كــرة القــدم لم توحـــد السوريين

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/أكتوبر/٢٠١٧ ٠١:٢٨ ص
كــرة القــدم لم 

توحـــد السوريين

د. فيصل القاسم

وكأن السوريين كانوا بحاجة لمزيد من المحرضات كي يزداوا فرقة وتشرذماً وتشظيــــاً وانقساماً. ألا يكفيهم استخدم السلاح الطائفي والمناطقي البغيض منذ الأيام الأولى للثورة الذي زاد الشروخ الداخلية، وعمّق التناقضات بين مكونات الشعب؟

لقد جاءت مباراتا كرة القدم بين الفريق السوري والفريق الأسترالي للتأهل لكأس العالم لترش الملح على جروح السوريين ولتزيد من تناحرهم.

إن من استغل السلاح الطائفي لتمزيق سوريا، وتشتيت شعبها وضربه بعضه ببعض لن يتوانى عن استغـــــلال سلاح الرياضة كي يستمر في تعميق الأحقاد والضغائن ودق الأسافين بين الشعب السوري.
لقد لاحظ الصغار قبل الكبار كيف استغل البعض المباراة بين سوريا واستراليا كي يفرق السوريين ويثيرهم على بعضهم البعض، فنسي المتلاعبون بالقضية السورية كارثة الحرب، وراحوا ينصبون الشاشات العملاقة كل في منطقته في الساحات والميادين، ويستخدم وسائل التواصل الاجتماعي لتحشيد مؤيديه كي يشجعوا فريقاً ضد فريق، أولاً لإلهاء السوريين عن كـــارثتهم الرهيبة، وثانياً كي يوهمهم بتغير الأوضاع، وثالثاً وهو الأهم كي يستثير السوريين على بعضهم البعض.

وقد نجحوا في ذلك نجاحاً باهراً، فقد تحولت مبارة الفريق السوري مع أستراليا إلى حرب داحس والغبراء بين المؤيدين والمعارضين، وصارت عنواناً لسوريا الجديدة المنقسمة على ذاتها.

فبينما ناصر مؤيدو النظام الفريق السوري، ناصر الكثير من المعارضين الفريق الاسترالي، وتمنوا أن يفوز على الفريق السوري.
وبينما فرح الكثير من المعارضين بهزيمة الفريق، سادت حالة من الحزن الشديد في أوساط المؤيدين الذين ذرفوا دموعاً غزيرة على هزيمة فريقهم.
وقد علق أحدهم على هذا المنظر التراجيكوميدي قائلاً: «أبكتهم خسارة الفريق ولم يُبكهم 1500 طفل استشهدوا على مسافة لا تبعد عنهم عشرة كيلومترات، ولم يُبكهم ملايين المُهجرين والمُشردين ومئات الآلاف من الشُهداء والمُعتقلين والجرحى.. يا هيك اللحمة الوطنية يا بلاش».
وكي يزيدوا الطين بلة ضغطت بعض الأطراف على بعض اللاعبين أن يرفعوا صوراً سياسية، مما جعل الفريق يبدو في عيون السوريين على أنه عنوان للخلاف والفرقة بدل اللحمة الوطنية.

وقد ارتكب رئيس الفريق غلطة فادحة عندما خرج على الهواء ليقول إن الفريق الذي لعب مع استراليا هو فريق النظام، مما زاد من البلبلة والتشظي بين السوريين جميعاً، وخاصة الاثني عشر مليوناً الذين صاروا إما نازحين أو لاجئين.

وهذا من شأنه طبعاً أن يرش الملح على جروح السوريين المكلومين بدل مداواتها. بعبارة أخرى بدل أن يستخدموا المناسبة الوطنية لجمع السوريين على كلمة سواء استغلوا كرة القدم كي يزيدوا في أحقادهم وصراعاتهم وضغائنهم.
ألا تعلمون أن المنتخبات الرياضية تلعب دائماً لترفع اسم أوطانها وليست مؤسسة لتلميع صورة جهات معينة، يجادل معلق سوري: «أظن وليس كل الظن اثماً أن المنتخب السوري لعب بقلب مليء بحب الوطن، لكن بعض الجهات قزّمت دوره، وجعلته مؤسسة حزبية تثير الخلاف والفرقة بين السوريين بدل أن تجمعهم وتؤلف بين قلوبهم المجروحة، فتزعزعت ثقة اللاعبين بين إنجازهم للوطن أو خدمة لتلميع جهة معينة.. وبين التلميع والتمييع فقدنا فرصة كان يمكن أن تُستثمر لإعادة بناء وطن منهك وقلوب محطمة».
عندما يلعب فريق كرة قدم باسم الوطن سيسانده بلا شك كل أبناء الوطن، وعندما يلعب باسم جهة معينة مهما كانت، فسوف يقسّم الوطن إلى أقسام، وهذا للأسف ما حصل في مباراة كرة القدم بين الفريق السوري والفريق الاسترالي في المرتين الأولى والثانية. لقد كانت مشاركة الفريق في تصفيات التأهل لكأس العالم مناسبة كارثية زادت من الفرقة والتشظي بين السوريين بدل التقريب بينهم وجمعهم على قلب رجل واحد في مثل هذه المناسبات الرياضية الكبيرة التي يلتف فيها الجميع حول فريقهم الوطني.
إعلامي في قناة الجزيرة