اكتشفوا ترامب

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٢١/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٥:٠٢ ص

إليزابيث درو

من المتفق عليه عمومًا في واشنطن العاصمة أن رئاسة دونالد ترامب تدخل مرحلة جديدة. ولكن تعريف هذه المرحلة على وجه التحديد أمر مُعضِل وملتبس.

كان من المتوقع عل نطاق واسع أن يؤدي إبعاد ستيفن بانون كبير مستشاري البيت الأبيض الأسبق والتجسيد المقيم للقومية الأمربكية البيضاء إلى جعل الإدارة تجري بقدر أكبر من السلاسة، وتخفيف حِدة (وإن لم يكن القضاء على) الاقتتال الداخلي، وتقليل عدد التسريبات. وربما أصبحت الحرب الداخلية أكثر هدوءًا منذ تولى جون كيلي منصب رئيس هيئة العاملين في البيت الأبيض، وفَرَض المزيد من النظام في الجناح الغربي. ولكن ما دام ترامب رئيسًا، فلن يكون النظام السمة الرئيسية للبيت الأبيض. والواقع أن ترامب لا يزال على اتصال دائم بستيفن بانون، الذي عاد إلى تولي المسؤولية في بريتبارت نيوز.

كان من المحتم، بحلول أوائل سبتمبر، بعد مرور خمسة أسابيع كاملة على كيلي في منصبه، أن يبدي ترامب الانزعاج في ظل القيود التي فرضها رئيس هيئة العاملين لديه. الواقع أن كيلي فرض ضوابط مشددة على عملية اختيار من يدخل المكتب البيضاوي، وهو يتنصت على أغلب مكالمات ترامب الهاتفية خلال ساعات العمل، وهو من يقرر أي قطعة من الورق تصل إلى مكتب الرئيس، مما يزيل الخطب المطولة المفرطة في الإيديولوجية التي تعود بعض الموظفين على تمريرها إليه خلسة.
المشكلة أن ترامب يحب الفوضى، وهكذا كان يدير أعماله، وهو لا يحب أن يسوسه أحد. وكان يحب السماح لأشخاص مفضلين بالدخول إلى مكتبه وقتما شاءوا، وكانت عقيدته الإدارية تتلخص في تأليب الناس على بعضهم بعضا. وهو لا يكلف نفسه عناء السيطرة على انفعالاته عندما يتعامل مع مساعديه. وحتى كيلي، وهو جنرال سابق في سلاح البحرية، وقع تحت سياط لسان ترامب. والآن يراهن المراقبون على متى يقرر كيلي أنه نال ما يكفي.
لم أعهد البيت الأبيض قَط بهذه الصورة إذ يعتمد قدر كبير من الأمر على من جلب على نفسه غضب الرئيس. كان جاري كوهن، رئيس جولدمان ساكس الأسبق وكبير مراقبي العمليات الذي يشغل منصب المستشار الاقتصادي للرئيس ترامب، آخر المقالين. وكانت الخطيئة التي ارتكبها كوهن أنه أذاع علنًا أنه كاد يستقيل في أعقاب أعمال العنف التي اندلعت الشهر الفائت في شارولتسفيل في ولاية فرجينيا، عندما ساوى ترامب بين المتظاهرين من المؤمنين بتفوق العِرق الأبيض والنازيين الجدد، الذين كان كثيرون منهم يحملون السلاح، وبين أولئك الذين عارضوهم.
في واقع الأمر، ربما يتعاطف المرء بعض الشيء مع رئيس يريد مساعده أن يلعب على الحبلين، كما فعل كوهن فيبدي الألم والأسى دون أن يلحق ذلك بالأفعال. ولكن ربما تنشأ المشاكل عندما يختار الرئيس تجاهل كبير مستشاريه الاقتصاديين. فقد اعتُبِر كوهن واحدًا من الأصوات الأكثر اعتدالًا في الإدارة، وكان يريد أن يخلف جانيت يلين كرئيس لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي.
