متى تكون مكافحة الفساد تستحق العناء؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:١٥ ص
متى تكون مكافحة الفساد تستحق العناء؟

بيورن لومبورج

تسبب الفساد في خسارة حوالي تريليون دولار أمريكي في العام الفائت وهو مبلغ لم يكن متوفرا من أجل توسيع الرعاية الصحية أو حرية الوصول للتعليم أو تحسين التغذية أو تنظيف البيئة فطبقا لمؤسسة الشفافية الدولية 68% من الدول لديها مشكلة فساد خطيرة كما لا يوجد بلد محصن تماما .
إن الفساد هو أحد أوجه الحكم السيء وفي واقع الأمر هو مرتبط بالإدارة العامة غير الفعالة والمساءلة الضعفية والشفافية المحدودة والتطبيق المتقلب لحكم القانون وعليه فليس من الغريب أن أهداف التنمية المستدامة الجديدة للأمم المتحدة والتي بدأ تطبيقها هذا العام تسعى لمحاربته ومهما يكن من أمر فإن أهداف التنمية المستدامة الجديدة تمثل خروجا عن إطار التنمية السابق أهداف تنمية الألفية والتي لم تتضمن أهدافا واضحا تتعلق بالفساد.
إن النجاح سوف يكون له فوائد كثيرة : خدمة عامة أفضل ونمو إقتصادي أعلى وإيمان أكبر بالديمقراطية ففي إستطلاع عالمي مستمر والذي إجتذب لغاية الآن 9،7 مليون مشاركة " كانت الحكومة الأمينة والمتجاوبه" هي رابع أولوية تحظى بالشعبية فيما يتعلق بالسياسات حيث جاءت بعد التعليم والرعاية الصحية والوظائف الأفضل .
المشكلة هي أن أهداف التنمية المستدامة كثيرة- 169 بالإجمالي – ولدرجة أنها تعد بكل شيء تقريبا للجميع وبدون الوقت أو الموارد الكافية من أجل التركيز على كل شيء، فسوف تقوم البلدان بتحديد أولوياتها. لقد عمل مركز الأبحاث العائد لي مركز إجماع كوبنهاجن مع أكثر من 60 فريق من الخبراء من أجل تحليل الأهداف الموعودة لتحديد ما هي تكلفة كل منها وما الذي سوف يحققه وذلك حتى تكون هناك معلومات كافية قبل تحديد الأولويات.
لقد قام إقتصاديون حائزون على جائزة نوبل بفحص هذه الأبحاث الجديدة وحددوا 19 هدف عظيم سوف يحققوا أكبر فائدة لكل دولار يتم إنفاقه وهذه الإهداف تتضمن تأمين حرية الوصول لوسائل منع الحمل وزيادة مكافحة مرض السل وتوسيع القدرة على الوصول لرياض الإطفال في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية. لقد أوصى الإقتصاديون بإن تقوم الجهات المانحة والحكومات في العالم بالتركيز أولا على هذه الإستثمارات .
إن أهداف الأمم المتحدة المتعلقة بالفساد والحكم والتي يصل عددها إلى 12 هدف لم تكن ضمن هذه الإستثمارات الإستثنائية . إن أحد أسباب ذلك هو أن عدد من "أهداف " الأمم المتحدة في هذه المجالات هي واسعة جدا لدرجة أنها تصبح بدون معنى . إن من الجيد أن نقول أننا نريد أن " نطور مؤسسات فعالة وتخضع للمساءلة على جميع المستويات " و " نخفض بشكل كبير الفساد والرشوة بجميع إشكالها " ولكن من أين نبدأ؟
