إسبانيا الفيدرالية

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٦/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٤:٤٤ ص

جاي فيرهوفستادت

لقد كنت دائما من كبار المعجبين بالديمقراطية الإسبانية ولكن زاد إعجابي بتلك الديمقراطية منذ الثالث والعشرين من فبراير سنة 1981 حين قام العقيد انطونيو تيجيرو بمحاولة انقلاب في ذلك اليوم الدراماتيكي ضد النظام الديمقراطي الشاب.

لقد وصف خافير سيركاس في كتابه الشهير «تشريح لحظة» كيف أن القادة السياسيين الأسبان الثلاث- زعيم الحزب الشيوعي سانتياجو كاريليو وأول رئيس وزراء في إسبانيا الديمقراطية في مرحلة ما بعد فرانكو ادولفو سواريز ونائب سواريز الجنرال جوتيريز ميلادو- جلسوا باعتزاز على مقاعدهم تحت تهديد مسدس تيجيرو ورفضوا الاختباء تحتها حيث لم يتراجع أي منهم. لقد كان ذلك عمل من أعمال الشجاعة والتصميم وهو عمل جعل الديمقراطية راسخة في روح إسبانيا للأبد فتحت تهديد مسدس تيجيرو ولدت الديمقراطية الإسبانية.

واليوم بعد 36 سنة من ذلك التاريخ يجب أن تعزز الديمقراطية الإسبانية نفسها لو أرادت التغلب على الانقسامات العميقة التي خلقتها المحاولات غير الدستورية للحكومة الإقليمية الكتالونية للانفصال عن الجمهورية الإسبانية حيث يجب أن يظهر ديمقراطيو اليوم نفس التصميم المنضبط الذي أظهره كاريليو وسواريز وميلادو من أجل حل أخطر أزمة سياسية تصيب إسبانيا منذ محاولة انقلاب تيجيرو.
يجب أن لا يؤمن ديمقراطيو إسبانيا أن بإمكان القانون والقضاء لوحدهما حل جميع المشاكل مع كتالونيا. إن من المؤكد أن السلطات الإسبانية لا تستطيع التغلب على الأزمة من خلال عنف الشرطة على الرغم من أن محاولات الحكومة المركزية لوقف استفتاء الاستقلال الكتالوني كانت قائمة على أساس حكم محكمة.
إن ما نحتاجه الآن هو رؤية سياسية متجددة وحوار شامل وواقعيا يجب أن تكون هذه الرؤية تتعلق بدولة فيدرالية متعددة الثقافات واللغات ضمن أوروبا فيدرالية متعددة الثقافات ومتعددة اللغات.
لقد أخطأ الانفصاليون في كتالونيا عندما دعوا الى استفتاء غير قانوني فلا أحد يستطيع أن يحكم بشكل ديمقراطي بدون حكم القانون ولكن صحيح كذلك أن الإطار القانوني الحالي غير قادر على معالجة مثل ذلك الانقسام السياسي العميق فالحوار المستدام- القوة الحقيقية للسياسيين ورجال الدولة الفعالين –بين قادة إسبانيا والانفصاليين في كتالونيا هو الطريقة الوحيدة لإيجاد الحلول.
أنا لا اعتقد أن من مصلحة شعب كتالونيا أن يسعى للانفصال بأي ثمن فحقيقة أن الاستفتاء ينتهك بشكل واضح الدستور الإسباني ليس السبب الرئيسي لعدم تمكني من دعم ذلك الاستفتاء. إن النقطة الجوهرية بالنسبة لي هي أن الاستفتاء يفتقد لأي شرعية ديمقراطية فلقد كان واضحا مقدما أن غالبية الكتالونيين الذين يقرون بالطبيعة غير القانونية للاستفتاء لن يشاركوا فيه وفي واقع الأمر ومن خلال الأدلة التي ظهرت يبدو أن من المرجح أن غالبية الكتالونيين بما في ذلك أولئك الذين بقوا في منازلهم كانوا ضد الانفصال.
إن رفض قادة الاستقلال في الحكومة الإقليمية لكتالونيا تحديد الحد الأدنى للإقبال على التصويت على الانفصال حتى يصبح شرعيا كشف عن الطريقة التي سوف يصورون بها النتيجة حتى قبل أن يقوم أي شخص بالتصويت. إن تكتيكاتهم المضللة عكست رغبة مزعجة للتلاعب بمواطنيهم علما أن إعلان الاستقلال على أساس استفتاء معيب كان عملا غير مسؤول من الناحية السياسية ويعكس احتقارهم للتقاليد والأعراف الديمقراطية.
إن عدم التحلي بروح المسؤولية كما هو الحال هنا لا يعتبر تهديدا لإسبانيا أو أوروبا فحسب بل لكتالونيا نفسها كذلك فكما هو الحال في العديد من الاستفتاءات فلقد فتح هذا التصويت المزيف على الاستفتاء انقسامات عميقة ضمن المجتمع الكتالوني حيث انقسمت العائلات والجيران وبشكل مرير في بعض الحالات. إن الأشخاص الوحيدين الذين قد يستفيدوا من هذه التمثيلية القانونية كما نعرف هم أولئك الذين يريدون تدمير الاتحاد الأوروبي والذين بدأوا بالفعل في استغلال قضية استقلال كتالونيا لخدمة مآربهم الشخصية.
وعليه فإن من الأهمية بمكان أن يعمل كل الإسبان على وقف المزيد من التصعيد والبدء عوضا عن ذلك بالتفاوض. إن مستقبل كتالونيا ومستقبل أي مجتمع فلامنجي في بلجيكا والتي يتوق البعض فيها للاستقلال لا يكمن في الانفصال الوحشي ولكن بالتعاون ضمن الهياكل الفيدرالية في أوروبا الفيدرالية.
إن تجربة مقاطعة الباسك هي مثال واضح في هذا الخصوص فتحت مظلة الديمقراطية الإسبانية تمكن الباسكيون من تطوير منطقتهم لما فيه فائدة سكانها ليس فقط من خلال هزيمة الإرهاب ولكن أيضا من خلال إعادة تقديم أنفسهم كشعب فخور ضمن حكم ذاتي.
بالسياسة لا يوجد حرج من التوصل لتسويات بل على العكس من ذلك عندما يكون هناك خيار بين صفقة بناءه والنقاء الإيدولوجي فإنه من الأفضل دوما اختيار طريق الوحدة مهما كانت الخطوات صغيرة.
لقد حذرت المؤرخة الأمريكية باربرا توشمان في كتابها الشهير مسيرة الحماقة من الرغبة «بطرح الأشياء الأعظم جانباً من أجل ما هو أقل والسعي لما هو مستحيل مقابل التضحية بما هو ممكن». إن من الحكمة أن يستمع قادة طرفي أزمة الانفصال في إسبانيا لتلك الكلمات.

رئيس وزراء سابق في بلجيكا