عيسى المسعودي
يبدو أن بعض المسؤولين في المؤسسات الحكومية التي لها علاقة بتحديد أسعار المنتجات النفطية، الذين صرحوا خلال الفترة الفائتة مع بدء تداعيات الأزمة الاقتصادية الناتجة عن انخفاض أسعار النفط، قد تسرعوا عندما أكدوا في تصريحاتهم أن هذه الأزمة لن تؤثر على مستوى معيشة المواطنين وأن الحكومة ستواجه هذه التحديات من خلال اتخاذ خطوات وقرارات ستساهم في تعزيز الدخل والتقليل من الإنفاق دون المساس بالحياة اليومية للمواطنين.
مع الأيام اتضح أن هذه التصريحات كانت غير واقعية وغير مدروسة وأن هذه المؤسسات وللأسف الشديد لم تجد أي حلول لمواجهة الأزمة سوى فرض رسوم جديدة أو رفع الرسوم الحالية أو التوقف عن تقديم الدعم على بعض السلع أو المنتجات أو الخدمات التي تقدمها الحكومة للمجتمع والتي لها علاقة مباشرة بحياة المواطنين، أو قد تكون هذه التصريحات فقط كانت للاستهلاك الإعلامي ولتهدئة الناس في تلك الفترة حتى تقوم الحكومة بتنفيذ الخطط التي تعتقد من وجهة نظرها أنها الحلول الصحيحة للتخفيف من تداعيات الأزمة وأن المواطن عليه أن يتحمل جزءاً من هذه التداعيات وأن يكون شريكاً حقيقياً ليس بالكلام فقط!.
قد لا نستطيع الحديث عن الإجراءات التي قامت بها الحكومة خلال الفترة الفائتة للتقليل من تداعيات انخفاض أسعار النفط ولكن لنعطي مثالاً واحداً فقط والمتمثل في قرار وقف الدعم عن المنتجات النفطية، والذي يتفاعل معه المواطنون هذه الأيام وبشكل كبير (مع وصول سعر لتر البترول من فئة الممتاز 95 إلى 205 بيسات بعد أن كان اللتر الواحد يبلغ 120 بيسة) وقرار الحكومة تعين لجنة فنية مكلفة بدراسة وتحديد أسعار بيع المنتجات النفطية تضم مسؤولين من الوزارات المعنية مثل (المالية والنفط والغاز والتجارة والصناعة) تقوم بدور المتابعة والنظر في حركة السوق وأسعار النفط، وبالتالي اتخاذ قرار تحديد أسعار المنتجات النفطية بمختلف أنواعه وبشكل شهر.
فرغم أن الحكومة أعلنت في بداية قرارها برفع الدعم عن المنتجات النفطية أنه سيكون بشكل تدريجي إلا أن الجميع انصدم بأن اللجنة قامت برفع السعر منذ البداية من 120 بيسة إلى 160 بيسة أي بزيادة بلغت 40 بيسة مرة واحدة وبعدها شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً ليصل سعر شهر أكتوبر الجاري إلى 205 بيسات أي بزيادة كبيرة بلغت 85 بيسة للتر الواحد، وهذا سعر كبير وخاصة على فئة الدخل المحدود دون مراعاة لهذه الفئة عند تحديد الأسعار رغم أن هذه الفئة تشكل النسبة الكبيرة من المجتمع العُماني، وعدم قيام اللجنة حتى الآن بطرح اقتراحات أو حلول تضمن لهذه الفئة الاستفادة من الدعم الحكومي في هذا الجانب.
الإنسان المقتدر يستطيع أن يدفع قيمة اللتر بهذا السعر بينما الآخرون لا يستطيعون ويواجهون ضغطاً كبيراً في ميزانيتهم الأسرية مع المستلزمات والمصاريف الأخرى الناتجة أغلبها من تداعيات انخفاض أسعار النفط، كذلك هل يعقل أن يتم مساواة سعر لتر البترول الواحد بين المواطن ذوي الدخل المحدود وبين الموظف أو المسؤول ذي الدخل العالي وأيضا هل يعقل المساواة مع الشركات والمؤسسات ؟ فلأسف حالياً الجميع يدفع بنفس السعر وهذا مما يترك علامة استفهام كبيرة حول هذه اللجنة، وتقيم الآلية التي تعمل بها ومتابعتها.
من الأمور التي يجب أيضا الوقوف أمامها أن اللجنة صرحت خلال الفترة الفائتة أن تحديد أسعار المنتجات النفطية بالسلطنة ليست مرتبطة بشكل مباشر بالأسعار العالمية للنفط الخام، لكننا تتأثر بها، وكلما ارتفع سعر النفط العماني فإن أسعار البترول سترتفع وإذا انخفض فإن أسعار البترول ستنخفض ومن يراقب أسعار السوق على الأقل خلال الستة شهور الفائتة يجد أن اللجنة بالفعل تطبق هذا المعيار وبشكل واضح، لذلك المسؤول الذي يطرحه الجميع اليوم لهذه اللجنة هو: ماذا ستقرر اللجنة إذا وصل سعر برميل النفط العُماني إلى 70 دولاراً أو إلى 100 دولار فهل ستقوم أيضا برفع قيمة لتر البترول الواحد إلى المستويات الأعلى كما تفعل الآن؟ هذه الأسئلة وغيرها من الاسئلة حول كيفية عمل هذه اللجنة ومتابعتها وتقيمها من الأمور المهمة التي يسأل عنها الجميع الآن وعلى اللجنة أن توضح العديد من الأمور والنقاط التي تحتاج إلى توضيح حتى تكون الامور واضحة وشفافة وبالتالي يستطيع المواطن تقيم دور الحكومة في هذا الجانب وبشكل أفضل ومدى مراعاتها للفئات التي تحتاج بالفعل إلى المراعاة والدعم.
البعض يتحدث أيضا أن اللجنة المكلفة بدراسة وتحديد أسعار بيع المنتجات النفطية قامت بتثبيت سعر لتر البترول من فئة العادي 91 حتى يشكل ذلك خياراً آخر للذين لا يستطيعون دفع قيمة البترول الممتاز ولكن حتى هذا الخيار من الناحية الفنية تتضارب عليه الأقوال فالبعض يقول إن البترول العادي يؤثر على المدى البعيد على قوة وصلاحية محرك السيارة، ويختلف عن البترول الممتاز من حيث النقاوة والقوة وغيرها من الأقاويل، وحتى هذا الاختلاف للأسف الشديد حول هذا الموضوع لم تقوم اللجنة بتقديم توضيح فني دقيق حوله أو محاولة توعية الجمهور حول الفرق الحقيقي بين البترول العادي والبترول الممتاز حتى يستطيع الأغلبية تجربته واتخاذ القرار، لذلك نجد أن على هذه اللجنة أن تراجع العديد من الأمور المتعلقة بهذا الموضوع وأن تقيم الآليات التي تعمل على أساسها في تحديد الأسعار مع مراعاة الظروف كافة والمستجدات وعلى كافة المستويات وأن تقيم طريقة عملها وكيفية تواصلها مع الجهات المعنية ومع الجمهور بشكل عام حتى تستطيع اتخاذ القرارات التي تراعي الأطراف كافة.