أحمد المرشد
من عادة الكُتاب والصحفيين ألا يكتبوا الهدف من موضوعاتهم في بداية المقال، وإنما يؤخرون ذلك لنهايته حتى تكون الخاتمة بينّة وبها خلاصة الرسالة المنشودة، ولكني لن أتقيد بهذا النمط في مقالي هذا، لأن الموضوع خطير بما يستدعي معه ضرورة التفكير مليا في توفير فرص عمل للشباب الباحث عن العمل، وأنا لا أتحدث هنا عن دور الحكومة فقط وإنما عن دور الشباب أنفسهم وما يجب أن يفعلوه، لا سيما وأن طبيعة المشكلة ترتبط بأبعاد اقتصادية سياسية وثقافية واجتماعية ودينية، في ظل ما تشهده معظم المجتمعات العربية من عمليات إرهابية يقوم بها شباب تم التغرير به من قبل البعض للانضمام الى المنظمات الإرهابية في البداية ثم توريطهم في عمليات يعاقب عليها القانون، ولكن وبعد فوات الآوان يكتشف الجميع – الأسر والشباب – أن أولادهم كانوا ضحية لشياطين الظلام.
والمقصود بصورة سريعة قبل استعراض مشكلة الباحثين عن عمل في منطقة الخليج والعالم العربي ككل، سرعة ايجاد حلول فورية لهذه المعضلة. فالهدف واحد، خاصة وأن الأرقام التي تكشف عنها المنظمات المحلية والعربية والدولية مخيفة، وتنذر بالخطر ما لم يتم تدارك الموقف. فالحل إذا تحدثنا عن المنطقة الخليجية، يتطلب ضرورة انخراط الشباب الخليجي في العمل بالقطاع الخاص وعدم انتظار الوظيفة الحكومية، وثمة الكثير من فرص التدريب التي توفرها الحكومات للشباب لتأهيلهم في العمل بالقطاع الخاص أو المشاركة في هذا السوق باعتباره القاطرة الرئيسية التي يعتمد عليها الاقتصاد العالمي في وقتنا الراهن، وهو أيضا القاطرة التي قادت الى التقدم الاقتصادي والاجتماعي في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية والصين وودول ماليزيا واندونيسيا وكوريا الجنوبية المعروفة باسم «النمور الأسيوية». فالعمل الحر أصبح ضرورة في وقتنا الراهن وليس رفاهية، فالوقت يمضي والزمن يمر على الشاب ليكبر في السن وهو ما زال يبحث عن وظيفة يبدأ بها حياته، في حين أن قرينه الذي فكر بجدية واستخدم الإمكانيات المتاحة وتخلي عن الفكر العتيق في الوظيفة الحكومية يكون نجمه بدأ في الصعود. والعمل الحر في هذه الحالة أصبح من لوازم المعيشة ولا يجب الترفع عنه، بل يجب الإسراع والاقبال عليه، فمستقبلنا في القطاع الخاص وتقويته ليكون نواة تقدمنا اقتصاديا واجتماعيا، فهو القطاع الذي ينمي المهارات ويحصل صاحبه على مكافأة فورية من إنتاجه، وكلما اتسعت الأفق ارتفعت الأرصدة المصرفية..نحن نتحدث عن أزمة خطيرة بعد تراجع فرص التوظيف في القطاع الحكومي حيث أصبحت الفرص محدودة للغاية، ولن تستطيع الحكومات الخليجية توفير الوظائف لمجرد التوظيف بل حسب الحاجة. مشكلة أخري ربما لن نطيل فيها وهي أن شبابنا تخلي عن مكانه في الفرص التجارية الخاصة، وترك مئات الآلاف من الفرص ليستحوذ عليها الأجانب الذين بدأوا من الصفر، فلماذا لا يقتحم الشباب هذا المجال؟
وإذا كنت ذكرت في البداية أنني سأقدم الخاتمة علي استعراض القضية، أعود هنا الي ملامح مشكلة الباحثين عن عمل، حيث جاءت البلدان العربية ضمن عشر مناطق جغرافية في العالم سجلت فيها أعلى معدلات للباحثين عن عمل بين الشباب للعام 2016، وكانت الوحيدة التي بلغ فيها المعدل 30 %، أو ما يعادل ثلاثة أضعاف متوسط المعدل العام للباحثين عن عمل في العالم تقريبا. ليس هذا وحسب، فالجهة التي نوهت عن الرقم المخيف هي منظمة العمل الدولية في جنيف قبل عام تقريبا وسنلاحظ لاحقا أن الأرقام لم تتغير كثيراً إلى الأفضل.
