دراسة تبحث عن اجابة مقنعة لهذا السؤال : هل دول الخليج العربية على عتبة تراجع اقتصادي

مؤشر الأربعاء ٠٦/يناير/٢٠١٦ ٢٠:٣٢ م

دبي - ش

يسارع الإقتصاديون عادة للاعتراف بعدم قدرتهم على تنبؤ حصول الازمات والركود الإقتصادي، على الرغم من وجود العديد من المؤشرات التي تتنبأ ببيئة يشوبها صعوبات تشغيلية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي. وتكون هذه المؤشرات داخلية ضمن الاقليم نفسه او خارجية تعتمد على التطورات الإقتصادية على المستوى العالمي. و على الرغم من الإختلاف الكبير بين دول مجلس التعاون الخليجية في مستويات الديون والاحتياطات المالية، فإن أغلبها يشهد تراجعا كبير في عائدات الصادرات وعوائد الاستثمارات الاجنبية المباشرة. ويعمل القائمون على هذه الإقتصادات، بشكل متباين، على استخدام الاحتياطات المالية وسبل التمويل المتاحة لتقليل آثار هذه التراجع بالاضافة إلى تنفي تخفيضات عديدة على الميزانيات الكبرى لمواجهة التراجع في الايرادات على مستوى الاقليم. ولقد اعتبرت هذه التدابير بداية ردود فعل طبيعية لمواجهة الانخفاض في أسعار النفط، ولكن يعمل اصحاب القرارفي الاقليم على انتهاج اساليب اخرى لمواجهة الضعف المالي والإقتصادي الذي تواجهه دولهم. ويشمل هذا النهج اسلوب الاندماج وخفض الاعانات وووضع ضوابط على النفقات الراسمالية وتعزيز نهج التنوع الإقتصادي والاصلاحات الهيكلية للحفاظ على الثروات الوطنية.

أبرز المؤشرات
ومن أبرز المؤشرات هي التراجع الحاد في أسعار النفط، والتي تنبأ بها الكثيرون، حيث تتوقع مستويات منخفضة من الأسعار وتستمر بالتراجع خلال السنوات القادمة. وعندما تقارن بأسعار السلع الاخرى التي تستمر بالتراجع لأسباب عدم الإستقرار الإقتصادي على مستوى الاقليم بالاضافة إلى الضعف الإقتصادي في أوروبا وروسيا وآسيا هنا تلوح بوادر الازمة الإقتصادية.وعندما يضاف اليها انخفاض مستوى أسعار الفائدة على الصعيد العالمي وانخفاض نمو الناتح المحلي الاجمالي الصيني، والركود الإقتصادي في البرازيل وإقتصادات اخرى نامية، وتدهور قيمة عملة اليورو والروبل مقابل الدولار الامريكي والتي تضخ في استثمارات مباشرة في إقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي، ويتضح من خلال ذلك الضعف الكبير الذي يعتري إقتصادات هذه الدول. ويزيد على ذلك الضغوطات الاقليمية والازمات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا، والتي تؤدي إلى اعباء مالية اضافية على دول مجلس التعاون الخليجية.

في المستقبل القريب
ومن غير الواضح متى سيظهر التأثير الإقتصادي للتراجع الإقتصادي في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث من المرجح ان تظهر هذه التأثيرات في المستقبل القريب وعلى المؤسسات العاملة في الاقليم الاستعداد لذلك. حيث ستؤدي التغييرات المصاحبة للوضع الإقتصادي المنفتح ونضج القطاع الصناعي في هذه البلدان إلى ضرورة التعاون على مستوى الاقليم لاستيعاب هذه التغييرات والتكيف معها بطريقة مستدامة، ومن الافضل البدء في تطبيق ذلك الان قبل ان تظهر اثار التراجع الإقتصادي.

