دراسات الجدوى المزيفة!

بلادنا الأربعاء ١٨/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٢٢ ص

تعتمد الكثير من المشاريع الاقتصادية وطلبات تمويل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على دراسات الجدوى الاقتصادية التي تقدمها بعض المكاتب الاستشارية الاقتصادية التي أضحت تقدم وجبات جاهزة وفقا لطلب التمويل.

هذه الدراسات الوهمية أو غير الدقيقة تبدأ بها حلقات التزييف لطلبات التمويل المدعوم وغيره، ‏ومن خلالها تُعتمد القروض للمشروعات من الجهات والمؤسسات التمويلية في البلاد، الأمر الذي يتطلب مراقبة ومتابعة مدى جدوى وجدية وواقعية هذه الدراسات، فمن خلالها يتم تصوير السراب باعتباره نهر ماء يجري، وسرعان ما يعود السراب سرابا لا أكثر، ليس ذلك فحسب بل إن البعض يجد نفسه في ساحات القضاء والمحاكم بعد فشله في الوفاء بالتزاماته المالية المترتبة على الدراسات الوهمية.

لاشك أن دراسات الجدوى الاقتصادية مؤشر مهم لإقامة جميع المشروعات في القطاعات الإنتاجية والخدمية وغيرها إلا أن الكثير من الدراسات التي تقدمها بعض المكاتب لا تعدو أن تكون إلا Cut & paste لبيانات لا علاقة لها بالمشروع المعني، هنا فإن الأحلام الوردية ترتد على هيئة كوابيس واقعية تفضي للسجون.
‏هذه المكاتب وعندما تقدم دراساتها المهلكة تلك فإنها لا تكترث لأي نتائج تترتب عليها، ولا تنتابها وخزات للضمير هذا إن كان حيا، فهي تهتم بالقيمة المادية التي يدفعها الضحية، وما دون ذلك فإلى الجحيم.بعض من اللوم يقع أيضا على الجهات التي توافق على هذه الدراسات بدون تدقيق أو تمحيص للوقوف على مدى واقعيتها ودقتها، وسرعان ما يتم اعتمادها كقاعدة لقيام مشروع كامل، وفي منح قروض مدعومة وتسهيلات مصرفية، وبذلك فإنها تغدو شريكا أصيلا في هذا الخطأ وفي تبعاته المهلكة وفي الدمار الشامل الذي أودى بصاحب المشروع.
بعض الجهات التمويلية لديها مكاتب خاصة بها أو تقوم بتمويل دراسات الجدوى الاقتصادية للمشاريع التي تقدم لها، لضمان مدى جدواها ومصداقيتها ومن ثم نجاحها، وبذلك فإنها تؤكد على أن المشروع سيحقق بالفعل أهدافه الموضحة بالدراسة العلمية والأمينة، تلافيا لهذه السقطات فادحة العواقب.
إن دراسات الجدوى الاقتصادية لا يمكن اعتبارها إلا مؤشرا من المؤشرات على مدى قيام المشروع من عدمه، ولكنها لا يمكن أن تكون الضامن الكامل والجازم لنجاح المشروع، وهو ما يجب أن يدركه الممولون وأصحاب المشروعات، بل إنها وأحيانا لا يعتد بها في الكثير من الاستثمارات.
بالطبع الكل يوقن بضرورتها باعتبارها أداة تعتمد عليها الجهات التمويلية للتصديق على إقامة المشروعات، وهو ما يتطلب إيلاء هذه الجوانب الأهمية التي تستحقها لما تمثله من ثقل في بلورة الاتجاهات الاستثمارية المربحة، وتحفيز المستثمرين لارتياد المشاريع الاستثمارية ذات العائد المضمون بحول الله.
نأمل أن يُعاد النظر في المكاتب التي تقدم الاستشارات الاقتصادية والإدارية وتنظيمها وتقييم أدائها، والتدقيق في كفاءة العنصر البشري بها، وتوجيه المستثمرين إلى المكاتب التي تحظى بسمعة جيدة في إعداد الدراسات باعتبار أن الدراسات غير الواقعية ستفضي حتما لنتائج كارثية نحن واقتصادنا الوطني في غنى عنها بالتأكيد.