تحسين شروط قبضة «نافتا»

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٠١/أكتوبر/٢٠١٧ ٠٣:٥٦ ص
تحسين شروط قبضة «نافتا»

خورخي كاستانيدا
كارلوس هيريديا

لقد بدأ التفاوض من جديد كما وعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) إذ إن المحادثات الأولية ترسل بالفعل رسالة واضحة بأن الخلافات التي يتعين حلها من قبل كندا والمكسيك والولايات المتحدة هي في الأساس خلافات سياسية وليست اقتصادية وهي خلافات موجودة ضمن بلدانهم كما هي موجودة بينهم.

وخلافا للاعتقاد السائد فإن معضلة التجارة العالمية الحقيقية في عصرنا ليست مجرد التحرير مقابل الحمائية ولكنها أيضا حقوق رأس المال مقابل حقوق الناس و قد أدت الاتفاقات التجارية في السنوات الأخيرة إلى تفاقم الاختلالات في هذا الخصوص، وذلك من خلال الإخفاق في تحقيق الفوائد للعديد من الناس وتحقيقها لمجموعة قليلة نسبياً من المؤسسات القوية. وفي هذا السياق، سيكون التركيز على تحسين الميزان التجاري لكل اقتصاد ضمن منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية خاطئا وبدلا من ذلك، يجب أن يسعى المفاوضون إلى نشر فوائد التجارة على نطاق أوسع من خلال الاستفادة بشكل أفضل من فرص التعاون الناجمة عن القرب الجغرافي وأسواق العمل التكميلية والدينامية الديمغرافية والتكامل الاقتصادي.

