فريد أحمد حسن
المشهد العام لما يجري حاليا في المنطقة يوحي وكأن العالم يسير إلى النهايات ، فكل أجزائه مشغولة إما بالصراعات والحروب أو بالتضرر من انخفاض وانهيار أسعار النفط وما يستتبع ذلك من إجراءات تقشفية ودعوات إلى "شد الحزام" من شأنها أن تربك الحياة وتؤثر سلبا على المستقبل والنظرة إليه . ولأن دول مجلس التعاون نفطية وتعتمد في موازناتها اعتمادا شبه كلي على النفط لذا فإنها تتوفر في المشهد بشكل كبير ، وتتوفر فيه أيضا بسبب تحولها من دول ظلت طويلا تكتفي بمشاهدة ومتابعة الأحداث ، حتى تلك التي تقع قريبا من دارها، إلى دول صانعة للأحداث - أو على الأقل لبعضها - ومؤثرة فيها بقوة .
في سوريا مثلا يلاحظ المراقبون حضورا قويا لكل دول مجلس التعاون ، بعضها يساند أطرافا في الصراع هناك عبر توفير المال والسلاح والإعلام وممارسة الضغوطبشكل خفي أحيانا ، وأحيانا جهرا ، بل أن بعضها أعلن عن استعداده إرسال قوات عسكرية للتدخل البري هناك ضمن دول التحالف مثل المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين أو أرسل طائرات حربية شوهدت في مطار عسكري بتركيا ، وبعضها حاضر كوسيط يحاول الاستفادة من خبرته في مساعدة الأطراف ذات العلاقةأملا في التوصل إلى حل مناسب ينتشل هذا البلد العربي من المأزق الذي صار فيه مثل سلطنة عمان التي تلعب دورا دبلوماسيا مهما هناك ولكن بهدوء وسرية اعتادها العالم.ولعل الأمر نفسه يحدث في العراق وفي اليمن وفي لبنان وفي ليبيا حيث يوجد حضور لافت لدول مجلس التعاون كافة .
من يتابع أخبار صفقات السلاح في هذه الفترة يدهش من الأرقام التي يعلن عنها فهي بمليارات الدولارات، ويدهش أيضا من التطور الذي شهدته مصانع الأسلحة فكلها صارت مدمرة وصار من ميزاتها توفير الوقت والجهدوإحداث أكبر قدر ممكن من التدمير والقتل . ومن يتابع عمليات التسلح يلاحظ أيضا المناورات العسكرية التي يشارك فيها الكثير من الدول ويتم خلالها اختبار وتجربة العديد من الأسلحة المتطورة ، كما يلاحظ أفلام الفيديو التي تنشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الدول المصنعة للأسلحة بغرض الدعاية والتخويف حيث يتم عرض القدرات غير العادية للأسلحة التي تدعي أنها تصنعها وإن كان يسهل تصنيف بعضها في باب الخيال العلمي ، ولكنكله يوحي بالفعل بأن العالم يسير إلى نهايته .
البعض يقول إنه حتى إيقاع اليوم صار يوحي بأن العالم يسير إلى ذلك المحتوم ، فاليوم ينتهي بسرعة فائقة من دون أن نشعر به ، وينتهي بعده اليوم التالي بالكيفية نفسها ثم ينتهي الأسبوع بأكمله من دون أن نشعر به أيضا أو نقتنع بأننا أنجزنا فيه أمورا مهمة، بل أن الشهور "تطير" بسرعة فائقة وكذلك السنين ، وهو ما صار يسهل على ذلك البعض القول بإن ما يجري علامة من علامات الساعة .
ليس منطقا الركض وراء الميتافيزيقيا خصوصا في مثل هذا الزمن الممتلئ بالعلم ، عدا أن الحروب والتسلح أمور لم تخل منها أي فترة من فترات التاريخ المليء بالدماء، وكذلك مرور الدول بفترات اقتصادية صعبة ، عدا أن العصر الذي نعيشه لا مكان واسعا فيه لهذا النوع من التفسيرات غير العلمية. الفارق هو أننا نشهد هذا الوضع للمرة الأولى ونعلم جيدا - بسبب التطور التكنولوجي - أن ما يجري لا يرحم ولا يفرق بين هذا وذاكوأن تأثير انخفاض أسعار النفط على الحياة والمعيشة لا يقل عن تأثير السلاح وقعقعته ، لهذا نشعر وكأن الأمور تسير إلى النهايات .
العمل الوحيد الذي يوفر شيئا من الإطمئنان وهامشا للأمل هو ما تقوم به حاليا سلطنة عمان– ومعها دول أخرى -بهدف مساعدة أطراف الصراع في العديد من الدول وخصوصا سوريا على التوصل إلى تفاهمات تفضي إلى حلول نهائية وتسهم في تحسين ذلك المشهد المعقد ، دون أن يعني هذا أن عوامل إنهاء هذه الحروب والأحوال قد توفرت ، ففي عالم السياسة يتغير المتغير في كل لحظة وقد تشهد اللحظات النهائية لأي تفاهم انهيارا وتدميرا للآمال .
الأوضاع في كل هذه الدول صعبة ، والظروف تزداد صعوبة وتزيد من تعقيد المشهد ، وأخبار القتل صارت عادية بل أكثر من عادية ، بل يسهل القول إنه لم يعد هناك من يـتأثر عند سماع تلك الأخبار ، لذا فإن أحدا لا يتأثر أيضا عند سماع أخبار انهيار أسعار النفط فهذا أقل من القتل أو يمكن تصنيفه في باب القتل الرحيم ،وإن كان واقعا لا يقل عن القتل ، بل هو قتل ولكن من نوع آخر .
هذا المشهد الممتليء بكل ما يحرض على اتخاذ موقف من كل شيء ومن الحياة ينبغي أن يكون سببا في شد أزر الدول التي لم تسمح لتلك الأسباب ليصيبها ما أصاب غيرها وأولها السلطنة التي هي اليوم مثال عملي للدولة الساعية إلى الخير عبر توظيف ما تمتلك من قدرات دبلوماسية ومبادئ إنسانية تؤمن بها وتعمل .
المشهد يزداد تعقيدا بالفعل ولا يعين على منع التشاؤم من السيطرة والإحساس بأن العالم يسير فعلا إلى النهايات ،ولكن بتوفر الأمثلة العملية التي أبرزت توجهات سلطنة عمان بقيادة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سيعد المعظم "حفظه الله " في هذا الخصوص يمكن للكثيرين أن يغيروا من نظرتهم أو على الأقل يقللوا من مساحة التشاؤم .
• كاتب بحريني