تأمين أراضي الفلاحين

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٨ ص
تأمين أراضي الفلاحين

فرانك بيشل

في وقت فائت من هذا الشهر، حَذَّرَت رئيسة ليبيريا الحائزة على جائزة نوبل للسلام إلين جونسون سيرليف من أن أفريقيا لن تتخلص من الفقر والجوع والمجاعة حتى توفر الحكومات للمزارعين من أصحاب الحيازات الصغيرة الحقوق الآمنة في الأرض. وكانت تتحدث من خبراتها الشخصية والسياسية.
تُعَد سيرليف ودولتها الصغيرة في غرب أفريقيا مثالا ممتازا للخسائر الثقيلة التي يتحملها الأفراد والمجتمعات والدول نتيجة لحقوق الأرض غير الآمنة. وكانت المنازعات حول ملكية الأراضي من الدوافع الأساسية التي أشعلت شرارة الحرب الأهلية الدموية التي ابتليت بها ليبيريا طوال أربعة عشر عاما. وتستمر المطالبات المتداخلة بالأراضي في إثارة الصراع وعرقلة الاستثمار الأجنبي. وحتى الرئيسة ليست محصنة ضد ضعف قوانين حيازة الأراضي؛ فقد استولى واضعو اليد على الأراضي على قطعة أرض مساحتها أربعة أفدنة اشترتها سيرليف في العام 1979، ورفضوا الخروج منها لسنوات.
وبوسعنا أن نسمع قصصا كهذه في مختلف أنحاء القارة. فوفقا للبنك الدولي، أكثر من 90% من الأراضي الريفية في أفريقيا غير موثقة بالتسجيل. والواقع أن أجهزة إدارة الأراضي المتداخلة المتضاربة هي القاعدة، في ظل سجلات الأراضي غير المتيسرة، أو العتيقة، أو المنقوصة، أو غير الدقيقة، أو التي لا وجود لها على الإطلاق. ولكن في حين تتكبد الحكومات الأفريقية بدون أدنى شك خسائر بالملايين من الاستثمار الأجنبي بسبب اختلال الأجهزة القائمة على تنظيم حيازة الأراضي، فإن المزارعين الأفارقة هم الأكثر عُرضة للضرر المباشر.
يواجه مزارعو الأسر الصغيرة في أفريقيا ــ وهم بالفعل مثقلون بأعباء ناجمة عن تدهور التربة، وتغير المناخ، والمنافسة على الموارد التي تتفاقم حِدتها بفعل التزايد السكاني السريع ــ عقبة بيروقراطية أشد صعوبة: فهم لا يملكون أي ورقة تثبت ملكيتهم للأرض التي يعتبرونها بيتهم. وفي ظل ارتيابهم في قدرتهم على السيطرة على مزارعهم في الموسم المقبل، تتقلص آفاق تخطيطهم للمستقبل. وبدلا من الاستثمار في حقول مدرجة، وزرع الأشجار، وشراء أسمدة عالية الجودة، يسعى مزارعو أفريقيا إلى تعظيم أرابحهم في الأمد القريب. ويصدق هذا بشكل خاص على المزارعات الإناث، اللاتي يواجهن عقبة إضافية متمثلة في قوانين الأراضي والعادات التمييزية.
تُظهِر الدراسات أنه لا توجد وسيلة للحد من الفقر، أو تحسين التغذية، أو تحقيق أهداف التنمية الأساسية الأخرى، من دون تعزيز حقوق الأراضي، وخاصة بالنسبة للنساء. فتأمين الحقوق في الأرض شرط أساسي للتنمية ببساطة.
في تنزانيا، تكسب النساء اللاتي يتمتعن بحقوق آمنة في الأرض ثلاثة أضعاف ما تكسبه نظيراتها اللاتي لا يملكن أرضا. وفي نيبال سنجد أن الأطفال الذين تتمتع أمهاتهم بحقوق آمنة في الأرض فرصتهم أكبر بنحو 33% للحصول على تغذية جيدة. وفي زامبيا، في المناطق حيث حقوق النساء في الأرض ضعيفة وحيث معدلات الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية مرتفعة، تكون فرصة النساء في الاستثمار لتحسين الحصاد أقل ــ حتى عندما لا يكون أزواجهن مصابين بفيروس نقص المناعة البشرية. وربما يجري إجبار النساء اللاتي يعشن مثل هذه الظروف على الخروج من أراضيهن إذا ترملن، ومثل هذا التوقع يؤدي إلى إضعاف الاستثمار في المزارع، مما يؤثر على الحصاد وتغذية الأسر لسنوات.
