خاص -
بعد أيام من الاستفتاء على لاستقلال كتالونيا، تبرز أهمية تحليل اقتصاد المقاطعة ذاتية الحكم في إسبانيا، التي تعتبر المساهم الأكبر في الناتج المحلي الإجمالي الإسباني (18.9%)، وتعدّ حصة الفرد فيها من الناتج المحلي الإجمالي أعلى من المتوسط الإسباني بنسبة 18.8%. يقول رئيس قسم التحليل الشامل لدى «ساكسو بنك‘« كريستوفر ديمبيك، إنه لا يوجد حل سحري يضمن بأن كتالونيا في حال انفصالها ستكون قادرة على تحقيق استقرارها الاقتصادي، ولكن ثمة سمات بارزة تتشاركها عادة معظم المنظومات الاقتصادية المتطورة، وأبرزها التنويع والانفتاح على العالم مع ارتفاع مستويات الإنتاجية ويشرح ديمبيك العايير التي تتحكم بالاقتصاد الكتالوني.
التنوّع الاقتصادي
يمتاز الاقتصاد الكاتالوني بكونه منوعاً للغاية وببنيته الإنتاجية الأكثر توازناً بالمقارنة مع المناطق الإسبانية الأخرى، علماً بأن القطاع الأولي يعتبر صغيراً نسبياً، حيث تمثل الخدمات القطاع الأهم كما هو الحال في كافة الدول المتطورة، ومن الجدير بالذكر أن نسبة إجمالي القيمة المضافة (GVA) إلى حجم القطاع تعدّ كبيرة بالقياس مع إسبانيا وبقية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. وبعد أن كان القطاع قد شهد هبوطاً حاداً خلال الفترة الممتدة من2009 حتى 2013 إثر انهيار الفقاعة العقارية، غير أنه استعاد بعض الزخم بعدها بفضل الصادرات ويبدو أفضل حالاً مما كان عليه قبل سنوات عدة. وما زالت الصناعة تشكل ركيزة أساسية في الاقتصاد الكاتالوني، على العكس من مناطق عديدة تراجعت فيها أهمية القطاع الصناعي؛ إذ ما زال النشاط التصنيعي المحلي قوياً، ما يستحضر إلى الأذهان لقب «مصنع إسبانيا» الذي أُطلق على المقاطعة في الماضي. وتشكّل نسبة القيمة الإجمالية المضافة إلى القطاع الصناعي16.7%، مقابل 13.4%في إسبانيا ككل، و15.8%في دول الاتحاد الأوروبي (بيانات 2015). كما تم امتصاص حالات الاختلال التي أفضت إلى الأزمة المالية العالمية، ولاسيما في قطاع الإنشاءات الذي عاد إلى المستويات الطبيعية.
الانفتاح الاقتصادي
تتمتع كتالونيا باقتصاد منفتح على العالم إلى حد بعيد، مع فائض في موازنتها التجارية بنسبة11.5%تقريباً من الناتج المحلي الإجمالي في 2015؛ حيث يشكل هذا الانفتاح الاقتصادي- جنباً إلى جنب مع فورة القطاع الإنشائي والدخول لمنطقة اليورو- السر في المعجزة الاقتصادية التي حدثت بين 1999 و2008، والتي اتسمت بنمو الناتج المحلي الإجمالي سنوياً بواقع وسطي قدره 3.7%. وبالتالي من الطبيعي أن تشكل دول الاتحاد الأوروبي الوجهة الرئيسية للصادرات (وأبرزها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا)، غير أن كتالونيا نفذت استراتيجية تنويع تجاري ناجحة خلال الأزمة السيادية الأوروبية، ما أثمر عن نتائج ملموسة تمثلت في ارتفاع حصة الصادرات إلى الدول غير الأوروبية (ولاسيما دول أمريكا الجنوبية) من 26.7%في 2000 إلى 35%في 2015.
أرقام الإنتاجية
هنا بالذات تكمـن الحلقة الأضـعف بالنسـبة
لكتالونيا وإسبانيا عموماً، فعلى الرغم من ارتفاع الإنتاجية على خلفية الأزمة في إسبانيا كنتيجة للأتمتة (كان النمو السنوي للإنتاج في إسبانيا على مدى العقد الماضي أعلى من نمو الإنتاج السنوي الألماني، 1.2%مقابل 0.7%)، وما زال الطريق أمام البلاد طويلاً نحو بناء نموذج نمو اقتصادي يقوم على الابتكار والمعرفة، كما هو واضح من التصنيف السيئ لإسبانيا في دراسة أصدرها برنامج تقييم الطلبة الدولي (PISA)، غير أن كتالونيا هي على الأرجح المنطقة الإسبانية الأحسن حالاً لمواجهة هذه المسألة. وبحسب بيانات صادرة في العام 2015 عن الحكومة الكتالونية، فقد تم رصد قفزة نوعية في الاستثمار الأجنبي المباشر (+60.4%مقابل +11%في بقية إسبانيا خلال الفترة ذاتها)، ما يعكس كون كتالونيا أكثر جاذبية بوضوح، فقد استثمرت المقاطعة مبالغ كبيرة في إنشاء بنية تحتية بحثية رفيعة المستوى في جامعاتها، غير أنها لم تبلغ بعد المستوى المطلوب كي تتحول إلى محور استثماري من عيار ألمانيا والسويد اللتين تتعاون فيهما الجامعات والقطاع الخاص على تطوير ابتكارات جديدة.
وفي القطاع الخاص ما زال نموذج النمو يعتمد بشكل كبير على الوظائف التي لا تتطلب سوى مهارات عالية، ولاسيما في القطاع الخدمي أو المجالات ذات الصلة بالسياحة، والمشكلة أن هذه المهن منخفضة الإنتاجية ستؤثر سلباً على نمو الناتج المحلي الإجمالي على المدى المتوسط إلى البعيد.
القدرة على الانفصال
بعد هذه اللمحة العامة على الوضع الاقتصادي الكتالوني، يمكن القول دون تردد بأن المقاطعة قادرة على مواصلة مسيرتها كدولة مستقلة، وذلك بناء على مختلف الاعتبارات الاقتصادية، شريطة بقائها ضمن الاتحاد الاقتصادي والنقدي الأوروبي؛ حيث قد تحتل هذه الدولة الجديدة المرتبة 13 من بين الدول الـ29 للاتحاد الأوروبي. وبغض النظر عمّا إذا كانت ستبقى جزءاً من إسبانيا أو ستنال استقلالها، غير أنّه يجب على كتالونيا تعزيز استثمارها في رأس المال البشري والتعليم بهــدف تجنب العــودة إلى المنهجيات القديمة القائمة على المهن منخفضة الأجور، والتي أثبتت عدم كفاءتها في تحقيق النمو الاقتصادي.