داود كُتّاب
عندما التقى ممثلو الفصائل الفلسطينية – فتح وحماس ووقعوا اتفاق المصالحة الجديد في القاهرة في الثاني عشر أكتوبر لم يكن الاهتمام يركز على عضو مركزية فتح عزام الأحمد أو نائب المكتب السياسي لحركة حماس صلاح العاروري. إنما تركزت الأنظار على الرجل من خلفهم: اللواء خالد فوزي رئيس دائرة المخابرات المصرية.
الاحتفال بالتوقيع الذي جرى في مقر المخابرات المصرية تم ترتيبه من قبل المصريين الذين يرون في المصالحة خطوة لمشروع وهدف أكبر. فكما جاء في بيان المشاركين فإن التوقيع جاء «انطلاقاً من حرص جمهورية مصر العربية على القضية الفلسطينية، وإصرار الرئيس عبد الفتاح السيسي على تحقيق آمال وطموحات الشعب الفلسطيني في إنهاء الانقسام وتعزيز الجبهة الداخلية وتحقيق الوحدة الفلسطينية، من أجل انجاز المشروع الوطني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وعودة اللاجئين».
يأمل المصريون أن دورهم في التحرك سيرفع من موقعها في العالم العربي ويعزز أهميتها كلاعب رئيس في المنطقة. لقد حققت المصالحة قدراً كبيراً من ذلك وسيكون لهذه المصالحة أيضاً إذا استمرت دور في رفع معنويات حكومة السيسي.
الخبر السار للمصريين هو أن الفلسطينيين أبدوا اهتماماً كبيراً ليس فقط للوصول الى مصالحة بل أيضا للخوض في غمار مفاوضات مع إسرائيل ومع كبير مؤيدها الولايات المتحدة الأمريكية.
هذا التجديد في السياسة الفلسطينية انعكس أيضا على سياسات حماس والتي جاءت بالاعتدال السياسي بعد سنوات من المصاعب التي واجهتها حركة الاخوان المسلمين في المنطقة.طبعا مشاكل حماس بدأت عندما دعمت الطرف الخاسر في سوريا ومصر. فدعم حماس للمعارضة الإسلامية أفقدها مقرها في دمشق عند صمود نظام بشار الأسد. كما ودعمت حماس حكومة الإخوان في مصر وخسرت عندما سقطت حكومة مرسي بعد سنة.
وفي غياب أية رعاية إقليمية لحماس لم يكن لدى الحركة سوى العودة الى حضن إخوتها الفلسطينيين. ومن هنا جاءت موافقة الحركة غير المشروطة لمطالب الرئيس محمود عباس الثلاث: حل لجنة حماس الإدارية، السماح لحكومة رام الله باسترجاع دورها في قطاع غزة والسماح بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في الضفة والقطاع.
ستفتح المصالحة الفلسطينية الباب للسلام لأنها ستوفر فرصة لشرعنة المفاوض الفلسطيني من خلال الانتخابات، ولكن المشكلة الأساسية والعمل الصعب سيكون أمام مصر والفلسطينيين في الفترة المقبلة.
فمن أجل أن تصل المفاوضات إلى الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، سيتوجب على الطرفين العمل مع الولايات المتحدة برئاسة دونالد ترامب وإسرائيل بإدارة رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو. وفي هذا الحال فإن التوقعات منخفضة جداً.
ترامب يدعي أنه سينجز «الحل الأبعد» لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن ترامب ونتنياهو كلاهما أكثر تطرفاً الواحد من الآخر. فكلاهما يرفض ما يقبله العالم أجمع حول أسس أي حل: حل الدولتين. والرئيس عباس المعمر في السن لن يقبل بحل سيئ مؤيد لإسرائيل تفرضه إدارة ترامب.
ومن غير المتوقع أن تخرج السيناريوهات المتفائلة الى الوجود بسبب استمرار إسرائيل في بناء المستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة. تلك النشاطات ليست غير عادلة فحسب لكنها مخالفة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 والذي تم الموافقة عليه بشبه الإجماع (أمريكا بإدارة باراك أوباما امتنعت عن التصويت). ذلك القرار طالب إسرائيل «بالوقف الفوري الكامل لكافة النشاطات الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس». وقد اعتبر القرار أن تلك النشاطات الاستيطانية «مخالفة بصورة فاضحة للقانون الدولي».
أي اتفاق إسرائيلي فلسطيني سيتطلب تنازلات عميقة من الطرفين، وهي تنازلات سيحتاج قادة الطرفين لإقناع شعوبهم بقبولها. يبدو أن صهر ترامب جاريد كوشنر وكبير المفاوضين في هذا الملف جاسون جرينبلات يفهمان ذلك. كما ومن المؤكد أن مصر تدرك ذلك لأنها اقتنعت أن الوفد الفلسطيني في ظل الانقسام لن يستطيع أن يعمل دون التفويض الذي توفره الانتخابات. فبدون التفويض لن يستطيع المفاوض أن يقوم بمفاوضات جدية ولن يستطيع الحصول على تأييد شعبي لأي اتفاق يتم التوصل إليه في نهاية المطاف.
السؤال المهم هو: ما هي التنازلات التي ستقبلها إسرائيل؟ فهل ستسمح بإقامة حل الدولتين أو الحل المبني على مشاركة حقيقية للحكم ضمن دولة واحدة. إن لم توافق على أي من الحلين فإن المصالحة الفلسطينية الأخيرة مهما كانت إيجابية لن تحدث أي تأثير في بداية حل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بل ستكون مجرد بداية صفحة جديدة في النضال من أجل حرية الفلسطينيين.
صحفي فلسطيني حاصل على العديد من الجوائز الإعلامية وهو محاضر سابق في الإعلام في جامعة برينستون الأمريكية.