التنمية الخلّاقة

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٤/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٤٦ ص
التنمية الخلّاقة

بيورن لومبورج

إن بطاقة النتائج الجديدة التي تعمل على تصنيف البلدان حسب درجة تقدم التنمية لا تمدنا بالمعلومات الكافية حول الطريقة التي نواجه بها أكبر التحديات التي تواجه البشرية. وبدلاً من ذلك، فإنها تسلط الضوء على أوجه القصور في سياسة التنمية العالمية غير المركزة. ويقدم التقرير الجديد الرئيسي، بقيادة جيفري د. ساكس، الذي أصدرته شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة، وشركة برتلسمان ستيفتنغ الألمانية، لوحة تقييم بالألوان الرمزية، وذلك لبيان مدى نجاح كل بلد في تنفيذ أهداف التنمية المستدامة -البرنامج المهم الذي نجح في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية ذات الفعالية العالية قبل 18 شهراً. يشير اللون الأخضر إلى النجاح في جميع مؤشرات الهدف، أما الأصفر، والبرتقالي، والأحمر فتشير إلى الابتعاد عن تحقيق الهدف.قد يُتوقع الكشف عن تقييم مدى قيام البلدان الغنية بتخصيص مساعداتها الإنمائية بشكل جيّد، ومدى نجاح البلدان الفقيرة في إنفاق أموالها الخاصة، لضمان حصول المزيد من الناس على التعليم والرعاية الصحية والأمن الغذائي وبيئة آمنة ونظيفة -تحديات التنمية الأساسية للكوكب. وبدلاً من ذلك، يُظهر لنا المؤشر أن كمبوديا -حيث يعيش أكثر من 20%من السكان بأقل من 1.90 دولار في اليوم- حاصلة على اللون الأخضر، متفوقة على إسبانيا صاحبة اللون البرتقالي بخصوص تنفيذ الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة: «القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان». ويشير التقرير إلى أن إيطاليا هي من أسوأ من جميع البلدان باستثناء فنزويلا -أسوأ بكثير من بوروندي أو حتى سوريا- في ترتيب تتصدره سنغافورة، وأكثر غرابة رواندا.

ومن المفاجئ حصول الولايات المتحدة على اللونين الأحمر والأصفر، لتحتل بذلك المرتبة 42 من أصل 157 بلداً بشكل عام. في الواقع، لا تحقق الولايات المتحدة النجاح في أي من أهداف التنمية المستدامة الـ17، وتتقاسم هذا التراجع فقط مع اليونان وإيطاليا ولاتفيا والمكسيك وإسبانيا وتركيا، من بين دول منظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي. (على النقيض من ذلك، تميل اليمن الذي دمّرتها الحرب إلى النجاح في «العمل المناخي» و«الشراكة من أجل تحقيق الأهداف»).

إن تأثير أمريكا مسألة معروفة ومفهومة. لكن دافعي الضرائب الأمريكيين يقدمون ما يقرب من ربع كل الأموال التي تنفقها هذه الدول الغنية على المساعدات الإنمائية المباشرة. يحاول برنامج التنمية اليوم أن يشمل كل شيء لجميع الناس. وقد تحققت الأهداف الإنمائية للألفية لأن عددها كان قليلاً وتركيزها كان حاداً. وتتضمن أهداف التنمية المستدامة الـ169 غايات ضخمة، مما يعني عدم وجود تركيز على الإطلاق. وحصلت الولايات المتحدة على أقل من اللون الأصفر بخصوص هدف التنمية المستدامة الثالث، والذي يشمل الصحة والصالح العام. ما السبب؟ العمر المتوقع في الولايات المتحدة مرتفع نسبياً، ومعدلات وفيات المواليد والأمهات منخفضة نسبياً. وقد اتضح أن النتيجة الإجمالية للولايات المتحدة قد تراجعت بسبب انخفاض النسبة المعطاة للعدد المرتفع من الوفيات بسبب حوادث السير في البلاد. غير أن الخلط بين حوادث السيارات في أوهايو ومعدلات وفيات المواليد الجدد وانتشار فيروس نقص المناعة البشرية يُخل بجدول أعمال التنمية العالمي. وحصلت أستراليا على اللون الأحمر في مجال «القضاء على الجوع» في نطاق أهداف التنمية المستدامة؛ وليس بسبب المجاعة الكبيرة أو نقص المغذيات الدقيقة، ولكن لأن معدلات السمنة مرتفعة جداً، وعائدات زراعتها قليلة.كان النقص في التغذية الدقيقة واحداً من 19 هدفاً محدداً من قِبل لجنة الخبراء الاقتصاديين الحائزين على جائزة نوبل والذين درسوا أهداف التنمية المستدامة بمركز التوافق في كوبنهاجن، وهو مركز البحوث الذي أديره، والذي حدد أكثر الطرق فعالية من حيث التكلفة لمساعدة الناس وحماية كوكب الأرض وتعزيز الازدهار. ومن شأن تحقيق أهداف مثل تحقيق الوصول الشامل إلى وسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة، والقضاء على داء السل بحلول العام 2030، وزيادة التجارة العالمية الحرة، وإنهاء دعم الوقود الأحفوري، وحماية الشعاب المرجانية أن يساعد البيئة ويحسّن حياة بلايين الناس. وأظهر التحليل أن التركيز على أعلى 19 هدفاً في الجدول سيحقق نجاحاً مضاعفاً أربع مرات أكثر من محاولة توزيع الأموال على 169 هدفاً. وبدلاً من ذلك، تعمل الحكومات على تحقيق عدد هائل من أهداف التنمية المستدامة. وتقوم البلدان الآن بتحديد الأولويات التي فشلت الأمم المتحدة في تسطيرها. فهي لا تستطيع تحقيق جميع الأهداف الـ169 في آن واحد، لذلك فإنها تركز على بعضها فقط. الخطر الحقيقي هو أن اختياراتها لن تكون ضمن الأهداف الفعالة من حيث التكلفة، بل ضمن تلك التي تتمتع بجاذبية وسائل الإعلام، واهتمام المنظمات غير الحكومية، أو مصلحة الشركات الكبرى. علينا إعادة توجيه برنامج التنمية لمعالجة القضايا الأساسية، مع التركيز على المجالات التي يمكن فيها لكل دولار يُنفق تحقيق أقصى استفادة للبشرية. ومن خلال القيام بذلك يمكن أن تساعدنا بطاقة النتائج على تحقيق أقصى قدر من التنمية.

مدير مركز توافق آراء كوبنهاجن وأستاذ

زائر في كلية الأعمال في كوبنهاجن.