المأمول من مجلس البحث العلمي

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠٥/نوفمبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٥ ص

طلال بن حمد الربيعي

لفت انتباهي قبل أيام وأنا أتابع وسائل الإعلام خبر الاجتماع الذي عقده مجلسي الدولة والشورى مع بعض المختصين في مجلس البحث العلمي، والذي تم خلاله مناقشة الاستراتيجية الوطنية للابتكار، توقفت قليلاً عند هذا الخبر علّني استرجع شيئاً من الذاكرة عن أهم البحوث التي تم مناقشتها وعن براءة الاختراع التي تم تسجيلها منذ إنشاء هذا المجلس ولكن لم استطع ذلك، وتساءلت مثلما تساءل كثيرون غيري عن دور مجلس البحث العلمي في رفد الاقتصاد العُماني وتنويع مصادر الدخل وجهوده التي قام بها منذ إنشائه وحتى الآن؟ تساؤلات مهمة في ظل التطور الذي يشهده العالم في مجال الاختراعات والابتكارات فعلى سبيل المثال وإذا ما رجعنا إلى التجربة الماليزية التي تعتبر حديثة نوع ما في هذا المجال، فإننا بالنظر إلى أهم ركائزها سنجد أنها أعطت اهتماماً كبيراً جداً بالبحوث العلمية وبجودة التعليم والتكنولوجيا وتبنيها بشكل رئيسي تطوير العلوم ورسالة البحث العلمي عن طريق تشجيع البحوث والاختراعات والابتكارات التكنولوجية ومتابعة تنفيذها، وتطوير الوسائط الرقمية حيث قامت الحكومة الماليزية وفي سبيل ذلك بتأسيس عدة مراكز للبحوث والتطوير تخدم التطوير الصناعي وصناعة المعرفة، مع تطوير المراكز الصناعية والمجمعات التكنولوجية ومراكز الابتكار والإبداع وإنشاء معاهد بحثية ومدن ومراكز بحوث علمية وافتراضية. إلخ. ولا تكتفي عند هذا الحد بل إن الحكومة الماليزية قامت بإجراءات تتضمن حماية ودعم البحوث العلمية، والابتكارات التكنولوجية من خلال توفير الحماية لأصحاب الاختراعات والتسويق لهم ودعمهم بكل ما يحتاجون إليه.

ولو رجعنا قليلا وسألنا أنفسنا ما الذي قدمناه خلال السنوات الفائتة للبحث العلمي والابتكارات في بلدنا، وهل قام مجلس البحث العلمي بدوره في متابعة البحوث وبراءات الاختراعات والعمل والتنسيق مع جميع الجهات العامة والخاصة حتى يتم تطبيق بعضا من هذه البحوث تطبيقا عمليا بما يخدم الاقتصاد الوطني ومسيرة التنمية في البلد؟. من وجهت نظري فإنه لا فائدة من عقد الندوات والمحاضرات حول بحوث معينة وأخذ براءة الاختراعات لها دون تطبيقها على أرض الواقع ودون أن ينعكس مردودها على التنمية وعلى الاقتصاد في البلد، إن من ينظر نظرة حيادية لواقع الابتكار والبحوث سيجده مؤلماً حقا كما أن المستقبل أصبح نوعا ما ضبابيا بعد تراجع أسعار النفط ولذا بات من الضرورة بمكان أن نعيد حساباتنا ونراجع أنفسنا، وأن نولي اهتمامنا بالبحث العلمي، ومراكز الدراسات المتخصصة فهما جهاز الاستشعار الأول الذي ينبهنا بالإخطار والأخطاء التي تهدد وجودنا وتنميتنا ومستقبل أبنائنا في هذا الوطن وهي التي تعطينا أسهل وأقصر الطرق لمواجهة القصور والنقص في مواردنا البشرية والمادية، والمشاكل التي نواجهها. وهنا لابد أن نؤكد أن البحوث العلمية يجب أن تشمل جميع الميادين الحيوية سواء من الناحية العلمية أو الاجتماعية أو الاقتصادية وتكون كقيمة تستمد حيويتها ونشاطها واستمراريتها من خلال المتغيرات المستمرة في مسيرة الحياة، وتصور ملامح المستقبل، وتحديد أولويات المرحلة القادمة واستخدام الطاقات البشرية والمادية في أفضل صورها الممكنة.

فالبحث العلمي لا يتوقف فقط على الوسائل المتاحة وإنما يعتمد أيضا على الابتكار والاستفادة من البيئة المحيطة وعلى المناخ الذي يحقق فيه أهدافه، فإذا وجد تشجيعاً مستمراً ورعاية من جميع مؤسسات المجتمع العامة والخاصة فانه سيكون إيجابيا ومثمرا بطبيعة الحال. فالجامعات الخاصة على سبيل المثال لا تهتم إطلاقا بالبحث العلمي ولا تضع له أي اعتبار في سياساتها التعليمية، فهي للأسف الشديد بعيدة كل البعد عن خدمة المجتمع والبحث العلمي فهي متحصنة في بروجها وقلاعها وكأنها في عالم آخر وجل اهتمامها ينصب بالكسب المادي السريع، ليس من المنطقي أن تنفصل هذه الجامعات عن المجتمع وعن البحث العلمي، كذلك الحال بالنسبة للقطاع الخاص فمؤسسات القطاع الخاص وشركاته غارقة في كيفية الحصول على مكاسب مالية سريعة وهذا من حقها، ولكن لماذا لا تخصص بعضا من هذه الأموال للبحث العلمي والابتكار وتعطيه اهتماما يضعه في صدارة سياساتها المستقبلية كأن تتبنى مبادرات ذاتية و تقوم بتشجيع الباحثين والمبدعين.

إن غرس الوعي الكامل بمفهوم وأهمية البحث العلمي وتبني الحكومة له بشكل جدي وملموس لسياسة تشجيع المبادرات العلمية والاختراعات التكنولوجية التي من شأنها أن تخدم القطاعات المختلفة في البلد وجعلها تساهم مساهمة إيجابية في عجلة التطور والتنمية يجب أن يكون أحد أهم واجباتنا الوطنية في هذه المرحلة.