الطاقة حينما تغيّر الجغرافيا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٠٧/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٤ ص
الطاقة حينما تغيّر الجغرافيا

جوزيف إس. ناي الإبن

في العام 2008، عندما نشر مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي مجلد الاتجاهات العالمية لعام 2025 كان التنبؤ الرئيسي هو المنافسة الشديدة على الطاقة وكان الطلب الصيني آخذ في الازدياد كما أن مصادر أخرى غير منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) مثل بحر الشمال كان يجري استنفادها و بعد عقدين من الأسعار المنخفضة والمستقرة نسبياً، ارتفعت أسعار النفط إلى أكثر من 100 دولار للبرميل في العام 2006 و تحدث العديد من الخبراء عن «ذروة النفط» – على أساس أن الاحتياطات وصلت لذروتها «- وتوقعوا أن يتركز الإنتاج في منطقة الشرق الأوسط المنخفضة التكلفة وغير المستقرة فحتى المملكة العربية السعودية كان يعتقد أنه قد تم استكشافها بشكل كامل مع عدم احتمالية العثور على حقول نفطية كبيرة أخرى.

لقد كان ينظر إلى الولايات المتحدة على أنها تعتمد بشكل متزايد على واردات الطاقة وهذا مع ارتفاع الأسعار كان يحد بشكل كبير من النفوذ الجيوسياسي الأمريكي وقد تحولت السلطة إلى المنتجين.

ولم يتجاهل محللو مجلس الاستخبارات الوطني الأمريكي احتمال حدوث مفاجأة تكنولوجية ولكنهم ركزوا على التكنولوجيا الخاطئة فالتركيز على الإمكانات الواعدة لمصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية جعلهم لا يلتفتون الى العامل المتغير الرئيسي.
لقد كان الاختراق التكنولوجي الحقيقي هو ثورة الطاقة الصخرية و في حين أن الحفر الأفقي و التكسير الهيدروليكي ليس بالشيء الجديد فقد كان تطبيقهما الرائد على الصخر الزيتي جديداَ و بحلول العام 2015، جاء أكثر من نصف إجمالي الغاز الطبيعي المنتج في الولايات المتحدة من الصخر الزيتي.
لقد دفعت طفرة الصخر الزيتي الولايات المتحدة من كونها مستوردة للطاقة إلى مصدرة للطاقة وتقدر وزارة الطاقة الأمريكية أن البلاد لديها 25 تريليون متر مكعب من الغاز الصخري القابل للاسترداد من الناحية الفنية والذي عندما نضمه لموارد النفط و الغاز الأخرى يمكن أن تستمر لمدة قرنين من الزمان وتتوقع الوكالة الدولية للطاقة الآن أن تكون أمريكا الشمالية مكتفية ذاتياً في مجال الطاقة في عشرينيات القرن الحالي و قد تم تحويل المرافق التي تم بناؤها لتلقي واردات الغاز الطبيعي المسال إلى مرافق للتصدير.
لقد تغيرت الأسواق العالمية أيضا بشكل كبير حيث كانت أسواق الغاز في السابق مقيدة جغرافياً بسبب الاعتماد على خطوط الأنابيب وأعطى ذلك قوة السوق إلى روسيا والتي استخدمتها لممارسة النفوذ السياسي والاقتصادي على جيرانها الأوروبيين وقد أضاف الغاز الطبيعي المسال الآن درجة من المرونة لأسواق الغاز وخفض النفوذ الروسي وفي العام 2005، استورد 15 بلداً فقط الغاز الطبيعي المسال أما اليوم، فقد زاد هذا الرقم بمقدار ثلاثة أضعاف.
وعلاوة على ذلك، فإن الحجم الأصغر للآبار الصخرية يجعلها أكثر استجابة للتقلبات في أسعار السوق. إن من الصعب تشغيل وإيقاف الاستثمارات المتعددة السنوات التي تبلغ بلايين الدولارات في حقول النفط والغاز التقليدية؛ ولكن الآبار الصخرية هي أصغر وأرخص و أسهل للبدء والتوقف مع تغير الأسعار مما يعني أن الولايات المتحدة قد أصبحت ما يسمی المنتج صاحب الصوت الحاسم أي القادر علی موازنة العرض و الطلب في أسواق الهيدروكربون العالمية.
وكما أشارت ميغان أوسوليفان من جامعة هارفارد في كتابها الجديد المتميز «ويندفال»، بأن ثورة الصخر الزيتي لها العديد من الآثار على السياسة الخارجية الأمريكية وتقول إن وفرة الطاقة الجديدة تزيد من قوة الولايات المتحدة وأن إنتاج الطاقة الصخرية يعزز الاقتصاد ويوجد المزيد من فرص العمل.
كما يساعد خفض الواردات ميزان المدفوعات وتخفف الإيرادات الضريبية الجديدة من الأعباء على الميزانيات الحكومية حيث أن الطاقة الأرخص تعزز القدرة التنافسية الدولية وخاصة للصناعات التي تعتمد على الطاقة بشكل مكثف مثل البتروكيماويات والألمينيوم والصلب وغيرها.
وهناك أيضا تأثيرات سياسية محلية ومنها ما هو نفسي فالعديد من الناس في الولايات المتحدة وخارجها في وقت من الأوقات كانوا يؤمنون بخرافة الانحدار الأمريكي وكثيراً ما كان يشار إلى زيادة الاعتماد على واردات الطاقة كدليل على ذلك الانحدار.

