وهم الإصلاح الفرنسي الألماني

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
وهم الإصلاح الفرنسي الألماني

هانز هلموت كوتز

الحقيقة الواضحة في الولايات المتحدة هي أن جميع السياسات محلية. على ما يبدو، يمكن تطبيق نفس الحكمة (إلى حد ما) على الاتحاد الأوروبي، الذي يعتمد برنامجه على السياسات الوطنية الرئيسية للدول الأعضاء.

وينطبق هذا بصفة خاصة على مؤسسات منطقة اليورو التي يوافق الجميع تقريباً على أنها في أمس الحاجة إلى الإصلاح. وبالفعل، كان دعم منطقة اليورو هو الخيط المشترك في الخطب الرئيسية التي ألقاها رئيس المفوضية الأوروبية جان كلود جونكر والرئيس الفرنسي اٍيمانويل ماكرون الشهر الفائت.

وفي خطابه عن حالة الاتحاد، أوضح جونكر بجرأة رؤيته الطموحة لمستقبل أوروبا. ودعا الاتحاد الأوروبي إلى استكمال اتحاده المصرفي، وإقامة وزارة مالية أوروبية (موحدة تماما مع المفوضية)، وتوسيع الميزانية على مستوى الاتحاد الأوروبي.
وتناول ماكرون في خطاب ألقاه في السوربون قضايا الدفاع والأمن، والانقسامات السياسية في أوروبا، داعيا إلى إصلاح منطقة اليورو. لكنه لم يفصح عن أمور كثيرة. وتمشيا مع دوره كزعيم وطني، كان له وجهة نظر حكومية، وليست مجتمعية.
ومع ذلك، كان من الواضح أن الخطابان كانا يهدفان إلى وضع إطار للنقاش السياسي الجاري حاليا في ألمانيا، حيث تحاول المستشارة الألمانية المسيحية أنجيلا ميركل تشكيل حكومة ائتلافية جديدة. وكان العديد من المراقبين يأملون أن تفتح الانتخابات الفدرالية الأخيرة في ألمانيا «فرصة سانحة» للإصلاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي. لكن يبدو أن ذلك لم يعد ممكنا.
إن مصير أي برنامج للاتحاد الأوروبي - سواء لجونكر أو لماكرون - في يد ميركل، التي من غير المرجح أن تتخذ أي خطوات سياسية كبيرة. في الواقع، فإن العمل الجريء مثل الذي اقترحه جونكر وماكرون لن يكون غير معهود لميركل فحسب، بل سيتطلب منها أيضا استثمار كل ما تبقى من رأس مالها السياسي.
وطوال حياتها المهنية، كانت ميركل دائما تتصرف بشكل معقول، كما لو كان هدفها الرئيسي هو إعادة انتخابها. ولأن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي يفضل الهيمنة على الحكومة - وإذا كان ذلك ممكنا، الحكم من دون شركاء التحالف - فقد سعى دائما للفوز بالأغلبية من خلال جذب الناخبين الألمان في منتصف الطيف السياسي.
ميركل لديها شعور قوي عن مكان الوسط، وكيف ومتى قد يتحول. وبالتالي، فإنها كثيرا ما تتبنى أفكار منافسيها. وأثناء ولايتها، حددت الحد الأدنى للأجور، وخفضت سن التقاعد إلى 63 عاما (بالنسبة للذين لديهم 45 سنة من الأقدمية).
وكما أوضح الخبير الاقتصادي الأمريكي هارولد هوتيلينج في العام 1929، فإن أولئك المتنافسين من أجل الوسط لديهم «ميل لا مبرر له... لتقليد بعضهم البعض». وبالتالي، فإن الاتحاد الديمقراطي المسيحي ومنافسه الرئيسي، الحزب الديمقراطي الاشتراكي، أصبحا متشابهان على نحو متزايد. ونتيجة لذلك، اضطرت الأحزاب الأصغر حجما التي تسعى إلى موطئ قدم في الانتخابات إلى استهداف الأقليات السياسية، التي كان لدى الكثير منها تفضيلات ومعتقدات قوية.
أما الديمقراطيون الأحرار، فهم ليبراليون بمعنى أوروبي، ولكنهم يشعرون بالإحباط أيضا بسبب الشعور بالضيق في منطقة اليورو. ويعارض الحزب الديمقراطي الحر بشدة أي ترتيب نقل الأموال الألمانية للدول الأعضاء ضعيفة الأداء.
وخلال الحملة، امتنع الحزب الديمقراطي الحر عن تزويد الاتحاد الأوروبي بقدرة مالية تحت أي ظرف. ومن شأن اقتراحين آخرين من الحزب الديمقراطي الحر - آلية لإعادة هيكلة الديون السيادية، وإجبار الدائنين على تحمل المسؤولية عن قراراتهم، والانسحاب المؤقت من العملة الموحدة للدول الأعضاء المثقلة بالديون - أن يزيد من تعقيد الأمور بالنسبة إلى الإصلاحيين في منطقة اليورو.
وتلقى أفكار الحزب الديمقراطي الحر دعما واسعا في ألمانيا وفي أوساط الاقتصاديين الألمان (ويتقاسمها عدد من الاقتصاديين الأوروبيين الآخرين). وهي تتفق مع المواقف التي اتخذتها وزارة المالية الألمانية في ظل الحكومة السابقة. ولكن السياسات التي قد تعمل في عالم مثالي من الأسواق المالية الفعالة والمرنة يمكن أن تكون خطيرة إذا ما طبقت في أسواق العالم الحقيقي الغير مثالي.
إن فكرة الخروج المؤقت من اليورو غير صائبة. وإذا تم إضفاء الصفة الرسمية على هذا الخيار، فإن الأسواق ستحدد سعره، وستدفع الدول الأعضاء التي ليست لها أسواق رأس المال الكبيرة زيادة. وستكون أسعار الفائدة أعلى هيكليا. وفي ظل ظروف متقلبة، ستصبح عرضة لمواجهة المستثمرين المؤسساتيين المتقلبين، الحذرين من تقلب خطوط الائتمان الخاصة بهم.
وقد شن الحزب الديمقراطي حملة على خيار المغادرة، كما لن يرغب قادته، الذين خرجوا من البرلمان لمدة أربع سنوات، في المخاطرة بمصداقيتهم من خلال التراجع عن ذلك الآن. وإلى جانب ذلك، فإن بعض النواب في الحزب الديمقراطي المسيحي، وكثيرين في حزبها الشقيق البافاري، الاتحاد المسيحي الاجتماعي، يتعاطفون مع مواقف الحزب الديمقراطي الحر.

