كلهم "شماي" وكلنا "متصوعون" والسبب..

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/نوفمبر/٢٠١٧ ١٣:٣٠ م
كلهم "شماي" وكلنا "متصوعون" والسبب..

في العام الماضي، ظهر شاب عراقي يُدعى حيدر دعدوعة من ذوي الاحتياجات الخاصة وهو يُنشد شعراً، يقول فيه كلمات غير واضحة على شاكلة "شماي، وإلك ونّه".
وعوضاً عن أن يرأف الناس بحاله، ويستشيطون غضباً بسخرية الحلاقَين اللذين صوّراه ونشرا مقاطع له. تحوَّل دعدوعة هذا لنجم، نجم في اليوتيوب وكافة وسائل التواصل الاجتماعي. تابع الملايين، وملايين الملايين مقاطعه التي توالت. ودخلت تعبيراته "يمه الحب يمه، وشماي وغيرها" قاموس اللهجة "الشوارعية" وأصبحت جزءاً منها. ولا نعرف ما وجه الطرافة في شاب ابتلاه الله في عقله؟ وما هي السلوى في الضحك عليه لكن لله في خلقه شؤون!
عاد الناس "ليتصوّعوا" لأن أحدهم رقص بطريقة "الزومبي" على أغنية أسمها "متصوّع" لمطرب إماراتي. وأخذت تلك الصرعة وقتها لتتوارى بعد فترة وتنتج ماكينة التفاهة صرعة جديدة.
قبل أسابيع ظهر شاب وهو يستقبل أخته العائدة من المدرسة بالترحاب على طريقة كبار السن. كان تواضع المكان شاخصاً ولافتاً للنظر، تماماً كما كانت عفوية الطفلة. لكن المقطع البريء تحوَّل لصرعة جديدة إذ انشغل الناس في الأسبوعين الماضيين بمحاكاتها وتقليدها وظهرت أغنية لمطرب أسمها "ويه، ويه" لتصعد على شهرتها التي اتسعت بحيث ضاقت بها مدرستها. فأصدرت مديرة المدرسة تعميماً مكتوباً يمنع المعلمات من تصوير الفتاة ونشر مقاطعها.

سألتني إحداهن:
ماذا جرى للناس يا تُرى؟
ولماذا أصبحوا ينبشون ليصطنعوا الضحكة ولو كانت معجونة بالقسوة ومغطاةً بالسماجة!
التحليل الوحيد الذي نملكه لهذا التبجيل للتفاهة والانجرار للسطحية هو أن شعوبنا مصابة "باكتئاب جماعي". صورة من صور الضجر من الواقع مطوّقة باليأس من تغييره. فنحن شعوب لا نعرف ماذا نريد بالضبط. وحتى عندما نعرف لا نعرف طريقاً للوصول لأمانينا المعلقة بنواصي الأقدار. نحن لا نحب الأطروحات الواقعية، ولا نتعلّق بالمبدعين والروّاد والمتميّزين، بل نولي أعيننا شطر الفنانين والعارضين والتافهين والسامجين والعابرين على قارب الضحكة لأننا لا نريد أن نفكر كي لا يستبد بنا الاكتئاب ويفترسنا القهر وينفجر فينا ما نكبت. إننا نحنق أحياناً من السطحية التي نراها لأننا نتجاهل كنتها. إننا نحوِّل الحمقى لمشاهير، والمعوقين لنجوم، والعفويين لظواهر فقط لأننا نريد سبباً للضحك، ومخدِّراً عمّا نحن فيه ومخرجاً للهروب من واقعنا ولو للخلف.
لذا لا نلوم الناس إلا قليلاً ونلوم مَن أوصلهم لهذه الحالة.. طويلاً والمعنى.. في قلب الشاعر.