ماهي الاجراءات الواجب اتخاذها؟
ان التحولات الجذرية التي تحصل في السوق غالبا ما تحصل خلال فترات الركود الإقتصادي، وبالتأكيد فان مدراء الشركات الذين يستجيبون بسرعة للبيئة الإقتصادية المتغيرة تنعكس بشكل ايجابي على اعمالهم، ويكون التأثير اكبر اذا حصل التغيير قبل ان تحدث الازمات الاقتصاية او عند استشرافها. وهناك العديد من مدراء كبرى الشركات العاملة في منطقة الخليج قد بدأت فعلا بالاستعداد مثل شركة سابك العملاقة للبتروكيماويات التي اعلنت بتاريخ 8 اكتوبر 2015، عن عزمها تطبيق عملية تحول شامل تهدف إلى تحويلها إلى مؤسسة اكثر فعالية من ناحية النفقات وذلك استجابة إلى التغييرات الحاصة في الاسواق بالاضافة إلى ادخال التكنولوجيا في عملياتها ومبادراتها. وهناك عدة شركات اخرى اتخذت اجراءات استراتيجية لمواجهة القضايا الناجمة عن التراجع الإقتصادي مثل خطط التوسع التي يطبقها بنك ابوظبي الوطني في مناطق افريقيا والشرق الأوسط وآسيا لتحقيق التوازن في التواجد على مستوى الاقليم.

خفض التكاليف بشكل صارم
الاجراءات التي يمكن اتخاذها في هذا المجال عديدة منها خفض التكاليف بشكل صارم لايعتبر الحل الوحيد. هي خطوة مهمة ولكن ليس على حساب التطور المستقبلي للشركة، ان الهدف الاساسي هو خلق منهج عمل متوازن يجمع ما بين هيكل تكاليف تنافسي مما و تكمن نقاط الضعف في هذه الاجراءات الضرورية في التشديد على السيولة في القطاع المالة بسبب تقليل الدعم الحكومي. ويؤدي التضييق المالي إلى ازدحام القطاع الخاص والذي يواجه صعوبات في التمويل وخصوصا في ظل تزايد تكاليف التمويل. بالاضافة إلى زيادة الضغوطات على الشركات الخاصة التي تعتمد بشكل اساسي على الانفاق الحكومي والشركات التي تتعاون مع شركات قطاع النفط والغاز. مما له اثار مضاعفة على هذه الشركات بسبب امكانية امتداد تأثير التشديد المالي على القطاعات الخاصة بهذه المجالات وخصوصا المتعلقة بقطاع النفط والغاز والتي تستحوذ على الحصة الاضخم من الناتج المحلي الاجمالي في الاقليم. وبالتالي يمكن ان يمتد تأثيرها على اغلبية الشركات العاملة في الاقليم بطريقة او بأخرى.

تزايد المنافسة الاجنبية
ويزيد الوضع المتأزم اصلاً الضغوطات على الشركات المتمركزة في منطقة الخليج بسبب عوامل داخلية على الرغم من ان هذه الشركات قد تأقلمت خلال القرن الماضي مع الاوضاع الحالية الا انها تواجه حاليا منافسة متزايدة من قبل اللاعبين الجدد القادمين من اسواق خارجية. وقد فتحت عدة بلدان مثل المملكة العربية السعودية اسواقها امام الاستثمارات الاجنبية حيث انشأت بيئة جاذبة للاستثمارات الاجنبية والشركات الدولية من اجل توزيع اعباء النفقات الناجمة عن الانفاق المتعلق بالبية التحتية. وقد اضفت هذه الخطوة صبغة المهنية على الاعمال مما شكل تحديا كبيرا للاعبين المحليين وامكانيات استمرارهم في السوق لفترة طويلة في حال تبنيهم لمعايير عالمية عند ادارة وتشغيل اعمالهم وتمتعهم بالمرونة اللازمة للتكيف مع البيئة المتغيرة باستمرار.

التحالف الامثل لراس المال
. ان التحالف الامثل لراس المال يمكن تحقيقه من خلال ادارة المخزون بشكل حازم كما يجب ملاحظة ان تأخير الدفعات لايمكن ان يشكل حلاً طويل الامل لمشكلة السيولة حيث ان مثل هذا التاخير في سداد الدفعات يمكن ان يؤذي سمعة الشركة ومكانتها بالاضافة إلى تقطع الامدادات او عدم المصداقية لدى شركات التأمين. وفي مثل هذه الحالات فان التواصل المباشر مع الموردين يعتبر من اهم الاولويات، إلى جانب الشفافية، كما يجب وضع الاولوية بالنسبة للموردين نسبة لاهميتهم للعمل. ومن ناحية اخرى يجب اجراء دراسات دقيقة على تاريخ العملاء وتاريخهم من ناحية الالتزام المالي قبل البدء في حملة التحصيل نظرا لضرورة اتخاذ الحذر الشديد عند التواصل في ما يخص الامور المالية خارجيا، حيث ان مجرد التخمين بنقص السيولة لدى الشركة يمكن ان يشكل تهديدا لاي عمل تجاري.

