دانييلا شوارزر
لقد لقنت نتائج الانتخابات الفيدرالية الألمانية درسا مهما للغاية للاتحاد الأوروبي فحتى البلد الذي كان أساس الأستقرار للاتحاد الأوروبي في خضم الأزمات ليس بمنأى عن التشرذم والاستقطاب السياسي وعلى الرغم من أن من شبه المؤكد أن تحصل المستشارة أنجيلا ميركيل على ولاية رابعة فمن المرجح أن تكون حكومتها الجديدة أضعف بكثير من الحكومات الثلاث السابقة.
يبلغ عدد الأحزاب في البرلمان الألماني البوندستاغ الآن ستة مقارنة بأربعة أحزاب في الفترة الانتخابية الفائتة وقد حصل حزب ميركل الاتحاد الديمقراطي المسيحي من يمين الوسط على 33٪ من الأصوات و تعد هذه أسوأ نتيجة للحزب منذ العام 1949 لكن كانت هذه النسبة لا تزال كافية لاعطاء حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أكبر عدد من المقاعد في البرلمان وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي من يسار الوسط وهو ثاني أكبر حزب سياسي في ألمانيا وجزء من ائتلاف الحكم الاسبق لميركل قد حقق نتيجة كانت الأسوأ كذلك منذ الحرب العالمية الثانية حيث حصل الحزب الاشتراكي الديمقراطي الوسطي على 20.5٪ فقط من الأصوات.
وفي الوقت نفسه تمكن حزب البديل لألمانيا الشعبوي من الفوز بنسبة 12.6٪ من أصوات الناخبين مما جعل هذا الحزب المناهض لليورو والمؤيد لروسيا والمعادي للأجانب أول حزب يميني متطرف يدخل في البوندستاغ الألماني منذ ما يقرب من 60 عاما وقد قرر الحزب الاشتراكي الديموقراطي الاستسلام وتعهد بأن يمضي هذه الفترة الانتخابية في صفوف المعارضة.
وفي هذا السياق من المرجح أن يحكم ألمانيا ما يسمى بائتلاف جامايكا وذلك نسبة لألوان الأحزاب و هي حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي و الخضر والديمقراطيون الأحرار التي ستشكل ذلك الائتلاف و لكن مثل هذا الائتلاف سوف يكون جامحا بسبب المواقف غير المتجانسبة للاحزاب المشاركة بالنسبة للسياسة الخارجية.
وبالمثل، فإن المعارضة التي يقودها الحزب الاشتراكي الديمقراطي ستواجهها انقسامات عميقة وفي الواقع، من غير المحتمل أن يتعاون الحزب في أي قضية على الاطلاق مع الحزب الآخر من أحزاب المعارضة وهو حزب البديل لألمانيا ولا توجد قيم مشتركة تقريبا بين الحزب الاشتراكي الديمقراطي وحزب البديل لألمانيا الذي أعلن بالفعل أن هدفه الرئيسي هو ملاحقة الأحزاب الأخرى باستخدام الخطاب الشعبوي والقومي ونتيجة لذلك، فإن المعايير البرلمانية المتعلقة باللياقة و الزمالة والتي استمرت لعقود من الزمان ستتعرض للخطر.
ونظراً للدور المركزي الذي يلعبه البوندستاغ في تشكيل سياسة المانيا المتعلقة بالاتحاد الأوروبي فإن ذلك قد يضعف من قدرة حكومة ميركل على تقديم الدور القيادي الذي تحتاجه أوروبا الآن.
ومن المؤكد أن هناك بعض الأخبار الجيدة فانتصار حزب ميركل الديمقراطي المسيحي مهما كان ضعيفا ينطوي على عناصر الاستمرارية التي يمكن أن يبنى عليها وأن قرار ميركل الفوري بتحمل مسؤولية تشكيل حكومة ائتلافية قابلة للحياة يعني أن التزامها بالحفاظ على الاتحاد الأوروبي و دفاعها القوي عن الديمقراطية و القيم الغربية سوف يستمر في توجيه عملية صنع السياسة الألمانية و ان الاعتدال والاستقرار والانفتاح الدولي سيبقى شعار ألمانيا بغض النظر عن الخطاب القبيح الذي ينشره حزب البديل لألمانيا.
