الساحرة التي أفرحت العرب

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٥/أكتوبر/٢٠١٧ ٠١:٢٧ ص
الساحرة التي أفرحت العرب

أحمد المرشد

لم تتمالك الشعوب العربية نفسها وهي تشاهد مباراة مصر والكونغوعندما هتفت «تحيا مصر.. تحيا مصر»

والتي تأهل بعدها المنتخب المصري لمونديال روسيا 2018 إلى جانب 3 فرق عربية أخرى وقلوبنا مع السوريين الذين خسروا في مباراتهم الأخيرة لمصلحة المنتخب الأسترالي، وأيا كان الوضع، فهذه على ما اعتقد المرة الأولى التي تشارك 4 منتخبات عربية في العرس الكروي العالمي، ونتمنى مشاركة فرق أكثر في المرات المقبلة. فالكرة أصبحت توحد الشعوب العربية، سواء فازت مصر أو غيرها، فالفرحة لا تنقسم، ولكننا نحزن أشد الحزن في حال إخفاق أي فريق، وإذا كان العرب يفتخرون بمشاركة أربع منتخبات في المونديال المقبل، فنحن أمة تستحق، وإذا كانوا قديما قالوا «تجمعنا لغة الضاد» فنضيف إليها حديثا «ويجمعنا عشقنا لكرة القدم» فهذه الساحرة الرياضية أيضا تجمعنا وتجعل كل عربي يشجع اي منتخب مشارك وكأنه منتخب بلاده فقد أصبحت كرة القدم الخيط الذي يجمع العرب بعد أن فرقتهم السياسة.

شاهدت مباراة مصر والكونغو الفاصلة في القاهرة نظرا لظروف عملي فيها، وشجعت منتخب الفراعنة مع أصدقاء تلاشت بيننا الجنسيات وانصهرنا جميعا في حب مصر وفريقها الذي أسعدنا رغم الأوقات الصعبة التي مررنا بها، حتى كانت صافرة الحكم لتنتهي المباراة بفرحة عمت مصر وكل بلد عربي، لتهدأ الأعصاب وتبدأ الاحتفالات طوال ليلة لم ينم فيها المصريون ولم يغفل لهم جفن. كذلك كان حالنا ونحن نشاهد المباريات الفاصلة لتأهل منتخبات السعودية وتونس والمغرب من قبل، إنها حالة وجدانية يعيشها العرب وهم يشاهدون اي منتخب عربي في طريقه لتمثيلنا في مونديال روسيا 2018.

والجميل في فرحة المصريين وفرحتنا كم البوستات التي تم تداولها على مواقع السوشيال ميديا، وأظهرت خفة الدم وروح الدعابة، فامتلأت الشبكة الافتراضية بألاف البوستات والتعليقات والأغاني، وربما من أجملها في رأيي بوست ينال من لاعب المنتخب السابق مجدي عبد الغني الذي أحرز هدف مصر في آخر مشاركة لهم في مونديال 1990 من ضربة جزاء، وواضح أنه لا يزال يذكر المصريين بهدفه في كل مناسبة، حتى جاءت أهداف محمد صلاح نجم منتخب مصر لتنهي انفراد عبد الغني بهذا الهدف الذي «زهق» المصريون منه، وربما أن جزءا من فرحتهم بتأهلهم الي روسيا 2018 أن أسطورة مجدي عبد الغني ستنتهي وسيظهر لاعب جديد في الأفق وأهداف جديدة للاعبين ونجوم جدد.