لقد غيرت الثورة الصخرية ذلك وأظهرت أن وجود مزيج من ريادة الأعمال وحقوق الملكية وأسواق رؤوس الأموال يشكل القوة الكامنة للبلاد وبهذا المعنى فإن الثورة الصخرية قد عززت كذلك من القوة الناعمة لأمريكا.

يقول المتشككون بأن انخفاض الاعتماد على واردات الطاقة سوف يتسبب في انقطاع الولايات المتحدة عن الشرق الأوسط ولكن هذا الطرح يعكس سوء فهم لاقتصادات الطاقة فمن شأن حصول اضطرابات كبيرة مثل حرب أو هجوم إرهابي أن تؤدي الى توقف تدفق النفط والغاز عبر مضيق هرمز مما قد يدفع بالأسعار إلى مستويات مرتفعة جداً في أمريكا وبين حلفائنا في أوروبا واليابان وبالإضافة إلى ذلك إن الولايات المتحدة لديها مصالح كثيرة غير النفط في المنطقة بما في ذلك حظر انتشار الأسلحة النووية وحماية إسرائيل وحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب.

قد تكون الولايات المتحدة حذرة من توسيع نشاطها بشكل يزيد عن الحد في الشرق الأوسط و لكن هذا يعكس تجربتها مع الغزو المكلف للعراق والاضطرابات العامة لثورات الربيع العربي بدلاً من أية أوهام بأن الصخر الزيتي يؤدي إلى استقلال سياسي للطاقة.
إن قدرة أمريكا على استخدام العقوبات النفطية لإجبار إيران على التفاوض لإنهاء برنامجها للأسلحة النوويـــــة لم تعتمد فقط على استعداد السعودية لتعويض صادرات إيران التي تصل لمليون بـــــرميل يومياً بل أيضا على التوقعات العــــامة الناتجة عن ثورة الصخر الزيتي.
وتشمل الفوائد الأخرى من الطاقة الصخرية للسياسة الخارجية الأمريكية تناقص قدرة بلدان مثل فنزويلا على استخدام النفط لشراء أصوات الدول الكاريبية الصغيرة في الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية وانخفاض قدرة روسيا على إبتزاز جيرانها عن طريق التهديد بقطع إمدادات الغاز و باختصار، كان هناك تحول كبير جدا في الجغرافيا السياسية للطاقة.
على الرغم من أنه لا يمكن لأحد أن يعرف مستقبل أسعار الطاقة فقد تستمر الأسعار العالمية المتواضعة لبعض الوقت و يمكن بالطبع لكل من التكنولوجيا والسياسة أن تغير ذلك التوقع فالتقدم التكنولوجي يمكن أن يزيد العرض ويقلل الأسعار، أما السياسة فهي أكثر عرضة لتعطيل العرض والتسبب في ارتفاع الأسعار ولكن من غير المرجح أن تكون الاضطرابات كبيرة أو طويلة الأمد في أعقاب الثورة الصخرية وهو ما يجعلها ثورة جيوسياسية أيضا.

أستاذ في جامعة هارفارد ومؤلف كتاب

«هل انتهى القرن الأمريكي»؟