الأحلام لا تنتهي في غزة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٦/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٠٢ ص
الأحلام لا تنتهي في غزة

مات سميث

تخيل أننا نعيش في العام 2050 الآن. يعيش ثلاثة ملايين ونصف المليون نسمة في قطاع غزة في سلام وحرية، إلى جانب القدرة على السفر بلا قيود من القطاع المزدهر إلى الضفة الغربية وأبعد من ذلك، كما أصبح القطاع هو الموقع الاقتصادي المُستنِد إلى التكنولوجيا الحديثة في فلسطين؛ ذلك الواقع الذي كان يبدو من المستحيل تحقيقه منذ 30 عامًا. ربما يبدو ذلك ضرباً من الخيال، لكن مجموعة من رواد الأعمال الفلسطينيين يعتقدون أنه ربما يمكن تحقيق ذلك وحشد الجهود لإنشاء؛ كبداية، ومن ثم تطبيق خطة Global Palestine، Connected Gaza، تلك الخطة التي وضعها فريق مكون من 20 من الخبراء الدوليين وطورها الاستشاريون من شركة AECOM التي مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، إلى جانب 300 من أصحاب المصلحة المحليين والدوليين. وتتكون هذه الرؤية من خطط لـ 70 من المشروعات المتكاملة للنهوض بقطاع غزة.

يقول نافذ الحسيني، مسؤول تنفيذي في شركة اتحاد المقاولين (CCC) التي مقرها لبنان؛ وهي شركة تأسست على يد ثلاثة من رواد الأعمال الفلسطينيين في الخمسينات من القرن الفائت، وحققت أرباح قدرها 4.6 بليون دولار أمريكي في العام الفائت، «عندما نسمع عن قطاع غزة، تبدو المسألة دومًا متعلقة بالحرب والعنف، ونرغب في تغيير الموضوع».
«ثلاثة أرباع سكان غزة أعمارهم أقل من 30 عاماً - هناك الكثير من الطاقة المكنونة التي لم تُستغل بشكل سليم، ونرغب في الاستفادة منها لتوفير فرص عمل حقيقية. هذه الدراسة توفر، للمرة الأولى، رؤية شمولية حول قطاع غزة وكيفية تحقيق التكامل بين كافة القطاعات الاقتصادية لإيجاد فرص عمل جديدة ومساكن لتلك الأعداد المتنامية من السكان في القطاع».

تنقسم الخطة إلى أربعة أجزاء رئيسية - التنمية الحضرية، والنقل والمواصلات، والطاقة والمياه، والبيئة وأراضي الفضاء. الخطة، التي تشمل إنشاء مطار وميناء بحري فوق الأراضي المُستردَّة، وسكك حديدية خفيفة وثقيلة للربط بين القطاع والضفة الغربية، تهدف إلى تحقيق حرية الانتقال وكذلك النمو الاقتصادي.

يقول سامر خوري، رئيس قسم الهندسة والتشييد في شركة اتحاد المقاولين (CCC)، «يستهدف Connected Gaza غالبية التحديات المُلِحَّة التي تواجه قطاع غزة، بينما يدعو إلى مزيد من الاستثمارات الكُبرى التي تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في القطاع كجزء من مستقبل الدولة الفلسطينية. حيث يمكننا تغيير منظور قطاع غزة وإعادة تعريف دوره ليكون بمثابة نافذة فلسطين الجديدة على العالم».
وسوف ينطوي ذلك على صعوبات جمَّة نظرًا للموقف الحالي في قطاع غزة، حيث يشكل الباحثون عن عمل أكثر من 40%، إلى جانب انخفاض دخل الفرض إلى الثُلث بين 1.8 مليون نسمة يعيشون بالقطاع منذ منتصف التسعينات من القرن الفائت، إلى جانب كون مرافق المياه والكهرباء على حافة الانهيار، ذلك كله نتيجة الحصار المتواصل.
وتشمل السلطات المحلية الأخرى التي تدعم الخطة، صندوق الاستثمار الفلسطيني، وبنك فلسطين، ومؤسسة مجموعة الاتصالات الفلسطينية، وشركة فلسطين للاستثمار العقاري، بينما أقام واضعو الدراسة حلقات عمل مع مختلف الأطراف، بما في ذلك الحكومة المحلية، والأوساط الأكاديمية، والقطاع الخاص، والنقابات العمالية، والمنظمات غير الحكومية، ومؤسسات الدعم المالي.
ويقول عماد علينا، رئيس فريق الدعم الفني في شركة اتحاد المقاولين (CCC) في قطاع غزة: «هدفنا الرئيسي هو إشراك كافة الجهات المعنية في تنفيذ الخطة، ومعرفة آرائهم، ومناقشة الأفكار القابلة للتطبيق، وبالطبع نتوقع منهم تقديم الدعم والمشورة. كما نقوم بإشراك الشخصيات العامة من مختلف الخلفيات السياسية للحصول على توافق في الآراء حول الخطة».
ربما الأمر الجدير بالملاحظة هو أن Connected Gaza يعمل بالتوازي مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وغيرها من المؤسسات الدولية لوضع إطار محدد لتحقيق رؤية قطاع غزة على أرض الواقع، حيث تجري دراسة العديد من النماذج المختلفة مثل مشروع التنمية الإقليمية لخليج العقبة في الأردن.
ويضيف الحسيني: «في النهاية، ينبغي علينا، بالتشاور مع الجهات المعنية، اختيار الإطار المؤسسي الذي يناسب السياق والظروف المحلية في قطاع غزة».

