سمعان كرم
الجميع يعترف بالحقيقة الجلية بأن هناك أربعة قطاعات متقدمة في توظيف القوى العاملة الوطنية ولو على درجات مختلفة إنما متقاربة. تلك القطاعات هي: المصارف والنفط والغاز والبتروكيماويات والصحة. ما هي القواسم المشتركة لهذا النجاح كي نعتمدها في سائر القطاعات. فلنأخذ مثالاً من قطاع المصارف.
في رأينا المتواضع أن هناك إطاراً عاماً للعملية يتضمن ثلاثة عناصر ضرورية للنجاح: أولاً، توجد سلطة مركزية واحدة مسؤولة عن الخطة ممثلة بالبنك المركزي العُماني. ثانياً، هناك كلية تُدار بطريقة فريدة حيث إنها تدرِّب وتؤهل فقط للقطاع وحسب طلب الشركاء أي المصارف. وثالثاً، وقد يكون الأهم، يطبق القانون على جميع المصارف سواسية. قد يعطي البنك المركزي مصرفاً عند بدء عمله مهلة وجيزة لتحقيق النسب ولكنها لا تطول أبداً. والبرهان على ذلك أن البنوك الإسلامية التي باشرت أعمالها منذ فترة وجيزة نسبياً حققت في وقت قصير نتائج عالية جداً.
هذه هي القاعدة الرئيسية التي بُنيت عليها استراتيجية التعمين في القطاع المصرفي والتي نراها مطبقة أيضاً في القطاعات الناجحة الأخرى. ففي قطاع النفط مثلاً هناك سلطة مركزية ممثلة بوزارة النفط والغاز، بالاشتراك مع المشغلين وجمعية أوبال (OPAL) للخدمات النفطية، هي المعنية بعملية التعمين في القطاع. وهناك برامج خاصة وعقود مع مراكز تدريب لتأهيل اليد العاملة حسب متطلبات القطاع.
ويطبق القانون على الجميع سواسية بقدر المستطاع. إذن لا شك أبداً بأن تكليف سلطة مركزية واحدة في كل قطاع تكون مسؤولة عن التعمين فيه، حيث تسلم تلك السلطة عملية التدريب لما يحتاجه القطاع وتطبيق القاعدة على الجميع هي طريقة ناجحة ومن المفروض أن تطبق في جميع القطاعات. لكن ذلك لا يكفي إذا لم توجد العناصر الكفيلة والممارسات الجيّدة التي تضمن نجاح التنفيذ. وهنا أيضاً نحلل ونطلع على كيفية العمل في قطاع المصارف، ووصف آليات التنفيذ المتبعة.
نلاحظ أولاً أن كبار المسؤولين في القطاع الذين تعاقبوا والحاليين ملتزمون ومؤيدون وداعمون للخطة. بدون ذلك الإيمان بها والسعي لإنجاحها من قِبل المسؤولين لن تفلح أية خطة، ومن هذا الالتزام يبدأ المشوار. والعنصر الرئيسي هو تمويل التدريب.
وهنا أظهر القطاع وعياً ومسؤولية مشتركة مثالية. فالبنك المركزي يموّل ثلاثين في المئة من تكلفة التدريب والشركاء، أي المصارف تتكفل بسبعين في المئة كلٌ بنسبة معيّنة من حجم أعماله. وتشرف على التدريب هيئة الاستشارات الأكاديمية التي تضم عدة ممثلين عن القطاع الخاص أي من البنوك تعمل على غرار مجلس الأمناء في الكليات والجامعات. كما أن أغلب البنوك لها برامج ومبادرات خاصة داخلياً لتطوير وتأهيل الموظفين العاملين لديها فتكمل بذلك عمل كلية المصارف. ومن أجل التقدم في السلم الوظيفي الذي يتطلب برامج خاصة تؤخذ كفاءات وقدرات المرشح وإنتاجيته بعين الاعتبار من خلال مسابقات يتنافس فيها المرشحون الذين يتطلعون إلى المراكز العليا والتي يليها تدريب مركز خاص بالقيادات.
ففي حالة واحدة مثلاً تقدم مئتان وخمسون مرشحاً لدورات القيادات العليا، تأهل منهم فقط عشرون مرشحاً. هذا ما يثبت جدية تلك التصفيات. من ناحية أخرى يفرض البنك المركزي غرامات مالية على البنوك التي لم تصل إلى النسب المقررة. والأهم من كل ذلك أن هناك هيئة في البنك المركزي تعنى بالمتابعة والتدقيق والمساعدة لإنجاح التعمين في القطاع.
إن الوقت مناسبٌ الآن لاعتماد الطريقة الناجحة التي وصفناها من أجل تطبيق الإحلال في خمسة وعشرين ألف وظيفة من الممكن أن تملؤها القوى العاملة الوطنية. فيوزع هذا الرقم على خمسة أو ستة قطاعات للتنفيذ وتعيّن هيئة واحدة في كل قطاع تكون مسؤولة عن تنفيذ الخطة.
بالرغم من نجاحات بعض القطاعات يبقى علينا أن نتأكد أيضاً من أن التعمين في تلك القطاعات قد وصل إلى مستويات التنافسية العالمية وهو الهدف المنشود والمستدام.
سمعان كرم