الدفاع عن كوكب قد يحترق

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٩/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٧ ص
الدفاع عن كوكب قد يحترق

لورين ليجاردا

إن الأرض اليوم أكثر سخونة بمقدار يزيد عن درجة مئوية واحدة مقارنة بما كانت عليه في الفترة ما قبل الثورة الصناعية حيث بدأت الأعراض الرهيبة لارتفاع درجة حرارتها بالظهور ففي هذا العام وحده دمرت الأعاصير المتتالية جزراً في منطقة الكاريبي وأدت الفيضانات الموسمية إلى تشريد عشرات الملايين في جنوب آسيا كما اندلعت الحرائق في كل قارة تقريباً مما يعني أن إنقاذ الكوكب من حافة الهاوية أصبح أمرا ملحا للغاية.

إن أولئك الذين يعيشون على الخطوط الأمامية من تغير المناخ - في الأرخبيل والجزر الصغيرة والأراضي المنخفضة الساحلية والسهول التي تعاني من تزايد التصحر - لا يستطيعون الانتظار

ورؤية ما الذي سوف تجلبه درجة أخرى من الاحترار فالعالم قد خسر بالفعل عدداً كبيراً جداً من الأرواح وسبل الرزق وتم اقتلاع الناس من أراضيهم كما أصبحت الموارد الحيوية شحيحة بشكل متزايد علما أن أولئك الذين يعانون من أشد عواقب تغير المناخ كانوا أقل الناس تسببا فيه.ولهذا السبب استخدمت الفلبين رئاستها لمنتدى الدول الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ وهو تحالف يتألف من 48 بلداً هي الأكثر تعرضاً لوطأة تغير المناخ وذلك لضمان أن يكون اتفاق المناخ في باريس لعام 2015 يهدف صراحة إلى الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري حتى لا ترتفع درجات الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية وبالنسبة لنا، إن 1.5 درجة مئوية ليس مجرد رقم رمزي أو «طموح» تتم الإشارة إليه بالاتفاقيات الدولية بل هو حد وجودي علما أنه إذا ارتفعت درجات الحرارة العالمية فوق هذا المستوى، فإن الأماكن التي نسميها وطن والعديد من الأوطان الأخرى على سطح الأرض - سوف تصبح غير صالحة للسكن بل و سوف تختفي تماماً.عندما أقدمنا لأول مرة على وضع هدف الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 درجة مئوية في العام 2009 كانت هناك مقاومة كبيرة إذ إن الأشخاص الذين ينكرون تغير المناخ - أولئك الذين يرفضون الإيمان بالعلم الذي توصل الى أن الاحترار العالمي ناجم عن الإنسان - يواصلون الإشارة إلى أي جهد من هذا القبيل لوقف ارتفاع درجة حرارة الأرض على أنه غير مجدٍ وغير ضروري وحتى المدافعين عن المناخ وصناع القرار من الأشخاص أصحاب النوايا الحسنة كثيرا ما عارضوا هدف تحديد 1.5 درجة مئوية، قائلين أنه وفقا للعلم، فلقد نتج بالفعل عن البشر ما يكفي من غازات الدفيئة لجعل تحقيق هذا الهدف مستحيلا عملياً.ومع ذلك، فإن العلم ليس واضحاً كما قد يبدو ووفقاً لورقة نشرت مؤخراً في مجلة ناتشر، فإن «ميزانية الكربون» المتبقية في العالم – الكميات الموازية لثاني أكسيد الكربون التي يمكن أن تنبعث في الجو من قبل البشر قبل اختراق عتبة 1.5 درجة مئوية - هي أكبر إلى حد ما مما كان يعتقد سابقاً.

