محمود سعيد العوفي
كان ولا يزال برغم انخفاض أسعاره يشكل النفط جزءاً كبيراً ومهماً، ليس في السلطنة بحسب، وإنما في اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بشكل عام، ووصلت درجة الاعتماد عليه إلى مرحلة كبيرة جداً، وأي تذبذبات في أسعاره تؤثر مباشرة في مختلف القطاعات الاقتصادية، ومستوى الإنفاق وإيرادات الحكومة، وهذا ما حصل بالفعل من جراء هبوط أسعاره، وبلا شك أن هذه المرحلة تعد مرحلة حرجة لاقتصاديات المنطقة، وأصبح إيجاد منابع اقتصادية غير نفطية هاجساً لا مفر منه، وبات لزاماً على الدول تنويع مصادر دخلها.
وتسعى السلطنة وبخطى ثابتة، وبرؤية واضحة، أن يكون الاقتصاد الوطني اقتصاداً مستداماً ومتيناً ومتنوعاً لا يعتمد على الموارد النفطية، مع مواكبته التنمية الشاملة والمتوازنة بين مختلف القطاعات من خلال إقامة المشروعات الحيوية والمتطورة التي يمكنها أن توسع من القاعدة الإنتاجية والاقتصادية بحيث لا يتأثر بالأوضاع الاقتصادية العالمية وتقلبات الأسواق مستقبلاً، وبالتالي لابد أن تكون هناك جهود أكبر.
ولكن هذا التوجه يجب دعمه بعوامل تجعله أكثر قوة عما قبل وبقرارات حاسمة واذابة بعض العقبات التي قد تعتري مساره، حيث لا يزال أغلب اصحاب الأعمال والمستثمرين يعانون من بعض المعوقات والتحديات التي تقف حائرة في إقامة مشروعاتهم وبالتالي ينبغي على الجهات المعنية تبسيط الإجراءات الاستثمارية ومراجعة القوانين المنظمة لذلك، وتبني إستراتيجيات بديلة ترمي إلى توجيه العوائد الريعية نحو تنويع بنية الاقتصاد لزيادة قدرته على مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، ولا نغفل أن السلطنة أصبحت وجهة استثمارية مهمة وجاذبة وتنافس الكثير من الدول بفضل الاستقرار السياسي والأمني، ووجود بنى أساسية قوية، وهذه جميعها تجذب الاستثمار إلى البلاد.
وحتى نكون منصفين الذات في الحقيقة ثمة جهود بذلت وتبذل على مختلف الأصعدة، ولا يمكن تجاهلها، ولها نتائج إيجابية، إنما ما نلاحظه أن الإنفاق العام الحكومي يعد المحرك الأساسي لاقتصاد البلاد، في الوقت الذي ظل فيه القطاع الخاص معتمدا اعتمادا كليا على القطاع الحكومي، مع التسهيلات والامتيازات التي حصل عليها من قبل الحكومة وعندما تم خفض الإنفاق بسبب تدني أسعار النفط تأثرت بعض الشركات والمؤسسات، وأخرى أعلنت إفلاسها، وبعضها عجزت عن تسديد مديونيتها، ما أدى إلى تسريح القوى العاملة الوطنية، ولم يتلق آخرون رواتبهم، بالاضافة الى ذلك فرض ضرائب جديدة، ما جعلت الاوضاع الاقتصادية تتخذ طابعا اجتماعيا، وكما علمنا إن خلال ميزانية 2018 سوف تواصل الحكومة خفض الإنفاق وزيادة الايرادات غير النفطية، وبالتالي فمن الضرورة بمكان مراجعة شركات القطاع الخاص أعمالها لتواكب المرحلة الراهنة وايجاد مصادر دخل إضافية، حتى لا تتأثر من جراء ذلك الأمر لأجل ضمان استدامتها في السوق.
وعليه، ينبغي أن ندرك تماما أن عصر ما بعد النفط ليس بالأمر السهل الخوض فيه، لكن من المهم بمكان أيضا أن ندرك أبعاده، واستيعاب الاوضاع الاقتصادية التي نمر بها، الذي يمثل تحديا حقيقيا على الحكومة، يفرض عليها التفكير بحلول مبتكرة ومعالجات ذكية، من خلال تحول النفط من مورد رئيسي إلى مورد ضمن مجموعة موارد اقتصادية ترفد موازنة الدولة، وهذه المهمة صعبة في الوقت الراهن لكنها ليست بمستحيلة على الإطلاق.
واخيراً.. لقد نبهت أسعار النفط الحالية إلى مخاطر الاعتماد المفرط على سلعة تصديرية واحدة ما جعل من تنويع الموارد الاقتصادية والعمل على رفع معدلات نمو القطاعات غير النفطية أمراً ملحاً، ولكن تطبيقه يحتاج لمزيد من الوقت وجني ثمارها ربما يستغرق لسنوات، ولكن السؤال.. هل استوعبنا الدروس.. وهل بالفعل بدأنا تنويع مصادر دخلنا؟. آخر كلمة: أين وصل برنامج «تنفيذ»؟