من يبيع الحسد ويشتري المنافسة؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٢٣ ص
من يبيع الحسد 

ويشتري المنافسة؟

محمود سعيد العوفي

لا يخلو أي مجتمع من آفة الغيرة والحسد، وثمة أسباب كثيرة لممارستها في أماكن العمل بين الموظفين، إلى درجة يصعب التعامل معها بعض الأحيان، لكونها سمة من سمات الغرائز الراسخة في النفس البشرية، وقد تكون مثمرة وتزيد من إنتاجية العمل عندما تتحوّل إلى فكرة المنافسة الشريفة البعيدة عن الأهواء الإنسانية، لكنها في المقابل يمكن أن تنقلب أيضاً إلى شبح يلقي بظلاله الكئيبة على بيئة العمل، حيث يكثر في المواقع العملية وخارج نطاق العمل بعض من البشر الحاسدين «أعداء النجاح» همّهم الشاغل تشويه سمعة الناجحين، والتي تعدّ ضريبة النجاح السلبية، وللأسف هناك العديد من الذين يريدون التقدم بسرعة وعلى حساب الغير، أما من يضع لنفسه خطة ثابتة وواضحة يتقدم في عمله ولا يكترث من هؤلاء المحبطين الحاقدين فهو يمضي إلى الطريق الصحيح.

وتتولد الغيرة السلبية في العمل نتيجة عدم ثقة الأفراد بأنفسهم وقدراتهم، وهناك دائماً أشخاص يتمتعون بالنشاط والذكاء أكثر من آخرين ويرتقون في مراكز العمل أسرع من غيرهم، ما يثير حفيظة زملائهم، فينتج من ذلك الحاقد والحاسد خاصة لدى الذين تكون نفسياتهم غير نقية من الأساس، وبالتالي تتمزق وحدة الصف، وتشتت الجهود وتنتج البغضاء والشحناء بين الزملاء، وإذا تفاقمت تتحوّل إلى مرض خطير يصعب علاجه، وبالتالي تتضرر مصلحة العمل، ويقوض الإبداع والارتقاء؛ لأن الغيرة تختلط بالرغبة في التقليل من قيمة أعمال الآخرين والسعي نحو إفشالها بشكل غير أخلاقي.

أما إذا أخذت المنافسة شكل الغيرة الإيجابية فتلقي بثمارها على إنتاجية المؤسسة، ومما لا شك فيه هناك الموظف الغيور في عمله، الصادق في مشاعره، الذي لا يرضى بالكسل والتهرّب من العمل ولا يقبل أن يستغل أحد موارد مؤسسته، ويحب أن تكون ضمن المؤسسات المرموقة والمتطورة، وهذا النوع من البشر تتقدم بهم مؤسساتهم وتسمو بهممهم النجاحات.
ومن علامات الغيرة والحسد كذلك تجد بعض الموظفين يتخصص بالتدخل في شؤون الآخرين ويحاول معرفة أخبارهم الخاصة والعامة، ثم يتطوع بنشرها، ويخسر بذلك كل صديق، ويكتسب عداوة الجميع، وهناك أيضاً مَن يدّعي معرفة كل صغيرة وكبيرة عن الحياة، وفي الجانب الآخر هناك أشخاص أيضاً يرهقون زملاءهم في جدال ومستعدون دائماً للدخول في مباحثات معهم مهما كان الثمن، وهذا بلا شك نتاج ذلك الأمر والتسلق على أكتاف الآخرين، قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾ «النساء: 54»، وقال أيضاً في كتابه العزيز: ﴿وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ﴾ «الفلق: 5».
إن الحسد والغيرة موجودان منذ نشأة الكون، وهما يؤذيان صاحبهما قبل أن يؤذيا الآخرين؛ نظراً للانشغال بالمكيدة والإيقاع بالطرف الآخر، وتصيّد العثرات والأخطاء، فيبقى الأداء والعطاء ضعيفاً في العمل، فالإنسان السوي هو الذي يستفيد من الآخرين ويطوّر من نفسه ويرتقي بمستواه المهني، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: «إياكم والحسد: فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب». رواه أبو داود. وعلى الفرد منا أن يتحلى بالحكمة في التعامل مع مرضى الغيرة أو مع الغيرة القاتلة من خلال عدم إثارة الحساسيات والتعامل مع الآخرين باحترام وحذر شديدين، وهذا لا يدل على استسلام أو ضعف، بل يعكس الصورة الراقية والمتحضرة في التفكير.
ختاماً إن الموظف الناجح سواء كان مديراً أو مسؤولاً يعمل ويتقدم بخطوات ثابتة رافعاً رأسه بشموخ، ولا تعتريه محاولة تشويه سمعته بل يظل صامداً بنجاحه وتميّزه وفكره، ويكون مضرب مثال لجميع الموظفين والموظفات الناجحين في عملهم، ما ينعكس على الأداء في العمل والرغبة في تطوير الذات التي تؤثر إيجاباً على زيادة الإنتاجية ونمو المؤسسة أو الشركة.. وقال عز وجل في كتابه الحكيم: (وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) «التوبة: 105».