على الرغم من سنوات عديدة من الجهود لم يتم التوصل إلى أسلوب بسيط من أجل تحقيق الحكم الرشيد أو مؤسسات خالية من الفساد . إن أحد هذه التحديات هو أن الخبراء لا يتفقون على ما إذا كان الحكم الرشيد يجب أن يأتي أولا أو التنمية . تاريخيا كان ينظر للنظم القانونية الجيدة مثل حقوق الملكية المؤمنة وحكم القانون كأهم عامل وراء الإختلافات في ثروة الدول وكان يتم الربط بين زيادة الفساد والنمو الأقل ولكن أظهرت التحليلات الأخيرة إنه من الممكن كذلك أن تؤدي الثروات الأكبر والنمو الإقتصادي لحكم أفضل.
كشفت دراسة اجريت على 80 بلدا حاول البنك الدولي فيها تخفيض الفساد تحسن في 39% منها وتدهور في 25% منها والمزعج بالأمر هو أن جميع البلدان التي لم يقدم البنك الدولي فيها المساعدة كان فيها نفس معدلات النجاح والفشل مما يوحي بإن برامج البنك الدولي لم تحدث أي فرق.
لكن الخبراء الذين جندهم مركز إجماع كوبنهاجن وجدوا هدف مرتبط بالحكم يمكن أن يحقق الفائدة لكل دولار يتم إنفاقه : " بحلول سنة 2030 توفير هوية قانونية للجميع بما في ذلك تسجيل الولادات " . قد يبدو ذلك هدفا غير طموح بالمرة مقارنة بالقضاء على جميع أشكال الفساد أو خلق مؤسسات تتمتع بالشفافية في كل مكان ولكن في العديد من البلدان النامية فإن تحقيق الهدف القابل للقياس والمتعلق بهوية قانونية عالمية سوف يحدث فرقا حقيقيا .
إن تحقيق هذا الهدف يتطلب خدمات عامة تؤدي عملها وذلك من أجل توفير تسهيلات التسجيل والمحافظة على السجلات . إن ترسيخ مثل هذه القدرة المؤسساتية سوف يخلق نموذجا واضحا لكيفية توفير الخدمات الأخرى بشكل فعال وعمليا فإن من شبه المؤكد أن وجود خدمة تسجيل تؤدي عملها لن يكون ضمن فراغ بل ستكون هذه الخدمة إشارة على كفاءة إدارية ناشئة.
لكن الأمر لا يتعلق بالبيروقراطية فقط فهناك فوائد حقيقية للمواطنين فهم يستطيعون المطالبة بالحقوق القانونية بما في ذلك حقوق الملكية والتي تعتبر حيويه من أجل السماح للأفراد بالنجاح والإقتصاد بالنمو كما إن الإنتخابات تصبح أقل عرضة للفساد والتزوير عندما يكون الناخبين مسجلين بشكل صحيح .
لو أردنا جعل مكافحة الفساد أولوية قصوى فسيتوجب علينا أن لا نكتفي بشعارات عريضه تنم عن حسن النية بل يتوجب علينا العمل على نهج محدد ومجرب وفعال مثل توفير الهوية القانونية للجميع.
لكن يتوجب علينا كذلك التعامل مع إحتمالية إنه عندما يتعلق الأمر بمساعدة فقراء العالم فإن سياسات مكافحة الفساد قد لا تكون أفضل مجال لإنفاق نقودنا أولا وهذا يعود جزئيا لأن هناك طرق أكثر فعالية بكثير من أجل التعامل مع المشاكل مثل السل أو حرية الوصول لوسائل منع الحمل بالإضافة إلى كون سياسات مكافحة الفساد الحالية مرتفعة الثمن وبالكاد تحقق شيئا.
إن هذا لا يجعلنا ننكر بإن الفساد يؤثر سلبا بشكل كبير على الفقراء ولكن هناك العديد من التحديات من نقص الرعاية الصحية وحتى المجاعات والتلوث والتي تؤذي الفقراء أيضا والتي نستطيع أن نتعامل معها بشكل أكثر فعالية.
إن التركيز على ماذا نستطيع عمله بشكل جيد يبدو أقل إثارة للإعجاب من الوعد بكل شيء للجميع حتى يحين وقت الإنجاز . إن أولئك الذين يحددون الأولويات بشكل صحيح سوف يساعدون في نهاية المطاف عددا أكبر من الناس.

مدير مركز إجماع كوبنهاجن وأستاذ زائر في كلية كوبنهاجن للتجارة.