لا يزال الشعب العماني ينفرد بتوفير المثال على إمكانية التفاعل مع العالم من حوله من دون التأثر به، أو للدقة نقول التفاعل مع العالم ومع مختلف القضايا ولكن من دون السماح له ولها بالسيطرة عليه والتحكم فيه. فالشعب العُماني بطبيعته مستقل، ويحسب حساب كل خطــوة قبل أن يخطوها، لهذا لا يتورط كما تورطت وتتورط شعوب أخرى كثيرة في قضـــايا لا تعود عليها بأية فائدة.
بالتأكيد لا يمكن لأي شعب في العالم وفي كل الأزمان ألا يتأثر بما يجري قريباً من داره أو حتى بعيدا عنها، فالتأثر مثله مثل التأثير أمر طبيعي خصوصاً في هذا الزمان الذي تقوم فيه التكنولوجيا بمهام كثيرة وتعمل على توفير كل الظروف اللازمة لحصول التأثير، والشعب العُماني بالطبع ليس استثناء، عدا أن المتفاعلين مع الشيء هم في كل الأحوال بشر. لكن ما ينفع الشعب العماني هو أنه يعمد دائما إلى إيجاد مساحة كافية تفصل بينه وبين كل ما يحذر منه كي تحميه من التورط في كل ما قد يعود عليه وعلى وطنه ومجتمعه بالمضرة. ولعل هذا هو سر عدم انجرار هذا الشعب وراء مختلف الدعوات التي يتم تزيينها جيدا عندما تقدم للشعوب.
ولأن هذا الأمر يعتبر «حالة خاصة» لذا فإن من المهم دراستها لمعرفة الأسباب الحقيقية التي تحول بين هذا الشعب وبين الانجرار وراء مختلف الدعــوات التي تنجر شعوب أخـــرى كثيرة لها بســهولة
دونما شك تعتبر علاقة الثقة بين الشعب والقيادة السبب الأساس في حدوث ذلك، فالعلاقة بين الحاكم والمحكوم في السلطنة علاقة أساسها الثقة المتبادلة، فبالمقدار نفسه الذي يثق فيه صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم «حفظه الله» في شعبه فإن الشعب يثق في قيادة جلالته ويخلص له، لهذا فإن أي جديد يطرأ وكل دعوة تبرز في أي وقت يدفع كل عماني مخلص لهذه الأرض وهذه القيادة وقبل التفاعل معها إلى التساؤل عن حجـــم الفائدة أو الضـــرر الذي سيعود على الوطن إن استجاب لها، فإن وجد فيها خيرا للوطن وتأكد من ذلك أقبل عليها وإلا فإنه يرفضها من دون تردد. هذا الإحســاس بالمســـؤولية وهذا الحـــب للوطن وللقيادة أمر هو الآخر يعتبر نادراً في هذا الزمان ومثيرا ويحتاج أيضا إلى اعتباره «حالة خاصة» تستدعي الدرس والبحث.
ثقة الحاكم في الشعب وتقدير الشعب لثقة الحاكم فيه يجعله واثقا من نفسه ومخلصا للوطن وللقيادة ومتأكدا من أن كل ما لم يأت به الحاكم بعد يعني أنه لا مصلحة له فيه وأن كل ما يأتي من الآخر – أيا كان ذلك الآخر – لا بد أن به عيبا أو على الأقل يستدعي النظر فيه ومعرفة كنهه وتفاصيله وأهدافه جيدا قبل التفاعل معه.
هذا لا يعني أن الإنسان العُماني سلبي وأنه ضد الجديد والتجديد، فمن طبيعة هذا الإنسان الترحيب بالجديد والتفاعل معه، لكن الفارق بينه وبين الكثيرين هو أنه يحرص على معرفة تفاصيل هذا الجديد ويعمل على تعريضه لمحكات أساسية قبل التفاعل معه، فإن وجد أنه قد يضر بوطنه قيد أنملة رفضه، وإن وجد أنه قد يسيء إلى مجتمعه رفضه.
هل في هذا مبالغة ؟ بالتأكيد لا، وهكذا يقول كل من هو على معرفة ودراية بطبيعة الشعب العُماني ومن هو مطلع على مواقفه خلال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل، فهذا الكلام وإن بدا مثاليا بعض الشيء إلا أنه حقيقة وواقع، فالشعب العماني هو هكذا، هذه طبيعته وهذه هي المحكات المعتمدة لديه للحكم على كل جديد قبل قبوله والتفاعل معه. لهذا لم يتورط العمانيون في ملف الطائفية حيث قرروا سريعا أنها مقبرة الأوطان، وبدلاً عن ذلك وفروا مثالا ناجحا على إمكانية تعايش كل الطوائف والأديان، أيضا لم يسمحوا للعنف بأن يقترب منهم لأنهم يعلمون جيدا أن العنف لا يولّد غير العنف وأنه لا يمكن أن يكون الطريق إلى حل أي مشكلة، وكذلك لم يتركوا الفرصة للأحقاد لتعيش بينهم لأنهم يؤمنون بحق الجميع في الحياة والتطور. لهذا لا يمكن أن تجد عمانيا واحدا تورط في السلوكيات السالبة التي تورط فيها الآخرون، ولا يمكن أن تسمع عن عُماني فعل مثل ما يفعل الجهال الذين استرخصوا أرواح الناس وارتدى حزاماً ناسفاً.
ثقة الشعب العُماني في قيادته وثقته في نفسه وحرصه على وضع مسافة كافية بينه وبين كل جديد حتى يثبت له أنه خير للوطن وللدين ولحياته عوامل حالت وتحول دائما بينه وبين التورط في كل عمل سالب وضار، لهذا يظل هذا الشعب مثالاً ونموذجاً يحتذى و «حالة» تستحق البحث والدرس من قبل المعنيين بتطور المجتمعات وتفاعلها مع مختلف المؤثرات.
مهم جداً بقاء هذا المثال والنموذج لتتعلم منه مختلف شعوب العـالــم وليتأكد الجمــيع بأن من الجديد ما هـــو مؤذ وقاتل وأن عدم التعجل في قبوله ليس سلبية وأن تعريضه لمثل تلك المحكات مفيد.
كاتب بحريني