ولكن من حيث التصدي للتحديات الدولية يجب أن يكون شركاء ألمانيا صبورين فعلى الرغم من أن من المتوقع أن تتعاون ميركل بشكل وثيق مع الرئيس الفرنسي الموالي لأوروبا ايمانويل ماكرون من أجل وضع نموذج جديد لتكامل الاتحاد الأوروبي في مرحلة ما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي فمن غير المحتمل أن تفعل ميركل ذلك على الفور.
إن من المرجح أن يستغرق تشكيل الائتلاف بحد ذاته - ولا سيما ائتلاف بين المحافظين والليبراليين والخضر- شهور عديدة علما أن الانتخابات على مستوى الولاية في ساكسونيا السفلى في الشهر المقبل والتي حقق حزب البديل لألمانيا فيها دعما كبيرا ستزيد من حالة عدم الغموض.
و قد لا تتم التسوية بسهولة حتى بعد تلك الانتخابات حيث سيواجه الاتحاد الاجتماعي المسيحي الذي يتخذ من بافاريا مقرا له وهو الحزب الشقيق لحزب الاتحاد الديموقراطي المسيحي انتخابات على مستوى الولاية في الخريف المقبل و قد قام الحزب بالفعل بسبب الشعور باقتراب حزب البديل لألمانيا منه بزيادة انتقاداته لسياسة الهجرة التي تبنتها ميركل ومن المرجح أن يحاول دفع المستشاره الى اليمين بشكل أكبر في العام المقبل.
ولعل القضية الأكثر صعوبة بالنسبة لأحزاب الائتلاف ستكون منطقة اليورو وقد تتعارض مواقف الحزب الديمقراطي الحر و الخضر بالنسبة لهذا الموضوع لا سيما عندما يتعلق الأمر بإدارة الأزمات المشتركة وآليات التأمين المتبادلة و الأدوات المالية ولكن قد يكون ذلك الصراع لايجاد أرضية مشتركة مفيدا للاتحاد الأوروبي بشكل عام بينما يحاول قادته تحقيق توازن بين مسؤولية الحكومات الأعضاء والمؤسسات على مستوى منطقة اليورو التي يحتاج فيها الاتحاد النقدي إلى العمل بفعالية.
وقد يكون من الأسهل بالنسبة للأحزاب الائتلافية الألمانية - ناهيك عن الحكومتين الفرنسية والألمانية - وضع إطار جديد للتعاون الأمني الثنائي والأوروبي حيث تظهر استطلاعات الرأي أن المخاوف من الإرهاب والأمن الداخلي تفوق المخاوف بشأن الهجرة وإذا ما تم تناول هذه القضايا الملحة على المستوى الأوروبي كما اقترحت ميركل في بيانها بعد الفوز بالانتخابات فإن دعم أوروبا يمكن أن يؤدي في نهاية المطاف لكسب الناخبين المستائين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح حزب البديل لألمانيا.
وأيا كانت الحكومة التي سوف تظهر في ألمانيا في الأسابيع المقبلة فسوف يتعين على قادتها تكريس المزيد من الجهود لشرح خيارات سياستها للمواطنين والشركاء الدوليين على حد سواء وسوف يشاهد الجمهور الألماني مع وجود حزب البديل لألمانيا في البوندستاغ مواقف اكثر تطرفا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية - من قيادة الاتحاد الأوروبي الى العلاقات مع روسيا – مقارنة بالفترة الفائتة و في حين أن احزاب الوسط في المانيا تمكنت من النجاح فإن توافق الآراء بينها سيتم اختباره قريباً.
مديرة المجلس الألماني للعلاقات الخارجية.