سمعان كرم
في الساعة الثانية صباحاً هبطت الطائرة في مطار رفيق الحريري في بيروت. وبالرغم من التوقيت الصعب هذا، كان في استقبال وفد غرفة سلطنة عُمان ورئيسها، سعادة سفير السلطنة في لبنان وسعادة سفير لبنان لدى السلطنة ورئيس غرفة بيروت وجبل لبنان وكثيرون من العاملين معهم ومنذُ ذلك اللحظة حتى عودتنا، غمرنا اللبنانيون بالضيافة الطيبة والمشاعر الأخوية الصادقة. وزادت البهجة على وجوههم عند لقائنا في هذه الفترة التي يعكف فيها الكثير من الأخوة العرب عن السفر إلى لبنان. وخلال يومين التقينا أطراف الاقتصاد اللبناني واطلعنا على التحديات التي يواجهها، وتعرفنا على مراكز القوة في هذا الاقتصاد الذي قاوم -ولا يزال- آثار وذيول حروب في داخله وفي المنطقة.
اجتمعنا مع جمعية الصناعيين وعلمنا ولدهشتنا أن الصناعات التحويلية، الصغيرة والمتوسطة، تشكل 10 % من الناتج القومي وهو رقمٌ عالٍ في بلد لا توجد لديه أي موارد أولية. وأخبرناهم عن خطتنا الخمسية التاسعة والاهتمام التي توليه لقطاع الصناعات التحويلية وشجعناهم لتوسيع أعمالهم في أسواق جديدة عن طريق إنشاء شراكات مع رجال الأعمال العمانيين، وتشييد مصانع في المناطق الصناعية، خصوصاً تلك التي في المحافظات والاستفادة من الميزات المقدمة فيها. وقد نتج عن هذا اللقاء احتمال قيام مصنع للتغليف والتعليب في منطقة سمائل فوقعت مذكرة تفاهم لهذا الغرض، وأخرى لتوريد بعض المواد الكهربائية المصنعة في لبنان والتي تحتاجها المصانع العمانية.
واجتمعنا مع جمعية المقاولين اللبنانيين والذين ينظرون ويأملون بريادة إعادة إعمار سوريا، وبحثنا إمكانية التعاون في هذا المجال عندما يحل السلام على البلد الشقيق والجريح. فالمقاولون العمانيون متقدمون في تطبيق السلامة المهنية في مواقع العمل، وضمان الجودة ووفرة المعدات والآليات وتدريب اليد العاملة الوطنية وتبني المسؤولية الاجتماعية. والمقاولون اللبنانيون يذخرون بالمهندسين والفنيين والموارد البشرية الماهرة بشكل عام، كما انهم يتمتعون بروح عالية للريادة وإدارة المخاطر والأزمات. قد يتكامل الطرفان فيما لو وضعنا طاقاتهم سوية أن في سوريا أو في أسواق يعرفها اللبنانيون مثل بلاد أفريقيا.
كذلك اجتمعنا مع أصحاب العلامات التجارية المميزة والتي تضاهي العلامات التجارية العالمية وتمت تفاهمات ثنائية لإدخالها إلى سوق السلطنة وعرضها في المراكز التجارية العمانية، إذ ضم الوفد العماني من كبار المستثمرين في هذا القطاع.
وبعدها اجتمعنا بجمعية المصارف اللبنانية وكم كانت دهشتنا وفرحتنا كبيرة حين تطلعنا على قوة وصلابة هذا العمود الفقري للاقتصاد، الذي يحوز على ثقة ودعم أبنائه المقيمين والمغتربين. فودائع البنوك اللبنانية تقدر بحوالي 130 بليون دولار، وبالإضافة إلى عشرة بلايين تشكل قيمة احتياطي الذهب وودائع أخرى لدى المصارف في خارج لبنان والتي تقدر بحوالي 40 بليون دولار. فيكون مجموع الودائع حوالي 180 بليون دولار لبلد لا يتعدى ناتجه القومي 42 بليون دولار أي نصف الناتج القومي العماني تقريباً.
وخلال زيارتنا لمؤسسة ايدال الحكومية وهي الرديف للمحطة الواحدة والتي أنشئت لتسهيل وتشجيع الاستثمار الأجنبي والداخلي واطلعنا على الميزات والحوافز المقدمة للمستثمرين والتي تتنوع حسب القطاعات المستهدفة من جهة وحسب موقع المشروع في المحافظات الخمس من جهة أخرى. ويشكل الاستثمار العقاري والسياحي حالياً أكبر جزء من الاستثمارات.
وفي موعد آخر، عرضت لنا وزيرة مالٍ سابقة مشروع اقامة منطقة اقتصادية في طرابلس وهي عاصمة الشمال تكون متاخمة لثاني اكبر ميناء في لبنان بعد ميناء بيروت حيث بوشرت أعمال ردم لبحر لتلك الغاية. ويأمل المسؤولون عن المشروع أن يصبح مدخلاً لغرب سوريا عند استتباب الأمن فيها.
كما عرض علينا أحد الاختصاصيين خبرة لبنان في وضع قانون للشراكة بين القطاع العام والقطاع لخاص والخصخصة بشكل عام. (PPP) واهتممنا بتجربتهم إذا أن السلطنة ماضية في تحضير قانون مماثل لنفس الأغراض الاقتصادية.
ومن ثم زرنا مشروع الوسط التجاري (سوليدير) وشاهدنا الآثار القديمة التي كشفتها أعمال الحفريات تلك ألآثار التي تفتخر بها هذه العاصمة العربية العريقة.
لقد ثمن الأخوة اللبنانيون زيارتنا لهم في الظروف الراهنة وثمن وفدنا الحفاوة والتنظيم الدقيق الذي استثمر في كل دقيقة من الزيارة.
قد لا ينتج عن هذا اللقاء سوى بعض المشاريع المشتركة، لكنه شكل مدخلاً للمزيد من التفاعل الأخوي بين السلطنة وهذا البلد الصغير ذو القلب الكبير.