الادارة النقدية المشددة
حتى في حال توفر دفعات وسيولة مالية، تعاني العديد من الشركات في موضوع تخصيص الدفعات النقدية للاستخدامات الداخلية، وفي بعض الحالات، تعمل فروع الشركة على توليد الدفعات المالية بينما يزداد مجمل ديون الشركة الاساس، كما ان تكاليف حلول التمويل المطروحة قد تكون عالية لأسباب عدم توازن توزيع السيولة او عدم القدرة على الاستفادة من الموارد النقدية على مستوى الشركة بشكل عام. ويمكن ان يسوء الوضع بشكل اكبر بسبب عدم وجود فروع او شركات تابعة (التحوط الطبيعي). ان الادارة النقدية الحازمة مهمة جدا لمعالجة مثل هذه القضايا في اوقات الازمات الإقتصادية. وأبرز مثال على ذلك انتهاج شركة نخيل العقارية في دبي لمبدأ الادارة النقدية الصارمة عقب الازمة الإقتصادية الاخيرة مما ساعد الشركة العملاقة على تحقيق اكثر من 23 مليار درهم اماراتي (حوإلى 6.3 مليار دولار). وتشمل الادارة الحازمة للنقد ادارة متكاملة للسيولة على مستوى الشركة ككل و نظام لتطبيق تقديرات السيولة وعمليات ممنهجة من ناحية المدفوعات وتجميع النقد وخطوط الدين وسياسات واضحة وشاملة تتعلق بالنشاطات المالية. فعلى سبيل المثال يشكل نشر الوعي حول الوضع النقدي والمالي للشركة بين كادر الشركة في قسم المالية واللوجستيات وادارة المشتريات يؤدي إلى غرس اهمية النقد بين الموظفين. و ان جعل هدف توليد السيولة المالية هدف اساسي للشركة وجعل ذلك ضمن اهداف ادارة الاداء يخلق بيئة عمل تدور حول زيادة الارباح بين الكادر الاداري ويزيد تدفق الاستثمارات.

تخفيض النفقات
حيث لم يعد المنهج القديم القائم على تخفيض النفقات وتقليص حجم الشركة لانعاشها ينطبق لتجاوز الازمات. ويؤدي ظهور الازمات إلى دفع الشركات لتحقيق مستويات اعلى من الانتاج والاستثمار في النمو، ويعتبر الاداء ونسبة الانتاجية مؤشرا مهما في الوقت الحالي على قدرة الشركة على المنافسة دوليا. كما ان اتباع برامج ار اند دي الاستراتيجية وهي (الاستثمارات، وراس المال البشري) وزيادة الاستثمار فيها يؤدي إلى تقوية مركز الاعمال لما بعد الازمات الإقتصادية واتباعها يشكل خيارا عمليا لاصحاب الشركات والقائمين عليها. ويعتبر استغلال فرص توظيف المصادر بدون تهديد سلسلة التوريد مما يؤدي إلى زيادة مرونة التكاليف خصوصا في مجال الموارد البشرية والاستعانة بمصادر خارجية مما يؤدي إلى نتائج ملموسة في مواجهة التراجع الإقتصادي. ان انتهاج هذه الاساليب والمرونة يؤدي إلى حماية التنفاسية الحالية وتحقيق مكاسب في الاسواق والخروج بربحية من حالة التراجع الإقتصادي.

التخطيط الاستراتيجي المرن
التخطيط الاستراتيجي المرن واعادة تقييم نموذج الاعمال المتبع. يعتبر تحليل الموقف من الامور الرئيسية التي تكون في صميم اعمال التخطيط الاستراتيجي التي تقوم بها الشركة. حيث يجب التفكير في بدائل بدلا من انتهاج خط واحد للمستقبل ويجب تقييم نموذج وطريقة العمل تحت ظروف متعددة وامكانية التكيف مع هذه الظروف وتأثير ذلك على استدامة العمل. ويمكن ان تشمل الخطوات اعادة تقييم عملية الانتاج او تقدم الخدمات بناء على اعتبارات استراتيجية مثل الربحية واستدامة وإستقرار الاعمال، بالاضافة إلى اعادة تعريف سلسلة القيمة للشركات وانشطة الاستعانة بمصادر خارجية. ومن اهم الامثلة على ذلك خروج شركة أبل من الازمة الإقتصادية من خلال اصدار مشغل iPod الموسيقي حيث عملت الشركة على اعادة توجيه نموذج عملها من مطور اجهزة تقنية إلى موزع موسيقى. ومن خلال هذا الجهاز طورت iTunes علاقة مستمرة مع العملاء ظهرت نتائجها بشكل كاسح خلال السنوات اللاحقة مع انتاج اجهزة حديثة وتقديم خدمات مبتكرة مما ادى إلى ان تصبح شركة أبل من اكثر الشركات قيمة على مستوى العالم.