وندرك جميعاً أن منطقتنا استثناء في الوقت الراهن بسبب الحروب الأهلية والفوضي التي دبت في أوصالها بسبب ما يسمي بـ»الربيع العربي» مما ألقي بظلاله السوداء على آمال زيادة فرص العمل للشباب في كثير من بلدان المنطقة. ومن هنا ندرك أيضا أن مشكلة الباحثين عن عمل تعد إحدى المشكلات الأساسية التي تواجه معظم دول العالم العربي باختلاف مستويات تقدمها وأنظمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ولذا فهي من أكبر التحديات التي تواجه اقتصاديات المنطقة العربية بسبب تفاقم الظاهرة والتزايد المستمر في عدد القادرين على الالتحاق بسوق العمل والباحثين عنه دون جدوى.
وقد استضافت البحرين ندوة آواخر العام الفائت بالتعاون بين منظمة العمل العربية والاتحاد الحر لنقابات عمال البحرين حول «دور التعليم والتدريب عن بعد في تشغيل الشباب في البلدان العربية». وخلصت نتائج الندوة الى أن التعليم والتدريب التقني والمهني يعتبر مفتاحا لتوفير المعرفة وبناء قوة عمل قادرة على مسايرة التقدم التكنولوجي، ومن فوائده مساعدة الحاصلين عليه من فئة الشباب على حسن الإعداد والتأهيل للوصول إلى فرص العمل المتاحة. وما ينطبق على البحرين ينطبق على دول مجلس التعاون والدول العربية كافة. وقد حددت ورقة عمل لإحدى الجامعات بدول مجلس التعاون 7 أسباب وراء تزايد مشكلة الباحثين عن عمل بين المواطنين الخليجين حالة الركود الاقتصادي العالمي وانعكاساته الطبيعية على الاقتصاديات المحلية وارتفاع معدلات النمو السكاني دون توفير واستحداث فرص عمل جديدة وعدم مواكبة التعليم في بعض الأحيان للتطور التكنولوجي وغياب التنسيق بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وسياسات استقدام العمالة الوافدة بطريقة الباب المفتوح، دون ضوابط تحدى من تعدد جهات الاستقطاب.
وعدم مساهمة القطاع الخاص بشكل كبير في استيعاب الخريجين المواطنين وضعف مساهمة قوة العمل الوطنية في وظائف القطاع الخاص، إذ لا تتخطى 7 %.
ولم تترك الدراسة المشكلة دون وضع الحلول اللازمة للأزمة بما يسهم بشكل كبير في الحد من تزايد معدلات الباحثين عن عمل خلال الفترة المقبلة، وتتلخص في خمس آليات هي ضبط وتنظيم وتقنين سياسات استقدام القوى العاملة تغيير اتجاهات شباب المواطنين نحو العمل في القطاع الخاص تشجيع المواطنين على ريادة الأعمال والاستثمار في المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وتضييق الفجوة بين مخرجات التعليم بشكل عام، والتعليم العالي بشكل خاص، من ناحية، ومتطلبات سوق العمل من الناحية الأخرى. واستحداث قوانين وتشريعات تلزم القطاع الخاص بنسب أكبر للتوطين.
يضاف الى ما سبق ضرورة إعادة النظر في نموذج الأعمال من أجل تحفيز القدرة التنافسية، وزيادة الإنتاجية، وتعزيز شروط السوق العادلة للمندمجين الجدد في القطاع الخاص، سواء كانوا من صغار أو كبار المستثمرين. ومن شأن ذلك أن يزيد من تكافؤ الفرص في القطاع الخاص كي ينمو ويوفر المزيد من فرص الشغل للشباب والنساء على وجه الخصوص. ويستلزم تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي زيادة الاستثمار في الرأسمال البشري وتحقيق طفرة في التعليم التقني والمهني بما يؤهل الشباب بالمهارات اللازمة للاندماج في سوق عمل أكثر تنافسية وقدرة على إتاحة وتعبئة المزيد من الفرص الاقتصادية لهم بما يسهم في تعزيز النمو الاقتصادي داخل أي دولة..مع ضرورة ضمان نجاح خطط تشغيل الشباب تراعي اعتبارات العرض والطلب، بالتزامن مع مراجعة المناهج التعليمية لتلبية متطلبات سوق العمل وتعميم مهارات هذا السوق على المراحل التعليمية كافة، الأمر الذي من شأنه تشجيع الشباب على تأسيس مشروعات خاصة صغيرة ومتوسطة، على أن ترتبط بالخطط الوطنية للتنمية الاقتصادية والاستثمارية، وبشرط توفير مصادر التمويل اللازم لتلك المشروعات الجديدة.. ثم تشجيع روح المبادرة لدي الشباب وتنمية قدراتهم بشكل متكامل.
كاتب ومحلل سياسي بحريني