في أوائل سبتمبر بلغت التكهنات حول إمكانية ظهور «ترامب جديد» ذروتها، عندما أبرم الرئيس اتفاقًا مفاجئًا مع القادة الديمقراطيين في الكونجرس. فقد اتفق ترامب مع زعيمة الأقلية في مجلس النواب نانسي بيلوسي، ونظيرها في مجلس الشيوخ تشاك شومر، على كيفية زيادة سقف الدين الفيدرالي، الذي يتعين على الكونجرس رفعه كل عام مع زيادة الإنفاق، وتوسيع الاعتمادات للإبقاء على الحكومة عاملة (لأن الكونجرس يفشل بشكل روتيني في تدوين فواتير الاعتمادات في الوقت المحدد). وكان كل من البندين مربوطًا باعتماد خاص في أعقاب إعصار هارفي لتغطية تكاليف جهود إعادة البناء، ولاحقًا إعصار إيرما الأكبر.
في خضم المناقشة في اجتماع المكتب البيضاوي مع بيلوسي وشومر، قاطع ترامب وزير الخزانة ستيف منوشين عندما كان يدافع عن موقف الجمهوريين بأن هذه القضايا ينبغي أن تؤجل لمدة 18 شهرًا، إلى ما بعد انتخابات الكونجرس في العام 2018. وقد زعم الديمقراطيون أن زيادة سقف الدين وتوسيع الاعتمادات ينبغي أن يدوم لمدة ثلاثة أشهر فقط، مما يجبر الجمهوريين على الإدلاء بأصوات فيها مخاطرة انتخابية قبل انتخابات 2018.
قبل الاجتماع، رَفَض رئيس مجلس النواب بول ريان بشدة اقتراح الديمقراطيين. ولكن فجأة، وبدون حتى إخطار مساعديه، تبنى ترامب الاقتراح. وبهذا، قَبِل مؤلف كتاب «فن الصفقات» موقف الديمقراطيين المنفتح.
وذهب المعلقون إلى المبالغة، فأضفوا على الأمر أهمية كبيرة: فالآن لم يعد ترامب جمهوريًا بل مستقلًا. وربما ينشئ حزبًا ثالثًا. وكان ذلك التحرك بمثابة بداية طريقة جديدة للحكم.
حقيقة الأمر أن ترامب ربما رأى فرصة وانتهزها. ففي غياب أي إنجازات تشريعية حقيقية يستطيع أن ينسبها إلى نفسه، يصبح بهذا وكأنه فعل شيئًا. وكان قادة الجمهوريين في الكونجرس، وريان، وزعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، على خلاف مع ترامب لبعض الوقت، لأنهم كانوا عاجزين عن تنفيذ أجندته التشريعية. وقد شعر بالحرج والغضب إزاء فشلهم في إلغاء وإحلال قانون الرعاية الميسرة، أو أوباما كير. (لم يعترف ترامب بمساهماته الخاصة في الكارثة). وفي ما يتصل بالعديد من القضايا، يفتقر ترامب إلى الأغلبية الحاكمة في مجلس الشيوخ.
في خضم كل هذه الإثارة بشأن اصطفاف ترامب مع الزعماء الديمقراطيين، جرى تجاهل حقيقة مفادها أن القضية المطروحة تتعلق بتوقيت التشريع، وليس جوهره. والواقع أن المناقشات المحتدمة اللاحقة حول معتقدات ترامب الأساسية فربما كان ديمقراطيًا في السِر، فقد تبرع لمرشحين ديمقراطيين ذات مرة وكان متعاطفًا مع مواقف الديمقراطيين (مثل موقفهم من الإجهاض)، -أخطأت بيت القصيد. ذلك أن ترامب لا يعتنق فلسفة سياسية بعينها، بل هو انتهازي متعطش للدعاية والثناء.
بيد أن هذا السلوك الجاحد ربما يتبين أنه ذاتي الدفع. فعلى الرغم من ازدرائه لوسائل الإعلام «غير الشريفة»، كان ترامب مبتهجًا إزاء التغطية الصحافية الإيجابية التي حظيت بها خطوته الثنائية الحزبية. وربما يغريه هذا فيحاول القيام بتحركات أخرى من القبيل نفسه.

تكتب بشكل منتظم لصالح مجلة مراجعة الكتب النقدية «نيويورك بريفيو أوف بوكس»، وهي مؤلفة كتاب «يوميات واشنطن: تقرير واترجيت وسقوط ريتشارد نيكسون».