اقتصاد الشعوذة مرة أخرى

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١١/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٢٢ ص
اقتصاد الشعوذة مرة أخرى

جوزيف ستيجليتز

بعد فشل «إلغاء وإبدال» قانون الرعاية الميسرة لعام 2010 (أوباما كير)، انتقلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأغلبية الجمهورية في الكونجرس الآن إلى الإصلاح الضريبي. بعد ثمانية أشهر من تسلمها السلطة، لم تتمكن الإدارة من تقديم أي شيء غير الخطوط العريضة لما تعتزم القيام به. ولكن ما نعرفه كاف لكي يجعلنا نشعر بقدر شديد من الانزعاج.

ينبغي للسياسة الضريبية أن تعكس قيم أي دولة وتعالج مشاكلها. واليوم، تواجه الولايات المتحدة -وقسم كبير من العالَم- أربع مشاكل رئيسية: فجوة التفاوت متزايدة الاتساع، وانعدام الأمان الوظيفي المتزايد، وتغيّر المناخ، ونمو الإنتاجية الهزيل. وتواجه أمريكا فضلاً عن ذلك الحاجة إلى إعادة تشييد بنيتها الأساسية المتدهورة وتعزيز نظام التعليم الابتدائي والثانوي ضعيف الأداء.

ولكن ما يقدّمه ترامب والجمهوريون في الاستجابة لهذه التحديات هو خطة ضريبية تقدم الحصة الأعظم من الفوائد ليس للطبقة المتوسطة -التي تستطيع نسبة كبيرة منها أن تدفع في واقع الأمر معدلات ضريبية أكبر- بل لأصحاب الملايين والبلايين في أمريكا. وإذا كان التفاوت يمثل مشكلة من قبل، فإن إقرار الإصلاح الضريبي الذي يقترحه الجمهوريون من شأنه أن يجعل وطأة التفاوت أشد كثيراً.
ستكون الشركات وأهل المال والأعمال بين كبار المستفيدين، وهو الانحياز المبرر على أساس أن هذا من شأنه أن يحفّز الاقتصاد. ولكن الجمهوريين، بين كل الناس، ينبغي لهم أن يفهموا أن الحوافز مهمة: فمن الأفضل كثيراً خفض الضرائب المفروضة على الشركات التي تستثمر وتُوجِد فرص العمل في أمريكا، وزيادة الضرائب على تلك التي لا تفعل.
ففي نهاية المطاف، ليس الأمر وكأن الشركات الكبيرة في أمريكا تتضور جوعاً بسبب نقص الأموال النقدية، فهي تجلس في حقيقة الأمر على بضعة تريليونات من الدولارات. ولا يرجع نقص الاستثمار إلى أن الأرباح، سواء قبل أو بعد خصم الضريبة، منخفضة للغاية، بل إن الأرباح بعد خصم الضريبة تضاعفت كحصة من الناتج المحلي الإجمالي إلى ثلاثة أمثالها تقريباً في السنوات الثلاثين الفائتة.
ومع تمويل الاستثمار المتزايد عن طريق الاستدانة إلى حد كبير، وإمكانية خصم أقساط الفائدة من الضريبة، فإن ضريبة الشركات تعمل على تقليل تكلفة رأس المال والعائدات على الاستثمار في المقابل.
في حين انتقد ترامب عندما كان مرشحاً نمو الدين الوطني الأمريكي، فإنه يقترح الآن تخفيضات ضريبية من شأنها أن تضيف إلى الدين تريليونات من الدولارات في غضون السنوات العشر المقبلة فقط -وليس فقط مبلغ 1.5 تريليون دولار الذي يزعم الجمهوريون أنه سيضاف بفضل معجزة نمو تؤدي إلى تحصيل المزيد من الإيرادات الضريبية. ومع ذلك، لم يتغيّر الدرس الرئيسي المستفاد من اقتصاد جانب العرض «المشعوذ» في عهد رونالد ريجان: فالتخفيضات الضريبية من هذا القبيل لا تؤدي إلى نمو أسرع، بل تقود فقط إلى انخفاض الإيرادات.
وهذه هي الحال بشكل خاص الآن، بعد أن انخفض معدل البطالة إلى ما يزيد قليلاً على 4 % فقط. وأي زيادة كبيرة في الطلب الكلي ستقابلها زيادة مماثلة في أسعار الفائدة. وعلى هذا فإن «المزيج الاقتصادي» للاقتصاد سيتحوّل بعيداً عن الاستثمار، سيتباطأ نموه، الهزيل بالفعل.
ووجود إطار بديل من شأنه أن يزيد من الإيرادات وأن يعزز النمو. وسيشمل ذلك إصلاحاً حقيقياً لضرائب الشركات، وإزالة الحيل التي تسمح لبعض الشركات الأكبر في العالم بسداد قدر ضئيل من الضرائب، وفي بعض الحالات أقل من 5 % من أرباحها، مما يعطيها ميزة غير عادلة في مقابل الشركات المحلية الأصغر حجماً. وسينشئ هذا الإطار البديل ضريبة الحد الأدنى لإزالة المعاملة الخاصة للمكاسب والأرباح الرأسمالية، مما يجبر أصحاب الثراء الفاحش على أن يدفعوا من دخلهم على الأقل نفس النسبة التي يدفعها المواطنون الآخرون كضريبة. كما ستقدم ضريبة الكربون، للمساعدة في التعجيل بعملية الانتقال إلى الاقتصاد الأخضر.
بوسعنا أن نتوقع من إدارة يغلب عليها أصحاب الثروات الفاحشة -ومعظمهم اكتسبوا ثرواتهم من أنشطة تقوم على جمع الريع، وليس روح المغامرة التجارية المنتجة- أن يحرصوا على مكافأة أنفسهم. ولكن الهدية التي يقدّمها الإصلاح الضريبي الذي يقترحه الجمهوريون للشركات وأصحاب الثراء الفاحش أكبر من كل التوقعات. فهو يتجنب الإصلاحات الضرورية ومن شأنه أن يترك للبلاد جبلاً من الديون، وسيستغرق علاج العواقب -انخفاض الاستثمار، وتوقف نمو الإنتاجية، واتساع فجوة التفاوت- عقوداً من الزمن.
تولى ترامب منصبه على «وعد بتجفيف المستنقع» في واشنطن العاصمة. لكن المستنقع تنامى بدلاً من ذلك وازداد عرضاً وعمقاً. وفي ظل الإصلاح الضريبي الذي يقترحه الجمهوريون، يهدد هذا المستنقع بابتلاع الاقتصاد الأمريكي.

حائز على جائزة نوبل في علوم الاقتصاد