هذه النتيجة ليست سببا للرضا عن الذات كما يعتقد بعض المعلقين (وليس العلماء) حيث أن هذا لا يعني أن النماذج المناخية السابقة كانت مفرطة في التشاؤم أو أننا نستطيع أن نتبع نهجاً أكثر سهولة في إزالة الاحترار العالمي وبدلا من ذلك، ينبغي أن تلهم الورقة - بل وتدعو - إلى اتخاذ إجراءات فورية أكثر عمقا لضمان بلوغ ذروة انبعاثات غازات الدفيئة في غضون بضع سنوات والوصول الى صافي صفر من الانبعاثات بحلول منتصف القرن.
ما الذي ينبغي علينا فعله إذا؟ ينبغي تخفيض الانبعاثات العالمية بنسبة تتراوح بين 4 و 6 في المائة سنويا إلى أن تصل إلى الصفر وسيتعين علينا في الوقت نفسه استعادة الغابات والأراضي الزراعية حتى تتمكن من التقاط كميات أكبر من ثاني أكسيد الكربون و حجزها. إن إزالة الكربون بشكل كامل من أنظمة الطاقة والنقل خلال أربعة عقود سيتطلب جهداً هائلاً ولكنه ليس مستحيلاً.
وبعيداً عن عواقبها البيئية فإن مثل هذه الجهود ستولد مكاسب اقتصادية كبيرة ستعزز الطبقة الوسطى في البلدان المتقدمة وتنتشل مئات الملايين من براثن الفقر في العالم النامي بما في ذلك عن طريق زيادة فرص العمل وسوف يؤدي انتقال الطاقة إلى وفورات ضخمة في الكفاءة مع تحسين قدرة ومرونة البنية الأساسية وسلاسل الإمداد و الخدمات الحضرية في البلدان النامية ولا سيما في المناطق الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ.
ووفقا لتقرير نشره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في العام الماضي فإن الإبقاء على عتبة 1.5 درجة مئوية وإيجاد اقتصاد منخفض الكربون سوف يضيف ما يصل إلى 12 تريليون دولار للناتج المحلي الإجمالي العالمي مقارنة بسيناريو يلتزم فيه العالم بالسياسات الحالية وتعهدات خفض الانبعاثات.
لقد تمت كتابة الورقة التي أشارت إلى أن هدف 1.5 درجة مئوية يمكن تحقيقه من قبل خبراء في المناخ يتمتعون باحترام واسع كما تم نشره في مجلة رفيعة المستوى بعد مراجعة شاملة من قبل المختصين ولكنها مجرد ورقة واحدة حيث لا يزال هناك الكثير لنتعلمه عن قدرتنا على الحد من الاحترار العالمي ولهذا السبب فإن كبار العلماء يناقشون نتائجها بالفعل، كما سوف يتم نشر ردودهم في أهم الدوريات العلمية وهذه هي الطريقة التي يعمل على أساسها البحث العلمي ولهذا السبب يمكننا أن نثق في علم المناخ - وتحذيراته العاجلة.
وفي العام المقبل، سوف ينشر الفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ تحليله التجميعي الخاص بكل العلوم المتصلة بالهدف الذي يبلغ 1.5 درجة مئوية وهو ما يعد بأن يكون الموجز الأكثر شمولية لتلك البحوث و لكننا لا نستطيع انتظار ذلك التحليل قبل اتخاذ أي إجراء.
وقد التزم أعضاء منتدى الدول الأكثر عرضة لتأثيرات المناخ بأداء دورهم حيث تعهدوا في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ الذي عقد في مراكش في العام الفائت باستكمال عملية التحول إلى الطاقة المتجددة بنسبة 100٪ في أقرب وقت ممكن علما أن انبعاثاتنا هي بالفعل من بين الأقل في العالم و لكن أهدافنا المناخية هي الأكثر طموحاً في العالم.
ولكن إذا كان العالم سيعمل على الحد من تغير المناخ فإن ذلك سيعتمد في نهاية المطاف على رغبة العناصر المسؤولة بشكل أكبر حاليا وتاريخيا عن انبعاثات غازات الدفيئة في الوفاء بمسؤوليتها المعنوية والأخلاقية واتخاذ إجراءات قوية. إن إبقاء درجات الحرارة العالمية دون 1.5 درجة مئوية قد لا يكون مستحيلا من الناحية الجيوفيزيائية ولكن يجب علينا من أجل تحقيق هذا الهدف أن نضمن ألا يعامل هذا الهدف على أنه يشكل استحالة سياسية واقتصادية.

رئيسة لجنتي المالية وتغير المناخ وهي عضو في مجلس الشيوخ في الفلبين.