ولا يزال التشكيل الفعلي لميزانية منطقة اليورو في المستقبل - وأنواع النفقات التي سيشملها - غير واضح تماما. نفس الشيء بالنسبة لعملية إبقاء وزير مالية منطقة اليورو خاضعا للمساءلة وكذا ضمان شرعيته الديمقراطية. وليس من الواضح أيضا مدى خسارة السيادة الوطنية، باسم القدرة المالية المشتركة.

وسيتطلب الإجابة هذه على الأسئلة مستوى عال من الريادة السياسية على عكس ما تُظهره ميركل. للانضمام إلى مشروع ماكرون الأوروبي، سيكون عليها أن تلعب دورا جديدا وتُعرض نفسها لمخاطر سياسية كبيرة. ويتعين على ألمانيا أن تأخذ زمام المبادرة: بدلا من رفض المقترحات، يتعين عليها تقديم مقترحاتها.
ولا يمكن توقع مثل هذا السلوك من قبل الحكومة التي، بسبب متوسط الناخبين الألمان، تعمل بشكل آمن. وقد شهد المركز السياسي الألماني مؤخرا تحولا ملحوظا، في اتجاه مختلف عن رؤية جونكر وماكرون. ونتيجة لذلك، من المرجح أن يظل التصميم المؤسسي لمنطقة اليورو غير متكامل.

عضو سابق في المجلس التنفيذي لبنك دويتشه الألماني