خطر الفوضى الاقتصادية الجديدة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٥/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٥:١٠ ص
خطر الفوضى الاقتصادية الجديدة

محمد عبدالله العريان
في الشهر المقبل، عندما يجتمع وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية من أكثر من 180 دولة في واشنطن العاصمة لحضور الاجتماعات السنوية المشتركة لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، سوف يواجه المجتمعون نظاما اقتصاديا عالميا يخضع لضغوط متزايدة الشدة. فبعد فشله في تسليم الرخاء الاقتصادي الشامل الذي كان قادرا على تسليمه، أصبح هذا النظام موضع شكوك متناميا ولو لم يُصَحَّح المسار، سيتفاقم خطر تسبب نظام اليوم في إحداث فوضى اقتصادية عالمية.
يستند النظام الاقتصادي الدولي الحالي، الذي قادته الولايات المتحدة وحلفاؤها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى مؤسسات متعددة الأطراف، بما في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. كانت هذه المؤسسات مصممة لبلورة التزامات الدول الأعضاء، وقد جسدت مجموعة من أفضل ممارسات السياسة الاقتصادية والتي تطورت إلى ما أصبح يُعرف باسم "إجماع واشنطن".
امتدت جذور ذلك الإجماع إلى نموذج اقتصادي كان يرمي إلى تعزيز تفاعلات متبادلة بين الدول تُفضي إلى فوز جميع الأطراف، وكان يشدد على تحرير التجارة، وتدفق رؤوس الأموال غير المقيدة نسبيا عبر الحدود، وتسعير السوق الحرة، وإلغاء القيود التنظيمية المحلية.
على مدار عدة عقود من الزمن، كان النظام الدولي بقيادة الغرب يسير على ما يرام، فساعد في تحقيق الازدهار والاستقرار المالي النسبي ومن ثم اهتز بفِعل الصدمات المالية التي بلغت ذروتها في أزمة 2008 التي دفعت العالَم إلى حافة كساد مدمر.
غير أن الأزمة لم تظهر فجأة بل كان تطور النظام العالمي مسبوقا بتغيرات اقتصادية بنيوية على الأرض، حيث استغرقت مؤسسات الحكم المتعددة الأطراف وقتا طويلا قبل أن تدرك أهمية التطورات الجارية في القطاع المالي وأثرها على الاقتصاد الحقيقي، وقبل أن تُفسِح المجال الكافي للاقتصادات الناشئة.
على سبيل المثال، كانت هياكل الحكم، بما في ذلك قوة التصويت، متوافقة مع الواقع الاقتصادي للأمس على نحو أفضل من توافقها مع واقع الحاضر والمستقبل. ولا تزال الجنسية، وليس الجدارة، الدليل المهيمن لتعيين قادة هذه المؤسسات، حيث لا تزال المناصب العليا محفوظة لمواطنين أوروبيين وأمريكيين.
وقد تفاقمت العواقب المزعزعة للاستقرار الناجمة عن هذا الفشل الذريع في إصلاح الحوكمة المتعددة الأطراف بالقدر الكافي بفِعل نضال الصين من أجل التوفيق بين أولوياتها المحلية ومسؤولياتها الاقتصادية العالمية باعتبارها الدولة صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالَم. كما فشلت دول أخرى عديدة، وخاصة بين الاقتصادات المتقدمة، في تحويل سياساتها المحلية بما يعبر عن التغيرات الطارئة على العلاقات الاقتصادية نتيجة للعولمة، والتحرير، وإلغاء الضوابط التنظيمية.
ونتيجة لكل هذا، أصبح التوازن بين الفائزين والخاسرين أكثر تطرفا وتزايدت إدارته صعوبة، ليس فقط على المستوى الاقتصادي، بل وأيضا على المستويين السياسي والاجتماعي. ومع شعور أعداد كبيرة من الناس بالتهميش والحرمان والغضب من القيادات والمؤسسات التي سمحت بحدوث كل هذا تضاعفت حدة ضغوط السياسات المحلية إلى الحد الذي أدى إلى انغلاق الدول على نفسها.
وينعكس هذا الميل في التحديات الأخيرة للعديد من مظاهر النظام الاقتصادي، مثل اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، فضلا عن انسحاب أمريكا من الشراكة عبر المحيط الهادئ وتنازل المملكة المتحدة عن عضوية الاتحاد الأوروبي. وكل هذا يلقي بظلاله على مستقبل النظام الاقتصادي العالمي.
ويُعَد تحول أمريكا إلى الداخل، والذي كان جاريا بالفعل لسنوات عديدة، مؤثرا بشكل لخاص، لأنه يترك النظام العالَمي بلا قائد رئيسي.
وتستجيب الصين للضعف الذي اعترى قلب النظام العالمي بتسريع جهودها الرامية إلى بناء شبكات صغيرة، بما في ذلك حول هياكل السلطة التقليدية التي يهيمن عليها الغرب. وقد شمل هذا إنشاء البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، ونشر اتفاقيات المدفوعات الثنائية، وملاحقة "مبادرة الحزام والطريق" لتشييد بنية أساسية تربط الصين بغرب آسيا، وأوروبا، وأفريقيا.
وتعمل هذه الديناميكيات على تغذية التوترات التجارية وزيادة خطر التفتت الاقتصادي. وإذا استمر هذا الاتجاه، ستصبح الهيئة الاقتصادية والمالية العالمية غير مستقرة على نحو متزايد، فتتضخم التهديدات الجيوسياسية والأمنية في وقت، حيث يشكل تحسين التنسيق عبر الحدود أهمية بالغة لمعالجة التهديدات التي تفرضها قوى غير تابعة لدول بعينها وأنظمة تخريبية، مثل كوريا الشمالية. وبمرور الوقت، ربما تخلف المخاطر المرتبطة بهذا التحول نحو الفوضى الاقتصادية العالمية تأثيرات سلبية شديدة على الساحة الجيوسياسية والأمن القومي.
لا شيء من هذا جديد. ولكن من عام إلى آخر، يفشل كبار المسؤولين الحكوميين في اجتماعات صندوق النقد الدولي/ البنك الدولية السنوية في معالجة هذه المخاطر. وليس من المرجح أن يكون هذا العام مختلفا.
رغم أن كل هذا مفهوم، فهو ليس جيدا بالقدر الكافي. والواقع أن الاجتماعات المقبلة تتيح فرصة لبدء مناقشة جادة لكيفية وقف ديناميكيات الخسارة للجميع التي اكتسبت المزيد من الثِقَل في الاقتصاد العالمي. وكلما استغرق غرس بذور الإصلاح وقتا أطول، كلما تضاءل احتمال تجذرها وكلما ارتفعت احتمالات نشوء فوضى اقتصادية عالمية تعود بالخسارة على الجميع.
محمد عبد الله العريان كبير المستشارين الاقتصاديين في أليانز.