خطوات التعايش في ميانمار

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٤:٠٨ ص
خطوات التعايش في ميانمار

راميش ثاكور

أضرت الأزمة الإنسانية التي حلت بأقلية الروهينجا في ميانمار بالاستقرار السياسي للدولة، وحطمت صورتها كبلد يتحرك صوب الديمقراطية. كما لطخت سمعة زعيمة الحكومة (بحكم الأمر الواقع) أونج سان سو تشي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وشككت في مؤهلات وكفاءات إدارة الأزمة لدى كل من رابطة دول جنوب شرق آسيا (الآسيان) والأمم المتحدة، وأثارت السخرية من المؤسسات الدولية المعنية بمنع النزاعات.
لكن رغم كل هذه الظروف التي تنذر بالأسوأ، لا يزال الحل ممكنا، وإن كان تحقيقه يستوجب الإسراع باتخاذ خمس خطوات دون تأجيل.
أولا وقبل كل شيء، يجب وقف عمليات القتل والأعمال الوحشية، وهو أمر صعب بقدر ما هو ضروري. فلقد تورط جيش ميانمار في حملة متواصلة من التطهير العرقي هدفها الرئيس طرد الروهينجا من البلاد. ورغم استحالة إصلاح ما وقع من أضرار، يمكن، بل وينبغي، وقف سفك دماء جديدة أو أعمال طرد أخرى موجهة.
لكن لكي يحدث هذا، يجب كذلك كبح المتطرفين الروهنجيين. فعلى عكس الرواية السائدة في الغرب، جرى استفزاز جيش ميانمار بعد أن شن المتمردون سلسلة من الهجمات على مواقع للشرطة والجيش في أغسطس الفائت. واستغل جيش إنقاذ الروهينجا في أراكان (أرسا) تاريخا من الصدامات المسلحة بين البوذيين والمسلمين في ولاية راخين ليتولى قيادة حملة متزايدة العنف.
تكمن المشكلة بالطبع في الاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب الجيش، الذي رد على ضربات جيش إنقاذ الروهينجا بإطلاق حملة شعواء لحرق الأخضر واليابس أسفرت عن مقتل ما يصل إلى ثلاثة آلاف شخص. كما أحرق الجنود قرى بأكملها للروهينجا، وتورطوا في اعتداءات جنسية، ودمروا المساجد، وتسببوا في نزوح جماعي. ويصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين ما يجري في ميانمار بأنه "نموذج كلاسيكي لتطهير عرقي"، بينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس الأزمة "بالكارثية".
في الوقت ذاته، أخفقت سو تشي في ممارسة أي سلطة معنوية، بل بدت وكأنها تبرر وتدافع عن ما يجري عندما أصرت على أن "جبل جليدي ضخم من المعلومات المضللة يروج لمصلحة الإرهابيين". وهي بالطبع محصورة بين جيش مستقل يحتفظ بالسيطرة الكاملة على الخدمات الأمنية في البلاد، وسكان غالبيتهم من البوذيين تتملكهم مشاعر متجذرة من التعصب والتحيز. إلا أن ورطة كهذه لا تبرر فشلها في إدانة ما يحدث أمام ناظريها.
لكن لا شك أن حكومة سو تشي تشعر بالاستياء من البيانات المثالية، غير الحيادية في نفس الوقت، التي يصدرها غالبا زعماء غربيون وممثلون للأمم المتحدة، ومبعث ذلك الاستياء احتفاظ متطرفي الروهينجا بصلات راسخة مع متطرفين من الخارج، من بينهم إرهابيون في تنظيم داعش. ومما يعقد موقف الجيش ما ذكرته مجموعة الأزمة الدولية من أن جيش إنقاذ الروهينجا يأتمر بأمر متطرفين يقيمون في إحدى بلدان الشرق الأوسط ويتمتعون بخبرات واسعة في حرب العصابات. وقليلون في الغرب يدركون التحديات التي يواجهها صناع القرار في الدول النامية التي تحارب التطرف من جانب المتمردين والإرهابيين.
