جوشوا كورلانتزيك
يلتقي الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مؤتمر قمة في ولاية كاليفورنيا، بقادة الدول العشر الأكثر أهمية في التجمعات الإقليمية بآسيا: رابطة دول جنوب شرق آسيا (الأسيان). ويعتبر هذا الحدث هو الأول من نوعه الذي تعقده الولايات المتحدة ودول الأسيان على التراب الأمريكي، وقد وصف كمؤشر لنمو مصلحة أميركا في جنوب شرق آسيا. وفي سياق دعوة جميع أعضاء دول الأسيان، السؤال المطروح هو ما إذا أصبحت مصالح الولايات المتحدة أولى من مبادئها.
وتعد القمة أحدث مظاهر "تحول" إستراتيجية إدارة أوباما نحو آسيا - وتتمثل في إستراتيجية الأمن القومي والتي تستلزم توجيه الموارد الاقتصادية والدبلوماسية الأميركية تجاه الدول المطلة على المحيط الهادئ. وفي جميع الحالات تعتبر هذه الخطوة نحوعلاقات أوثق منطقية بشكل كبير.
في البداية، نلاحظ أن التوترات بين دول جنوب شرق آسيا والصين في ارتفاع، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن الصين في عهد الرئيس شي جين بينغ (زعيم الصين الأكثر استبدادا منذ دنغ شياو بينغ)، تتصرف بحزم على نحو متزايد بشأن المزاعم الإقليمية المتنازع عليها في مياه المنطقة. وفي الآونة الأخيرة، قررت الصين نقل منصة للنفط إلى المياه المطالب بها من قبل فيتنام. و أدى مثل هذا القرار قبل عامين إلى أعمال شغب مميتة مناهضة للصين في الفيتنام.
ليست فيتنام وحدها من يشعر بالقلق. تحاول ماليزيا وسنغافورة والفلبين أيضا رفع مستوى القوات البحرية وخفر السواحل. وفي الحقيقة، بعد عقدين من طرد القوات الأمريكية من القواعد المحلية، الآن ترحب الفلبين بعودة القوات الأمريكية كجزء من اتفاق تعاون عسكري جديد.
وتعيش حتى الدول التي تعتمد اقتصاداتها على الصين حالة قلق. الصين أكبر مانح للمساعدات وأكبر شريك تجاري للاوس. لكن قام الحزب الشيوعي الحاكم باللاوس في الشهر الفائت بانتخاب قيادة جديدة قيل إنها تخلو من أي سياسيين مؤيدين للصين. في ميانمار، التي تعتمد هي الأخرى اعتمادا كبيرا على المساعدة والتجارة الصينية، كان الخوف من أن تصبح تابعة للصين سببا رئيسا في تنازل المجلس العسكري عن السلطة لحكومة مدنية في أوائل سنة 2010.
وبصرف النظر عن التحديات الأمنية، فإن لدى الولايات المتحدة مصلحة اقتصادية متنامية في جنوب شرق آسيا.وتعتبر مجموعة دول الأسيان رابع أكبر شريك تجاري لأميركا. فبعض الأدلة تشير إلى أن المجموعة الاقتصادية الجديدة للأسيان هي بمثابة إطار لاتفاق تجاري إقليمي حر، يساعد على التخفيف من تأثير اضطراب الوضع الاقتصادي العالمي بشكل متزايد على دول جنوب شرق آسيا.
لكن هناك مشكلة خطيرة للغاية في قمة الولايات المتحدة ودول الأسيان. فمنذ بدء تحول موقف الولايات المتحدة اتجاه آسيا في عام 2011، تراجعت الأنظمة السياسية عموما في جنوب شرق آسيا بشكل كبير. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، انتقلت التايلاند من الديمقراطية المعيبة إلى الحكم العسكري، والذي من شأنه أن يستمر خلال عام 2018، و بعده.
كما اتجهت ماليزيا نحو ديمقراطية ذات حزبين في عام 2011. أما اليوم، يوجد زعيم المعارضة أنور إبراهيم رهن الاعتقال بتهمة اللواط المشكوك فيها. وقد أصدرت الحكومة تشريعا يجيز اعتقال منتقديها إلى أجل غير مسمى. و لا يزال رئيس الوزراء نجيب رزاق متورط في فضائح اقتصادية وسياسية متعددة.