«هناك عدد لا بأس به من خريجي الجامعات المتميزين الذين يمكن الاستفادة من مهاراتهم من خلال توظيفهم في المكان المناسب - تخلق التقنية سوق عالمية افتراضية حيث لا يهُم موقعك، ونعتقد أن قطاع غزة يمكنه الاستفادة من ذلك أيضًا».

تهدف رؤية Connected Gaza إلى مضاعفة اقتصاد قطاع غزة 25 مرة بحلول العام 2050، ما يمكنه من الوصول إلى معايير الدخل المتوسط، مع ضرورة إقامة دولة فلسطينية مستقلة تعتمد على التجارة بشكل رئيسي.
وعلى الرغم من أن المشروعات السبعين ليست شاملة، فهي تتراوح بين تطوير البنية الأساسية بشكل واسع النطاق، إلى مخططات شعبية، إلى جانب استكمال مخططات إعادة الإعمار الحالية ومشروعات التنمية.
وسوف يتم تمويل بعضٍ من تلك المشروعات بواسطة القطاع الخاص، ومن المحتمل أن يتولى القطاع الخاص المشروعات التي من المتوقع أن تحقق ربحية أعلى، بينما سيتم تنفيذ البعض الآخر بواسطة المجتمع الدولي والجهات المانحة. وربما تكون هناك بعض المشروعات ذات التمويل المشترك عبر الشراكات بين القطاعين العام والخاص. وتُقدَّر تكلفة تأسيس مشروعات التشييد والمشروعات المتكاملة الموضحة بالدراسة بسبعة مليارات دولار أمريكي.
لا شك أنه تتوافر الكثير من الإمكانات في مجالي الزراعة ومصائد الأسماك، ويقول خوري: «هاتان الصناعتان يمكن توسعتهما للمنافسة على الصعيد الدولي. حيث يتميز قطاع غزة بالأراضي الخصبة الصالحة للزراعة، هي جزء من اقتصادنا وثقافتنا وهويتنا. نحن فقط بحاجة إلى إمكانية الحصول على طرق وتقنيات الزراعة الحديثة. وبذلك يمكننا تلبية حصة كبيرة من الطلب المحلي على الغذاء، إلى جانب تصدير الفاكهة والخضروات والزهور إلى أوروبا».
ومع ذلك، فإن الأولويات الأكثر إلحاحًا هي إمدادات الطاقة والمياه - تتوافر الكهرباء في قطاع غزة لمدة 4 ساعات أو أقل يوميًا، بينما يحصل فقط 10% على إمدادات المياه الصالحة للشرب، حيث أصبحت المياه الجوفية الطبيعية بالقطاع أكثر تلوثًا ونضوبًا.
كما أن القدرة الكهربائية المُعلنَّة لمحطة كهرباء قطاع غزة هي 140 ميجاواط، ولكن القدرة الحقيقية تتراوح بين 60 إلى 70 ميجاواط نظرًا لصعوبات كثيرة تواجه القطاع في استيراد قطع الغيار والوقود، وتصل ذروة استهلاك الكهرباء في القطاع إلى 280 ميجاواط. وتخطط شركتا اتحاد المقاولين (CCC) و(Shell) لإنتاج الغاز من حقل الغاز البحري في قطاع غزة، مع توقعات لبدء التصدير في غضون 3 إلى 4 سنوات.

«هدفنا الاستفادة من تقنيات تحلية مياه البحر المحدودة. ويقول الحسيني، «نعتقد أنه يمكن تشغيل تلك المحطة في غضون 18 إلى 24 شهرًا - سوف تجري عملية الإنشاء على ثلاثة مراحل». وسوف تتضمن المرحلة الأولى إنشاء المحطة بسعة 10,000 متر مكعب يوميًا. ومن ثم سوف تجري التوسعات على مدار سنوات عدة لتصل السعة إلى 30,000 متر مكعب يوميًا.

ويضيف: «نحن الآن في مرحلة الدراسة، ونستعرض بعضاً من العناصر المالية والفنية الخاصة بالمحطة».
«نتوقع أن يبدأ تمويل المحطة بصورة جزئية من خلال المنح، التي يمكن أن تغطي تكلفة التشييد. وبمجرد دخول المحطة حيز الإنتاج، سوف تبدأ في تحقيق الأرباح. وقد أشارت بعض البلدان إلى استعدادها لتقديم المساعدة. وما أن تنتهي الدراسة، سوف نجري اتصالات مع المؤسسات المالية التي تقدم المنح لمثل هذا النوع من مشروعات المياه».

كاتب وصحفي