روبرت سكيدلسكي
في ظل كل هذه الأحاديث الصادرة عن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول تدابير الحماية، كان من المستغرب أن أحداً لم يذكر الأداة الواضحة لمعالجة اختلالات التوازن الخارجية المستمرة: «فقرة العملة النادرة» في اتفاق بريتون وودز لعام 1944.
تسمح هذه الفقرة الواردة في المادة السابعة من الاتفاق للدول «بفرض قيود مؤقتة على عمليات التداول الحر للعملة النادرة، بعد التشاور مع صندوق النقد الدولي»، وهي تمنح هذه الدول «الولاية الكاملة في تحديد طبيعة هذه القيود». وتعتبر عملة أي دولة نادرة في سوق الصرف الأجنبي إذا كانت وارداتها أكثر من صادراتها، أي إذا كانت تدير عجزاً في الحساب الجاري.
وفقرة العملة النادرة لها تاريخ مثير للاهتمام. ففي خطته الأصلية لبنك المقاصة الدولي، اقترح رجل الاقتصاد البريطاني جون ماينارد كينز نطاقاً متصاعداً للعقوبات ضد الدول الأعضاء التي تحافظ على أرصدة دائنة مستمرة (وعقوبات أقل مشقة على الدول التي تحافظ على أرصدة مدينة مستمرة). وكانت الفكرة تتلخص في الضغط على الدول لحملها على خفض فوائض حساباتها الجارية. ولم تكن دول الفائض لتُمنَع من إنفاق أموالها بحرية، ولكن كانت لتمنع من اكتنازها وتكديسها.
كان من المفهوم أن ترفض الولايات المتحدة -التي كانت أكبر دولة دائنة في العالَم في ذلك الوقت- اقتراح كينز. لكن الآن ننتقل إلى الحاضر بسرعة. من بين أكبر أربعة اقتصادات على مستوى العالم، تعاني الولايات المتحدة فقط من ضعف القدرة التنافسية على نحو مستمر. وعلى النقيض من هذا، تتمتع الصين واليابان وألمانيا بقدرة تنافسية فائقة. ولأن الصين كانت على استعداد، لأسباب خاصة بها، لتمويل العجز الأمريكي، فيبدو أن الدولار والرنمينبي أصبحا الآن عالقين في مواقف منحرفة.
ولتصحيح هذا الوضع، يقترح رجل الاقتصاد فلاديمير ماسك أن تلاحق الولايات المتحدة خطة «التجارة الحرة المعوضة»، والتي تعادل أساساً تفعيل فقرة العملة النادرة من جانب واحد. وبموجب هذه الخطة تحدد إدارة ترامب سقفاً للعجز التجاري الأمريكي كل عام، ثم تفرض القيود على الفوائض لدى الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة. وهذا من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على الصين واليابان وألمانيا والمكسيك، والتي بلغت مساهماتها 347 بليون دولار، و69 بليون دولار، و65 بليون دولار، و64 بليون دولار على التوالي، في العجز التجاري الأمريكي الذي بلغ 737 بليون دولار في العام 2016.
وبموجب خطة التجارة الحرة المعوضة التي اقترحها ماسك، يرجع الأمر إلى كل دولة من دول الفائض في الحد من صادراتها إلى الولايات المتحدة. ولا يجوز لأي دولة أن تتجاوز حصص صادراتها إلا إذا دفعت غرامة تساوي الفارق بين قيمة صادراتها الفعلية والمسموح بها. وإذا حاولت تصدير أكثر من المسموح به دون دفع الغرامة، فإنها تُعاقَب بحظر صادراتها الفائضة.
المشكلة في هذه الخطة هي أنها لا تفرض أي ضغوط على ألمانيا، فأولاً: كانت خطة كينز لتفرض تلقائياً العقوبات على الدائنين الدائمين، في حين أثبت إطار الاتحاد الأوروبي عجزه عن القيام بذلك. فقد أدارت ألمانيا فائضاً يتجاوز 6 % من الناتج المحلي الإجمالي لأكثر من عشر سنوات وأفلتت من العقاب.
ويتلخص الخلل الثاني الذي يعيب إجراء اختلال توازن الاقتصاد الكلي في افتقاره إلى تدابير حماية الحذف لصالح المدينين والتي تقدمها لهم فقرة العملة النادرة. ففي غياب القدرة على خفض قيمة العملة، يتمثل الملجأ الوحيد للمدينين الدائمين في منطقة اليورو في التهديد بترك العملة الموحدة. ولكن كما أظهرت الأزمة اليونانية، فإن هذا ليس تهديداً ذا مصداقية. والنتيجة هي أن يظل اختلال التوازن بين الدائنين والمدينين قائماً.
تتمثل إحدى الطرق الكفيلة بإزالة اختلالات التوازن الحالية في تكييف آلية بريتون وودز، حيث تساهم كل دولة في منطقة اليورو في صندوق النقد الأوروبي بما يتناسب مع دخلها الوطني ومستواها التجاري. وستكون للصندوق فقرته الخاصة بالعملة النادرة، مما يسمح للدول الأعضاء بالتمييز ضد الواردات من الدول الدائنة.
في كلمته المستفيضة التي ألقاها في جامعة السوربون الشهر الفائت، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إنشاء صندوق نقد أوروبي، غير أنه لم يوضح تفاصيل تصوره. الواقع أن الآلية التي تسمح بالتمييز التجاري من المحتمل أن تنتهك مبادئ التجارة الحرة في الاتحاد الأوروبي. ويستطيع أنصار الحدود المفتوحة أن يدفعوا الآن، وإلا فإنهم سيدفعون حتماً في وقت لاحق.
عضو مجلس اللوردات البريطاني، وأستاذ
الاقتصاد السياسي الفخري في جامعة وارويك