشراء حفاظاً على أمواله التي صرفها عليها.

أهمية «حق الاختيار»

وقال مساعد مدير دائرة الإعلام بالهيئة بدر بن ناصر الجابري: «التسوق عملية ضرورية لابد من القيام بها للتزود بمتطلبات المعيشة اليومية من السلع والمنتجات والخدمات، وإذا قلنا إن التسوق أمر لابد منه فإن ممارسته وفق ثقافة معينة هي التي تحدد النجاح في أي سلعة أو الاستفادة من خدمة ما، فكلما كان المستهلك يمتلك وعياً وثقافة عالية ويمارس معرفته وحقوقه بشكل صحيح؛ حصل على سلعة بسعر جيد وخدمة أفضل، والعكس في موقفه السلبي من ممارسة هذه الحقوق إذا ما ظل أسيراً يتعامل مع السوق بصورة نمطية ويحمل الآخرين مسؤولية كل شيء، ولا يتحمل هو جزءاً من المسؤولية على اعتبار أن السوق تتوافر فيه خيارات متعددة ولديه «حق الاختيار» الذي يتيح له انتقاء السلعة واختيار المناسب له من بين مجموعة من بدائل السلع والخدمات، وهذا الحق المهم إذا مارسه في عمليات الشراء سيحصل على المعلومات الواضحة والصحيحة، ويتيح له المقارنة بين المنتجات والخدمات المختلفة، وهذا يقوده في النهاية إلى الاختيار السليم بعيداً حتى عن الإعلانات المضللة».

جهود الهيئة

وأضاف الجابري: «بدورها قامت الهيئة ممثلة في دائرة الإعلام بتنــــــفيذ عـــــدد من المحاضرات التي تزيد وعــــــي المستهلك بأهمية المفاضلة بين السلع، وعدم التــــسرع في الشراء، كما نفذت الدائرة عدداً من المواد التوعوية كالصفحات، والترويسات الصحفية وغيرها من المواد الأخرى».