«البراجماتية» العُمانية

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:٣٠ ص
«البراجماتية» العُمانية

محمد بن سيف الرحبي
www.facebook.com
msrahbyalrahby@gmail.com

كلما تقاربت عُمان مع جارتها إيران أصابت الحساسية بعض الذين لم يقرؤوا التاريخ، ولم يصيبوا شيئا من تحديات الجغرافيا، وهي التي تضعك في أمكنة ليس بيدك تغييرها، وبجوار من لم تختره، تماما كما يأتي الإنسان دون اختيار لوالديه أو لون بشرته.

وقدرنا الجغرافي في عُمان أن نكون بجوار دول من العيار الثقيل، تاريخيا أو سياسيا أو بشريا، وما في ذلك من مصاعب التعامل وقسوة الخيارات ومزالق المواقف، إيران والسعودية واليمن.. كحدود متقاربة ومتشابكة، إنما جرى التعامل معها بحكمة «أغضبت أو أرضت» نزعت فتائل المواجهات بسبب الحدود، لكن بقيت الحسابات الأخرى تحتاج إلى ذات الوضوح، وهذا ما تقوم به السلطنة، مع أنه يبدو غامضا للكثيرين، أولئك الذين يغيب عنهم قراءة التاريخ.. والجغرافيا.
عُمان، بعمقها العربي والإسلامي لا يمكنها أن تفصل نفسها عن أفقها الغربي، حيث التراب يلامس التراب، والتقارب الاجتماعي يسمو فوق السياسي الذي قد يتأثر إيجابا أو سلبا بمصالح وقتية وظروف التباسات في الفهم والتوجهات، إنما سياسة التهدئة بدت حزام الأمان الذي يقي من انقطاع شعرة معاوية بين عُمان وجيرانها، فعُمان بقيت وفية لعمقها الخليجي إلا فيما يمسّ خياراتها السيادية، كسحب سفراء أو اتخاذ مواقف عدائية ضد آخرين، ما دامت لغة الحوار متاحة لحل جميع المشاكل.
وعُمان لم تكن يوما بعيدة عن جوارها خلف المياه الزرقاء، إيران وباكستان والهند، جيرانها الأوفياء الذين كتبت معهم تاريخا ممتدا بامتداد الخليج العربي وبحر عُمان وبحر العرب والمحيط الهندي، وكانت العلاقات اجتماعية أيضا، حيث التوجه العُماني شرقا لم يكن وليد اليوم أو نتيجة مواقف سياسية عابرة ومؤقتة، فجيش الشاه الذي تحرك لدعم القوات العُمانية في حرب ظفار لطرد آخر فلول الشيوعية لم يكن سوى فاصلة صغيرة في حركة واسعة تعرفها دروب السياسيين والتجار والمغامرين.

ليس بوسع عُمان أن تقف في وجه إيران وأطماعها التوسعية إن كانت بلدان العرب بها من يرحب بتدخلات كهذه، كأنما علينا أن نخسر صديقا عتيدا من أجل آخرين لم يشعرونا بالثقة بمواقفهم، وبلادنا ليست «إمّعة» ليتجاذبها هذا أو ذاك، بل دولة محفور اسمها بإزميل التاريخ في صخور منذ آلاف السنين، وواجبها أن تحترم إرثها الحضاري فتكون لها كلمتها الحافظة لمكانتها، ما دام أنها لم تتلوّن كما تلوّن آخرون، بل سياستها واضحة، تقول في السر كما تعمل في الجهر، ولا تتبع مقولة القائل «هم يكذبون علينا ونحن نكذب عليهم».

تلك سياسة دول لا تفكر بالعواطف، إنما شخصيا أكره التدخلات الإيرانية وما جرّته من صراعات طائفية في عدد من بلداننا العربية، والادعاء بأنها لا تتدخل في تلك الدول يندرج في قائمة الكذب، تماما كما يكذب آخرون بأنهم لا يتدخلون في شؤون الآخرين..

وما دام جوهر سياستنا قائم على احترام الآخرين وعدم التدخل في شؤونهم، فهذا منزع إنساني نسانده، والتاريخ لن يرحم لكل منّا ما اقترفته يداه، إن كان خيرا فخير.. وإن كان شرا.. فشر.