تعزيز الميزانية والوضع المالي
تعزيز الميزانية والوضع المالي للشركة من ناحيتي السيولة المالية وهيكلية الموازنة من خلال تقليص الديون وتصفيتها، وخلق طرق تمويل بديلة من خلال استغلال ظروف السوق المواتية قبل ان تتضاعف الأسعار خلال الازمات. وتعتبر السيولة المالية بمثابة شريان الحياة بالنسبة للشركات والاعمال كما ان مصادر التمويل الداخلي

أهمية توفر الكفاءات
يعتبر الفريق الاداري الكفؤ المسؤول عن تنفيذ عملية التحول جزءا رئيسيا من عملية التحول وهو جانب يتم عادة التقليل من اهميته عند اجراء عمليات التحول. حيث يكون الاداريون عادة على درجة من الكفاءة لادارة اعمالهم اليومية خلال الاحوال العادية، بالاضافة إلى وضع وتنفيذ الاستراتيجيات. ولكن ان تحقيق عملية التحول التام يعني تغيير طريقة العمل واسلوبه وبالتالي تغيير الطاقم الاداري بشكل جذري، وفي الاوضاع المثالية فان المدراء القائمون على عملية التحول لديهم خبرات في امور الشركات المالية وتقنين التكاليف وتغيير الادارة وادارة العلاقات مع كافة اطراف العلاقة. بالاضافة إلى قدرتهم على احداث التغيير في الثقافة المؤسسية للشركة والتعامل مع العقليات الادارية التقليدية والسياسات الداخلية إلى جانب قدرتهم على تحفيز فريق العمل واحداث التغيير تحت اصعب الظروف وهذا ليس امرا سهلا.
ومن المتوقع ان تفشل عملية التحول في حال انتظرت الادارة وقتا طويلا او انتظرت الظروف المؤاتية للبدء في عملية التغيير. ان الشروع في عملية التغيير هو مؤشر واضح على نجاح الشركة بشكل مضمون، ويجب التذكر دائما بأن من يفلت من عواقب الازمات الإقتصادية هو من يتحضر لها جيدا وليس من يسعون للكمال في اعمالهم، لذلك من المهم التركيز على ايجاد طريقة مضمونة وليس اعذارا، الامر يستحق ذلك.

ليس من السهل اتخاذ قرار التحول
تتطلب عملية التحول تبني منهج شامل ومنظم خلال المراحل الاولى من ظهور بوادر الازمات الإقتصادية في الاقليم. ويجب ان يشمل على ابعاد استراتيجية وتشغيلية عملية ومالية كما يجب ان يتم وضعه بالتنسيق مع كافة اطراف العلاقة لتحقيق القبول اللازم داخل الشركة او المؤسسة، وبناء على ضرورة الحاجة لخطوة التحول فأنه يحتاج ما بين 6 إلى 10 اسابيع لوضع الصيغة النهائية للخطة ومن ثم تصل مدة تنفيذه إلى سنتين على الاكثر.
وتعتبر عملية التحول سهلة في حال توفرت الكفاءات اللازمة لتحقيقها، وهي عملية ذات حدين، حيث تعمل الشركة في بيئة متغيرة وفي نفس الوقت تسعى إلى احداث التغيير في عملياتها بدون احداث اي فرق او تقصير في عمليات الانتاج وتقديم الخدمة. وغالباً ما تنشأ التحديات خلال عمليات التحول من الموظفين انفسهم وعدم رغبتهم في التغيير(ثقافة الشركات المضطربة) او من الادارة العليا ومجالس الادارة وعدم التزامهم او من عدم وضوح مفهوم التحول او عدم وجود الادوات اللازمة لتحقيق عملية التحول.