لدى مكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة الفكرة الصحيحة مع وجود قضايا تفاوضية تغطي قضايا العمل والأجور والشفافية والفساد وبعض جوانب حقوق الإنسان، وقد عززت كندا هذا النهج بشكل أكبر حيث أصرت على إدراج نوع الجنس وحقوق السكان الأصليين أيضا وما زال يتعين على المكسيك أن تقول ما تريده ولكن ينبغي لها أن تتحرك في نفس الاتجاه.
سوف تكتسب القضايا المتعلقة بالأجور وظروف العمل أهمية خاصة بالنسبة للمكسيك حيث يمكن أن يطلق على النهج السائد اسم «الاستغلال الوطني» وباختصار، تعتبر حقوق العمال وتعويضهم مصدر قلق للشركات المكسيكية وحدها. وعلى الرغم من أن المكسيك وعدت في العام 1993 بجعل معايير العمالة لديها تتوافق مع المبادئ التوجيهية لمنظمة العمل الدولية فإنها لم تنته بعد من ذلك وعليه وبينما تنمو إنتاجية القوى العاملة في المكسيك يتم الاستيلاء على الدخل الإضافي بشكل رئيسي من قبل الشركات ومساهميها و ليس من قبل العمال الذين يخلقون القيمة وكما قال الرئيس التنفيذي لشركة يونايتد تكنولوجيز بثقة وحماس أن العمال المكسيكيين يقومون الآن بنفس الوظائف التي يقوم بها نظرائهم في الولايات المتحدة و بنفس المستوى و لكن المكسيكيين لا يتقاضون سوى خمس الأجر.
وتواصل المكسيك العمل على افتراض أن الأجور المنخفضة كافية لاجتذاب واستدامة الاستثمار وتضمن أقصر الطرق إلى القدرة التنافسية وبالتالي، فإن النخبة الاقتصادية المكسيكية ترى أن من واجبها الوطني مواصلة استغلال عمال البلد حيث قد يتطلب تسريع نمو الأجور في الصناعات التحويلية المكسيكية جعل حرية الوصول إلى السوق الأمريكية مشروطة بتسريع نمو تلك الأجور.
كيف يمكن للمكسيك الوفاء بهذا الشرط؟ التشغيل الكامل على المدى الطويل سيؤدي إلى القيام بهذه المهمة، ولكن سوف يكون المفتاح على المدى المتوسط هو حقوق العمل وهي النقابات والمفاوضات الجماعية وحظر عمل الأطفال والعمل الإضافي غير المدفوع الأجر والفصل غير المبرر والاستعانة بمصادر خارجية بشكل مفرط والتدريب على المهارات لتلبية الاحتياجات المتغيرة للاقتصاد.
إن إدخال شروط تتعلق بالأجور في اتفاق نافتا المنقح يمكن أن يكون مفيدا في الولايات المتحدة وكندا كذلك وخاصة فيما يتعلق بحقوق العمال المهاجرين والمقيمين الدائمين. أما بالنسبة للمكسيك، فإن الهجرة والمهاجرين هو أهم موضوع مستثنى من الاتفاق الأصلي وسوف يكون مفتاح النجاح هو عقوبات فعالة على عدم الامتثال تركز على سحب الفوائد التجارية.
أما فيما يتعلق بالفساد أيضا فمن المرجح أن يكون من الصعب على المكسيك المضي قدما دون انضباط خارجي ومما لا شك فيه أن المكسيك سعت منذ العام 2008 إلى تنفيذ إصلاحات كبيرة لنظام العدالة الجنائية وأنشأت في العام الفائت نظاما وطنيا لمكافحة الفساد.
ولكن الحكومة قوضت جهودها على كلا الجبهتين حيث أن نظام مكافحة الفساد لم يرى النور بعد وفي الوقت نفسه، واجهت مطالبات منظمات المجتمع المدني الرئيسية وقادة الأعمال وكبار الأكاديميين لتعيين نائب عام مستقل وفعال ومدعي عام لمكافحة الفساد مقاومة كبيرة.
تتيح إعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) فرصة لتدويل مكافحة الفساد في المكسيك وقد حدد مكتب الممثل التجاري الأمريكي بالفعل الفساد كأحد المواضيع المهمة فعلى سبيل المثال، يجب إدراج الأحكام الرئيسية لقانون ممارسات الفساد الأجنبية في الولايات المتحدة في نافتا الجديدة من أجل رفع معايير الالتزام المكسيكية. والفصل الأخير الذي ينبغي إضافته إلى اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) الذي أعيد التفاوض بشأنه هو أيضا الموضوع الأكثر الحساسية وهو حقوق الإنسان حيث قبلت المكسيك منذ نهاية التسعينيات فكرة إخضاع التزاماتها في هذا المجال للتدقيق الدولي.
ولكن هذا العام قد يكون العام الأكثر عنفا في المكسيك منذ العام 2006 عندما أعلنت «الحرب على المخدرات» وهناك ما يدعو للاعتقاد بأن القلق في الولايات المتحدة بشأن وباء الأفيون المتفاقم الذي يفترض أنه ينبع من حقول الخشخاش في المكسيك سيكثف الجهد الحربي ومعه انتهاكات حقوق الإنسان. ومع فشل الحكومة المكسيكية في ترجمة خطابها حول حقوق الإنسان إلى عمل، قد توفر «نافتا» آلية قوية لتحسين النتائج وينبغي أن تشمل الأهداف المحددة تحسين المساواة بين الجنسين في الأجور وتحقيق توازن أفضل بين ازدهار المصدرين الزراعيين و بين العمال الزراعيين و الكثير منهم من السكان الأصليين.
ولا ينبغي اعتبار الاتفاقات التجارية مثل «نافتا» بمثابة مواثيق لحقوق الشركات الكبرى بل يجب أن تخدم المواطنين العاديين وأن تعالج مشاكلهم وتحقيقا لهذه الغاية، يجب أن تتخذ الصفقات التجارية اليوم نهجا تعاونيا يشدد على بناء القدرات و يشجع على مشاركة المواطنين النشطة مع التأكيد على الوضع القانوني للمجتمع المدني في كل بلد من أجل عرض القضايا في إطار اتفاق يعاد التفاوض بشأنه.
وحتى تكون إعادة التفاوض بشأن اتفاق التجارة الحرة لأمريكا الشمالية (نافتا) جديرة بالاهتمام يجب أن تعالج قضايا الأجور و الفساد وحقوق الإنسان وجميع التحديات الخطيرة التي تواجه المكسيك اليوم و إذا فعلت ذلك فسوف تكون كندا والولايات المتحدة أفضل حالاً كذلك.

خورخي كاستانيدا: وزير خارجية المكسيك الأسبق (2000-2003)

كارلوس هيريديا: عضو سابق في الكونجرس الاتحادي المكسيكي