هذه التحديات على وجه التحديد هي ما صعّبت على ميانمار كسر دائرة العنف، حتى أن بنجلاديش والهند رفضتا إعادة توطين لاجئي الروهينجا بصورة دائمة لخشيتهما في المقام الأول من أن يكون بين هؤلاء اللاجئين متطرفون. ورصدت وكالات الاستخبارات الهندية صلات بين جيش إنقاذ الروهينجا وجماعة عسكر طيبة الباكستانية. بالمثل، دعمت حكومة الصين جهود ميانمار لحماية أمنها القومي، كما تستثمر الصين 7.3 بليون دولار في مشروع ميناء جديد في راخين كجزء من مبادرة الحزام والطريق، مما قد يدفع الصين لاعتراض أي محاولة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة ميانمار على أفعالها.
هذه الشبكة المتداخلة والمعقدة من المصالح، مع فشل الحكومة أيضا، تعني أن مسؤولية حماية كل شعب ميانمار تقع على عاتق رابطة الآسيان أو الأمم المتحدة.
وبمجرد أن تتوقف الأعمال العدائية، ستكون الخطوة الثانية نحو ضمان سلام طويل الأجل إعادة اللاجئين إلى أوطانهم، الأمر الذي قد يكون بمثابة كابوس لوجيستي. فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة، عبر نحو 700 ألف من لاجئي الروهينجا إلى بنجلاديش في نهاية سبتمبر، مع وصول أكثر من نصفهم منذ أواخر أغسطس. وقد قام جيش ميانمار بزرع الألغام على الحدود مع بنجلاديش لمنع اللاجئين من العودة.
وبناء على افتراض إمكانية معالجة قضيتي العنف واللاجئين، يجب على ميانمار السماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى المناطق المضارة. وتعد رابطة الآسيان، التي أظهرت قدراتها وإمكانياتها في أعقاب إعصار نارجيس العام 2008، في وضع جيد للمبادرة إلى تشكيل استجابة إقليمية، كما يمكنها أيضا التنسيق مع الأمم المتحدة بشأن إدارة أطقم الطوارئ.
أما الخطوة الرابعة فهي محاكمة كل من ساعد على وقوع الأعمال الوحشية، إذ يجب على حكومة ميانمار أن تتولى هذا الأمر ــ أو أن تسمح لرابطة الآسيان أو الأمم المتحدة للقيام بذلك نيابة عنها ــ وذلك بفتح تحقيق مستقل وعادل في عمليات القتل وتحديد مرتكبيها وتقديمهم لمحاكمة تتسم بالشفافية والمصداقية. فإذا لم يمكن تنفيذ ذلك من خلال السلطات المحلية، تجب إحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية.
أخيرا، يجب على الحكومة التي تقودها سو تسي إلغاء أو تعديل كل القوانين التمييزية وإنهاء التمييز الرسمي من جانب الدولة ضد الروهينجا، التي تعد واحدة من أكبر المجموعات العرقية المشردة في العالم، حيث يبلغ عدد أعضائها 1.1 مليون شخص. وقد جاء معظمهم إلى ميانمار كجزء من توسع الإمبراطورية البريطانية، بعد هزيمة ملك بورما في العام 1826، لكن لا زالوا يعتبرون مهاجرين بنغال غير شرعيين. ولم يعترف قانون الجنسية الصادر العام 1982 بالروهينجا كواحدة من 135 مجموعة عرقية تنتشر في البلاد، كما أن إمكانية حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف محدودة للغاية، ناهيك عن القيود المفروضة على حرية حركتهم.
لا يزال التحول الديمقراطي في ميانمار هشا، في حين تتنافس قضايا مثل العلاقات المدنية العسكرية، والفقر، والنمو الاقتصادي، والحوكمة على انتزاع الاهتمام. لكن يجب أن تُعطى الأولوية لوقف الأعمال العدائية وحل أزمة الروهينجا. ويرسم التقرير الذي أصدرته اللجنة الاستشارية حول راخين، التي يرأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، في أغسطس الفائت طريقا محتملا للمضي قدما وتجاوز هذا الوضع.
لن تداوي هذه الخطوات الخمس كل جرح أو تضع نهاية لكل مَظلمة، لكنها يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة بالحيلولة دون وقوع المزيد من الأعمال الوحشية، وردع التطرف العنيف، وتحسين أمن الحدود. فربما كانت هذه أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحالي.

مساعد سابق لأمين عام الأمم المتحدة، ويشغل حاليا منصب مدير مركز منع الانتشار النووي ونزع السلاح التابع للجامعة الوطنية الأسترالية.