وكما أسلفت، أسعدني الحظ أن أشاهد تلك المباراة التاريخية في مصر وسط الملايين التي شجعت منتخبها بقلبها وروحها، لتنتهي المباراة بمشاعر عبارة عن مزيج من الفرحة والسعادة ونشوة الانتصار، خاصة بعد مبارزة صعبة للغاية، فالأمر لم يكن سهلاً كما توقع المصريون – لاعبون وجمهور – لأن كافة التحليلات الرياضية منحت المصريين فرصة الفوز المبكر بلا منغصات أو مشكلات داخل المستطيل الأخضر، ولكن جاءت ملابسات المباراة عكس ذلك، فهكذا حال الساحرة المستديرة التي تجعل القلوب تنتفض وتلهب الحناجر أو تسكتها، ولكن الفرحة تأتي متأخرة كثيرا بعد حوالي 92 دقيقة من عمر المباراة ليخرج المصريون عن بكرة أبيهم الى الشوارع والمتنزهات في كافة محافظات المحروسة، ليفرحوا بانتصارهم الذي أعادهم للمونديال بعد غياب 28 عاما تقريبا، بفريق ودم جديد، ولاعبون لا يعرفون الفشل وعاهدوا الله على إسعاد شعبهم المصري والعربي.
ربما تعلم المنتخب المصري والجمهور أيضا درسا غاية في الأهمية، وهو عدم الاستهانة بالخصم، فكما ذكرت توقعت التحليلات الرياضية أن تكون المباراة سهلة جدا، فجاءت عكس ما توقعوا، ولكن في النهاية ادخر المولى عز وجل للمصريين فرحة وسعادة غامرة، يستحقونها وأبوا ألا يتركوا شوارعهم وميادينهم فارغة، فقرروا أن يملأوها بالملايين كما لو كانوا أول مرة يفرحون، فكانت فرحة ليلة العمر.
ولم يكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بعيدا عن أجواء المباراة وفرحة شعبه، فشارك اللاعبين انجازهم وهنأهم عليه، بل استقبلهم ومنحهم مكافآت ضخمة هم يستحقونها عن جدارة، ولكن اللاعبين أثبتوا أيضا أنهم جديرون بحب الرئيس والشعب لهم فقرروا التبرع بمكافأتهم الى صندوق «تحيا مصر» وهو صندون أسسه الرئيس ليشارك برأس ماله في دعم وتمويل بعض المشروعات العاجلة، ومنها على سبيل المثال مبادرة القضاء على «فيروس سي» في مصر، وقد كان بالفعل.
كلمات قليلة قالها الرئيس المصري للاعبين، ولكنها تعكس معاني ضخمة، فقال لهم: «أسعدتم قلوب 100 مليون مصري، ويجب أن تعلموا أن كل حاجة حلوة بتفرح شعب مصر الذي يستحق أن يفرح»، ثم هنأ اللاعبين على الأداء الرجولي المتميز وقدرتهم على تحقيق الإنجازات التي تعكس حضارة مصر وتاريخها العريق. إنها دعوات الجماهير المصرية والعربية، من أجل الفوز بمعجزة، ولم يشأ المولى عز وجل ألا يستجيب لكل هذه الدعوات، فهو القائل عز وجل «ادعوني استجب لكم» فما بالنا بدعوات ملايين تشتاق لنصر غاب كثيرا وكاد أن يقترب وفي اللحظة التي يقترب فيها يبتعد..يا الله، الحلم قريب المنال وكابوس في نفس الوقت، إنها أوقات صعبة، ولكن في النهاية تحققت المعجزة واستجاب المولى للدعاء لدعاء صادق خرج من قلوب الملايين تجمعوا بالعشرات والمئات والآلاف، كل في مقهاه، منزله، مضيفة قريته، ناديه، وسط صحبة جميلة ليعيدوا أجواء «اللمة» المصرية المعروفة، تشتد الأعصاب في انتظار الحلم القريب والبعيد في آن، ولكن الثقة في أن الله سينصرهم جلبت لهم النصر الذي أنساهم إحباطات كثيرة من 25 يناير 2011 بسبب صراعات على السلطة وتخبط هنا وهناك، ليجد المصريون عالما لم يصادفوه منذ فترة، عالما حقيقيا وليس افتراضيا، ورغم أنه عالم تحدده أربع خطوط على شكل مستطيل وتدور بداخله كرة تتقاذفها أقدام اللاعبين من هنا وهناك، إلا أنه كان في النهاية عالم صادق غير زائف أِشبع رغبات المصريين والعرب في إحراز الهدف وهو النصر والفوز.. فالمباراة التي انتظرها المصريون بفارغ الصبر لم تكن مباراة كرة قدم فقط، إنها مباراة يتحدون بها أوجاعهم ومشكلاتهم السياسية والاقتصادية، فكانت المباراة بحثا عن الهوية وإظهار علامات التفاني في حب الوطن والفرصة الذهبية للشعور بذاتهم بعد تأكيد هذا «الذات»، فالمباراة كانت امتحانا صعبا في تأكيد الانتماء للوطن وليس لأيديولوحية أو منطقة أو محافظة أو إقليم، فالمنتخب المصري وحد الانتماء وألغى الفرقة وقرب المسافات والقلوب، ليعيد المصريون شعورهم بالوطن ويرفعون العلم مجدداً، فكان سلوكهم الجمعي حقا علامة على حبهم لوطنهم بعد محاولات حثيثة من البعض على مدى الدقائق والساعات واليوم لتفريق المصريين ليكونوا أحزاباً متفرقة لا يجمعم أي رابط سوى الخلافات.
لقد عادت الفرحة للمصريين بعد 28 عاماً من تغييب متعمد أو غياب عن أعراس المونديال، فرحة تعم مصر بكاملها، فرحة حملت معها الآمال والطموحات، الجميع على قلب رجل واحد تحت شعار «الفرحة والنصر».
نعود إلى عالمنا العربي الكبير، حيث تفصلنا بضعة أشهر فقط عن موعد مونديال روسيا 2018، ونأمل أن تتضاعف فرحتنا بمنتخباتنا العربية المشاركة، ويكون مستوى أدائها رائعا كما كانوا في التصفيات التمهيدية، وأن يمتعونا بنفس القدر من المتعة والسعادة التي شعرنا بها.

كاتب ومحلل سياسي بحريني