و بدا أن كمبوديا أيضا توصلت إلى انفراج سياسي بعد أن فاز ائتلاف المعارضة تقريبا في الانتخابات العامة عام 2013. لكن في العامين الماضيين، أكد رئيس الوزراء الكمبودي هون سين هيمنته السياسية. وهرب زعيم المعارضة سام رينسي إلى المنفى خوفا من الاعتقال.
وبالنسبة لميانمار، فعلى الرغم من أن إدارة أوباما قد وصفت البلاد كمثال ساطع للتغيير الديمقراطي، لكن الديمقراطية الحقيقية لا تزال في الأفق. صحيح أن حزب الرابطة الوطنية للديمقراطية، الذي كان في المعارضة لمدة طويلة، قد فاز في الانتخابات العامة في نوفمبر الفائت. لكن لا يزال الجيش يسيطر على العديد من الوزارات وربع مقاعد البرلمان. وعلاوة على ذلك، فإن الحروب الأهلية تنفجر على طول حدود ميانمار، و تقوم العصابات والجماعات المتطرفة الأخرى بذبح المسلمين غرب البلاد.
وتبقى لاوس وفيتنام و بروناي من بين الدول الأكثر قمعا في العالم، مع عدم وجود مؤشر على أي انفتاح سياسي على الإطلاق. وعلى الرغم من أن الديمقراطية تقدمت في إندونيسيا، فقد شهدت تقدما بطيئا في كل من الفلبين وسنغافورة. وفي هذه الأخيرة يستمر الحزب الحاكم في الهيمنة على النظام السياسي.
وهناك عوامل عدة وراء إضعاف الديمقراطية في جنوب شرق آسيا. لقد ثبت في غالب الأحيان أن الجيل الأول من القادة المنتخبين في المنطقة، مثل رئيس الوزراء التايلاندي السابق تاكسين شيناواترا، كانوا مستبدين وقاموا باستخدام أغلبيتهم لسحق خصومهم وحظر التكنولوجيات التي كان من الممكن استعمالها كأدوات للتغيير. وفي التايلاند، التي ارتفع فيها القمع عبر الإنترنت تحت المجلس العسكري، تم منع أكثر من 100.000 موقع إلكتروني.
إن ضعف المؤسسات يعني النضال من أجل حل الأزمات السياسية بالنسبة للعديد من البلدان مثل ماليزيا. في تايلاند، أصبحت عمليات استحواذ الجيش على السلطة نمط الحياة. أضف إلى ذلك أن تأثير الصين - وهي بالكاد قوة من أجل التغيير الديمقراطي - والانحدار الديمقراطي في جنوب شرق آسيا ليسا صادمين إطلاقا.
إن الأمر المزعج هو أن إدارة أوباما تسير نحو تعزيز هذا الاتجاه الضار من خلال تقوية العلاقات مع الحكام المستبدين في جنوب شرق آسيا. فقد حافظ أوباما على علاقاته الوثيقة مع وزير ماليزيا الأول نجيب (يقال إنهما رفاق الغولف). عندما زار أوباما ماليزيا في العام الفائت، بالكاد أشار إلى سجن أنور. وغضت إدارة أوباما الطرف أيضا بشكل واضح على الانتهاكات في بروناي ولاوس والفيتنام، ودعت رئيس الحزب الشيوعي الفيتنامي إلى زيارة واشنطن العاصمة في يوليو الفائت من أجل زيارة لامعة ودافئة.
في الأشهر الأخيرة، قررت إدارة أوباما إعادة الروابط مع تايلاند التي وضعت على الجليد بعد انقلاب مايو 2014، بما في ذلك استئناف حوار استراتيجي رفيع المستوى. لكن، وفقا لمنظمة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش"، " قام المجلس العسكري في تايلاند بتشديد قبضته على السلطة وقمع الحقوق الأساسية بشدة" في العام الفائت. وحتى اليوم، لم تظهر أي علامات على تغيير هذا النهج.
سوف تشمل قمة الولايات المتحدة ودول الأسيان قادة - مثل هون سين الذي حكم كمبوديا لمدة 25 عاما - والذي كان يعتبر في السابق قاس جدا واستبدادي للغاية ولا يمكن دعوته من قبل الرئيس الأمريكي إلى زيارة أميركا. ويبدو أن الاعتبارات الأمنية والاقتصادية الآن قد اغتصبت الديمقراطية كمعيار رائد لمحددات السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة. وبالنسبة لشعوب جنوب شرق آسيا، فإن هذا النهج قد يسبب المخاطر أكثر من الفوائد في النهاية.
زميل بارز لدول جنوب شرق آسيا في مجلس العلاقات الخارجية.