محمد محمود عثمان
ستظل محاولات توطين الوظائف هاجساً يؤرق الجميع حتى يمكن تحقيق نسب مقبولة تخفف من حدة إشكاليات الباحثين عن عمل التي تتفاقم عاماً بعد عام، تتزايد فيها نسب الأيدي العاملة الوافدة المؤهلة لسوق العمل العربي، وعلينا أن نرفع شعار «التمكين قبل التوطين»، باعتبار أن عمليات توطين الأيدي العاملة غير المؤهلة والمدرَّبة نظرياً وتطبيقياً تعدّ عبئاً كبيراً على قطاعات العمل والإنتاج في الحكومة والقطاع الخاص وحتى في المشاريع الصغيرة والمتوسطة؛ لأن «التدريب ثم التدريب ثم التدريب» هو المدخل الأساسي للنجاح ولا شيء أفضل أو أسرع من ذلك، حتى نحقق طموحات المجتمعات في التخلّص من الأيدي العاملة الأجنبية على مراحل متدرجة، لا تسبب خللاً في آليات العمل والإنتاج والإنتاجية.
وهناك تجارب ناجحة يمكن الاهتداء بها كما حدث في قطاع البنوك العُمانية التي حققت نسباً مرتفعة جداً في تعمين الوظائف على المستويات المختلفة، تصل إلى أكثر من 90%، حيث تبنّى البنك المركزي العُماني وبالتعاون مع البنوك سياسة واضحة وعملية من خلال قياداته الواعية التي أدركت مبكراً أهمية «التمكين.. قبل التوطين» التي تمثلت في إنشاء كلية الدراسات المصرفية والمالية، التي نجحت بامتياز في توفير الأيدي العاملة الوطنية التي يحتاجها قطاع البنوك في سلطنة عُمان والعمل على تطويرها باستمرار، خلال السنوات الفائتة، حتى تواكب المستجدات والمتغيّرات التي يشهدها هذا القطاع على مستوى العالم.
ونجح البنك المركزي العُماني في ذلك، من خلال أجهزته الرقابية والمتابعة المستمرة والفاعلة، وآلياته التي ساعدته في ذلك وأهمها كلية الدراسات المصرفية والمالية التي تمكنت من توفير متطلبات القطاع بدرجة امتياز، بعد رفد البنوك بالكوادر العُمانية المدرَّبة والمؤهلة للعمل في المجال المصرفي، لا سيما أن كلية الدراسات المصرفية والمالية والمسؤولين عنها قد أسهموا بدور ملموس ومقدّر في زيادة نسبة التعمين في القطاع البنكي -وساعد على ذلك طبيعة العمل في البنوك وما تقدمه من حوافز مالية ومعنوية للعاملين بها- حيث تعرض البرامج التدريبية المقترحة لتدريب موظفي البنوك قبل تطبيقها على البنك المركزي والبنوك لاعتمادها أو تعديلها وفق أولويات الاحتياجات الأساسية.
وهذا يدعونا إلى الاهتداء بهذه التجربة في كل القطاعات التي تسعى إلى زيادة نسب التعمين بها، وهذا يتطلب التخطيط بعيد المدى لتوفير متطلبات السوق وفق رؤية واضحة للاحتياجات الفعلية والإمكانيات المتاحة، من خلال معاهد وكليات ومراكز تدريب متخصصة تعمل على رفد السوق بالأيدي العاملة الوطنية المؤهلة فنياً، والتي تفرض نفسها على السوق، بسبب قدرتها على تحمّل مسؤولية العمل والإنتاج.
لذلك إننا بحاجة لإعداد الكوادر البشرية في مختلف المجالات، عبر كليات فنية متخصصة، تتوفر لديها الهيئات التدريبية التي تمتلك قدراً من المهنية والتخصصية، في إطار خطة الدولة للتدريب والتعليم المرتبطة بمجالات التنمية؛ لأنه مع الوقت تشح الموارد، وتنخفض أسعار النفط، والموارد لم تعد كما كانت، وبالتالي تزداد التحديات وتسوء الأوضاع الاقتصادية، وما يترتب على ذلك من ندرة الوظائف الجديدة، ومن هنا يمكن أن ندرك أهمية تمكين الشباب والقوى العاملة الباحثة عن عمل من التدريب واكتساب المهارات والخبرات؛ لأننا في حاجة إلى كوادر فنية وطنية مدرَّبة تكون على مستوى عالٍ من الخبرة والمهنية.