ولأن هناك نحو 400 مليون أنثى مزارعة، فإن مثل هذا الكشف يشير إلى التكاليف العالمية المرتفعة ــ قياسا على الإنتاجية المهدرة والإمكانات الاقتصادية غير المحققة ــ الناجمة عن حقوق الأرض غير الآمنة للنساء.
وفي أفريقيا، تتجلى بوضوح علامات حقوق الأرض غير الآمنة حرفيا. ففي بعض المناطق، أرغم سوء حفظ السجلات والبنية الإدارية الضعيفة ملاك الأراضي على نشر إشعارات في حقولهم أو على مساكنهم، لتحذير المشترين المحتملين من أنهم ربما يُحتال عليهم لشراء قطع أرض من أشخاص ليسوا هم أصحابها الشرعيين. وفي العديد من الدول، لا توجد ببساطة أي وسيلة لمعرفة من يملك أي قطعة من الأملاك.
تتمكن المجتمعات التي تتمتع بسيطرة قانونية واضحة على الأرض من إدارة هذه الموارد على نحو أكثر انضباطا مقارنة بتلك التي تعاني من ضعف قوانين الحيازة. ويصدق نفس الأمر على الأفراد. ففي غانا سنجد أن المزارعين الذين يتمتعون بحقوق قوية في الأرض ترتفع احتمالات قيامهم بزرع الأشجار إلى 39% مقارنة بغيرهم. والمزارعون في إثيوبيا أكثر ميلا بنسبة 60% إلى الاستثمار في منع تآكل التربة عندما يملكون حقوق آمنة في أراضيهم.
ولكن على الرغم من وضوح الأدلة، فإن ما يقرب من مليار شخص في مختلف أنحاء العالم لا زالوا يفتقرون إلى الحقوق الآمنة في الأرض التي يعتمدون عليها لكسب معايشهم. وكما أظهرت حملة "أرض صلبة" التي نظمتها مؤسسة كاداستا ومنظمة موطن من أجل الإنسانية مؤخرا، في استطلاع جديد على الإنترنت، فإن أسباب عدم اليقين هذه تخلف عواقب بعيدة المدى. فحقوق الأرض الضعيفة قد تحد من قدرة المزارعين على الوصول إلى تأمين المحاصيل، مما يجعل من الصعب تسجيل أطفالهم في المدارس، وربما يساهم ذلك حتى في ارتفاع معدلات الانتحار.
في الوقت الحالي، يدرس مجلس الشيوخ في ليبيريا تشريعا من شأنه أن يعزز بشكل كبير حقوق ملكية الأراضي لصالح المزارعين، بما في ذلك الإناث المزارعات. وقد فعلت نفس الشيء، أو تخطط للقيام به، دول عديدة أخرى في أفريقيا (وأبرزها رواندا وزامبيا) وفي آسيا (بما في ذلك ميانمار والهند). وينبغي لهذه الجهود أن تحظى بالدعم، ولابد من التعجيل بها وتكرارها.
بيد أن الناس لا ينتظرون حتى يتحرك قادتهم. وقد ظهرت بالفعل تكنولوجيات مبدعة ترسم المسار إلى الأمام في المجتمعات في الدول حيث الحكومات غير راغبة أو عاجزة. فبفضل تقدم أنظمة تحديد المواقع، والطائرات بدون طيار، والحوسبة السحابية تحظى المجتمعات بالقدرة على تسجيل الأراضي ــ في ظل الدعم، أو في غياب الدعم، المتمثل في الاعتراف الرسمي. فبالتعاون مع مؤسسة كاداستا، تستخدم المجتمعات من نيجيريا إلى الهند أجهزة محمولة يدويا لرسم حدود الملكيات ودعم مطالبات الأراضي بأدلة قوية، وهو ما يسمح بالتالي بتعزيز الحيازة تدريجيا.
الواقع أن المحاولة التي تبذلها ليبيريا لقيادة عملية إصلاح حقوق الأراضي على نطاق القارة بالكامل موضع ترحيب؛ ويدرك الزعماء من أمثال سيرليف بوضوح التحديات التي تصاحب ضعف القوانين المنظمة لحيازة الأراضي. ولكن التغييرات البنيوية سوف تستغرق بعض الوقت. وفي غياب التدخل الحكومي الأكثر حزما، يتعين على المجتمعات والأفراد أن يعملوا على دفع عجلة الجهود التقليدية وإكمال الفراغات على الخريطة.

كبير مسؤولي البرامج والمشارك المؤسس لمؤسسة كاداستا.