موسكو و«الباب الموارب» في اليمن

مقالات رأي و تحليلات الخميس ١٢/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٤:١٥ ص
موسكو و«الباب الموارب» في اليمن

علي ناجي الرعوي

لا يختلف اثنان على أن روسيا استطاعت خلال عامين من التدخل العسكري في سوريا تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي سمحت لها بفرض ذاتها كفاعل قوى في معادلة الصراع السوري، والأخذ بزمام المبادرة لطرح رؤيتها للحل لذلك الصراع وهو الحل الذي جاء مخالفاً لتوقعات الكثير من الأفرقاء والقوى المنخرطة في الصراع عوضاً عن ذلك فقد أمكن لروسيا أن تصبح لاعباً محورياً في صوغ السياسة الدولية إزاء ما يتعلق بمستقبل المشرق العربي أو في ما يخص خارطة التسويات للأزمات المشتعلة في الساحات الإقليمية وأبعد من ذلك فإن ما رسمته روسيا ضمن تلك الأهداف هو من سينعكس بنتائجه على الدور والمكانة وحجم النفوذ الروسي المستقبلي في هذه المنطقة.

وعلى خلفية الدور المحترف الذي لعبته روسيا بصبر وهدوء لافتين في سوريا فقد اعتقد البعض في اليمن أن نجاح روسيا في امتصاص الوجبة الأولى سيحفزها على التحرك والانقضاض على الوجبة الثانية عبر الاستدارة نحو المياه الدافئة في البحر العربي وخليج عدن والبحر الأحمر خصوصاً وأن روسيا تعرف هذه المنطقة جيداً، وتعرف اليمن أكثر من غيرها فقد وقع الاتحاد السوفيتي مع اليمن في العام 1928 اتفاقا حمل اسم اتفاق التجارة والصداقة حيث كان هم الاتحاد السوفيتي وقتذاك محصوراً في أن يكون حاضراً في اليمن نظراً لموقعه الجغرافي الاستراتيجي من جهة ودور ميناء عدن الذي كان يسيطر عليه البريطانيون في مجال التجارة العالمي من جهة أخرى حيث كانت العين السوفياتية على هذا الميناء مركزة بدقة سيما بعد الانسحاب البريطاني من عدن واستقلال اليمن الجنوبي في نوفمبر 1967، إذ لم يتأخر الأمر طويلا فقد سيطر الاتحاد السوفيتي على ذلك الميناء ابتداء من العام 1972 حين اتجهت الجمهورية الوليدة في اليمن الجنوبي للانضمام للدول التي تدور في الفلك الاشتراكي.

قد يكون من باب المصادفة أن تلتقي تلك الرهانات على التدخل الروسي في اليمن مع تجاذب طرفي الصراع (الحكومة– وتحالف صنعاء) حول ذلك الدور ومحاولة كل منهما استمالة موسكو إلى جانبه وعلى خط موازٍ فقد خرج العديد من السياسيين الذين يرون أن هناك نوايا روسية لاستعادة دورها في اليمن وأن ذلك قد يدفعها لأن تنير الأضواء الحمراء والسير نحو استخدام المبرر نفسه الذي جعلت منه غطاء لتدخلها العسكري في سوريا، وهو التصدي للإرهاب ومثل هذا الطرح قد يكون مقنعاً للكثيرين، وبالذات الذين طالما استمعوا لموسكو وهي من تتحدث في وسائل إعلامها عن الترابط الوثيق بين الحربين في سوريا واليمن وعن أن القوى الإقليمية التي تتخندق وراء جبهتي القتال هنا وهناك هي ذاتها تقريبا أو اولئك الذين كثيراً ما أغرتهم تصريحات الكرملين التي يحاول أن يظهر فيها وكأنه من يتحفظ على الحرب في اليمن لكونها من قد تحول هذا البلد إلى دولة فاشلة تتغلغل في فراغاتها التنظيمات الإرهابية.
ما نعلمه جيداً من معطيات الاحداث التي شهدها اليمن ان موسكو لم تكن في وارد الدخول في مواجهة مع تحالف (عاصفة الحزم) وأن مواجهة كهذه ليست جزءا من اجندات صانع القرار في هذه الدولة العظمى ولا ضمن خطته ومع ذلك فإن هذا لا ينفي حقيقة أن روسيا ظلت تتمنى أن يتورط خصومها بالمنطقة في المستنقع اليمني، ولعل هذا ما يفسره عدم ممانعة موسكو على صدور القرار الأممي 2216 الذي سهل من مهمة تدخل دول التحالف العربي عسكريا في اليمن لعلمها بتعقيدات الوضع اليمني الأمر الذي قد يدفع بتلك الدول مضطرة لطلب تدخل روسيا بوصفها الدولة الوحيدة القادرة على التأثير على كل الاطراف المحلية وإيجاد توازن بين القوى الاقليمية المتصارعة على النفوذ في المنطقة وهذا ما شجع روسيا الى حد كبير الى ممارسة سياسة (الباب الموارب) في تعاطيها مع مجريات الصراع في اليمن.
على ما يبدو فإن سياسة (الباب الموارب) قد وجدت فيها روسيا الأسلوب الأمثل للتعامل مع تناقضات الإقليم وتوتراته والتي تنقسم فيها مواقف الدول الى ثلاثة مستويات لتؤكد من خلال ذلك على أن السياسة الأمريكية التي ظلت تتحكم بمسارات الأوضاع في هذه المنطقة هي سياسة مصلحية متناقضة وفاقدة لثبات في مواقفها ولا يمكن معالجة الوضع القائم في اليمن التي تتجاذبه رؤى متنافسة إلا إذا ربطناه بحل جذري كل المشكلات والأزمات المستعرة في المنطقة حتى يتسنى لها توظيف هذا الوضع المرتبك بما يخدم مصالحها وسياساتها، وبالنظر إلى كل هذه المعطيات فإن موقف الحكومة الروسية مما يجري في اليمن استمر مثار جدل ولغط على الصعيدين السياسيى والإعلامي ويمكن استشراف هذا الموقف من حالة الازدواجية التي عادة ما تبرز في تصريحات الدبلوماسيين الروس والتي تظهر متذبذبة بين تأييد السلطة الشرعية وبين الابقاء على العلاقة مفتوحة مع خصوم تلك الشرعية الى درجة يصعب معها تحديد الى أي جانب تقف موسكو من طرفي النزاع.
لا يمكننا التنبؤ بما ستقوم به روسيا باليمن لكن الواضح تماما أن مفتاح هذا اللغز هو في مصالح روسيا القومية والتي لم تتغير منذ أن قال عنها تشرشل العام 1939 من أنها تحركها دوافع ملفوفة بالغموض وليس هناك اشد غموضا من سياسة (الباب الموارب) التي يتراجع أمامها أي حدس التكهنات.

كاتب يمني