إحياء تسوية الدائنين

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٤:٥٠ ص
إحياء تسوية الدائنين

روبرت سكيدلسكي

في ظل كل هذه الأحاديث الصادرة عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تدابير الحماية، كان من المستغرب أن أحداً لم يذكر الأداة الواضحة لمعالجة اختلالات التوازن الخارجية المستمرة: «فقرة العملة النادرة» في اتفاق بريتون وودز لعام 1944.

تسمح هذه الفقرة الواردة في المادة السابعة من الاتفاق للدول «بفرض قيود مؤقتة على عمليات التداول الحر للعملة النادرة، بعد التشاور مع صندوق النقد الدولي»، وهي تمنح هذه الدول «الولاية الكاملة في تحديد طبيعة هذه القيود». وتعتبر عملة أي دولة نادرة في سوق الصرف الأجنبي إذا كانت وارداتها أكثر من صادراتها -أي إذا كانت تدير عجزاً في الحساب الجاري.

وفقرة العملة النادرة لها تاريخ مثير للاهتمام. ففي خطته الأصلية لبنك المقاصة الدولي، اقترح رجل الاقتصاد البريطاني جون ماينارد كينز نطاقاً متصاعداً للعقوبات ضد الدول الأعضاء التي تحافظ على أرصدة دائنة مستمرة. وكانت الفكرة تتلخص في الضغط على الدول لحملها على خفض فوائض حساباتها الجارية. ولم تكن دول الفائض لتُمنَع من إنفاق أموالها بحرية، ولكن كانت لتمنع من اكتنازها وتكديسها.
كان من المفهوم أن ترفض الولايات المتحدة، التي كانت أكبر دولة دائنة في العالَم في ذلك الوقت، اقتراح كينز. ونتيجة لهذا، تُرِك للولايات المتحدة توفير المساعدة المالية قصيرة الأمد لدول العجز، والتمسك بالمبدأ القويم المتمثل في تسوية المدين. ولكن لتهدئة البريطانيين، قرر هاري دكستر وايت، مسؤول وزارة الخزانة الأمريكية، الذي يُذكَر الآن باعتباره مهندس اتفاق بريتون وودز، إدراج المادة السابعة للسماح للدول الأعضاء المحرومة من الدولار بتقييد مشترياتها من السلع الأمريكية.
أما الآن فمن بين أكبر أربعة اقتصادات على مستوى العالم، تعاني الولايات المتحدة فقط من ضعف القدرة التنافسية على نحو مستمر. وعلى النقيض من هذا، تتمتع الصين واليابان وألمانيا بقدرة تنافسية فائقة.
ولتصحيح الوضع، يقترح رجل الاقتصاد فلاديمير ماسك أن تلاحق الولايات المتحدة خطة «التجارة الحرة المعوضة»، والتي تعادل أساساً تفعيل فقرة العملة النادرة من جانب واحد. وبموجب هذه الخطة تحدد إدارة ترامب سقفاً للعجز التجاري الأمريكي كل عام، ثم تفرض القيود على الفوائض لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الصين واليابان وألمانيا والمكسيك.
وبموجب الخطة يرجع الأمر إلى كل دولة من دول الفائض في الحد من صادراتها إلى الولايات المتحدة. ولا يجوز لأي دولة أن تتجاوز حصص صادراتها إلا إذا دفعت غرامة تساوي الفارق بين قيمة صادراتها الفعلية والمسموح بها.
المشكلة في هذه الخطة هي أنها لا تفرض أي ضغوط على ألمانيا لحملها على الحد من فوائضها مع دول منطقة اليورو. من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي أسس بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008 إجراء اختلال توازن الاقتصاد الكلي لفرض غرامة على دول منطقة اليورو التي تتجاوز فوائضها 6% من الناتج المحلي الإجمالي أو يتجاوز عجزها 4 % من الناتج المحلي الإجمالي. ولكن هذا الإجراء، حتى وإن كان يستلهم روح اقتراح كينز لإنشاء اتحاد دولي للمقاصة، فإنه يفتقر إلى آليتين أساسيتين.
فأولاً، كانت خطة كينز لتفرض تلقائياً العقوبات على الدائنين الدائمين، في حين أثبت إطار الاتحاد الأوروبي عجزه عن القيام بذلك. فقد أدارت ألمانيا فائضاً يتجاوز 6 % من الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من عشر سنوات وأفلتت من العقاب.
ويتلخص الخلل الثاني الذي يعيب إجراء اختلال توازن الاقتصاد الكلي في افتقاره إلى تدابير حماية الحذف لصالح المدينين والتي تقدمها لهم فقرة العملة النادرة. ففي غياب القدرة على خفض قيمة العملة، يتمثل الملجأ الوحيد للمدينين الدائمين في منطقة اليورو في التهديد بترك العملة الموحدة. ولكن كما أظهرت الأزمة اليونانية، فإن هذا ليس تهديداً ذا مصداقية.
في كلمته المستفيضة التي ألقاها في جامعة السوربون الشهر الفائت، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إنشاء صندوق نقد أوروبي، غير أنه لم يوضح تفاصيل تصوّره. الواقع أن الآلية التي تسمح بالتمييز التجاري من المحتمل أن تنتهك مبادئ التجارة الحرة في الاتحاد الأوروبي. ومع ذلك فإن التكامل الاقتصادي كان يعتمد دوماً على درجة ما من تسوية الدائنين. ففي غيابها، ينهار نظام التجارة الحرة في نهاية المطاف. ويستطيع أنصار الحدود المفتوحة أن يدفعوا الآن، وإلا فإنهم سيدفعون حتماً في وقت لاحق.

عضو مجلس اللوردات البريطاني

روبرت سكيدلسكي