ثورة الاستثمار الاجتماعي

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٢٤/فبراير/٢٠١٦ ٠٠:١٥ ص
ثورة الاستثمار الاجتماعي

يورج زلتنر

في عام 1972، خلال الزيارة التي قام بها ريتشارد نيكسون إلى بكين، سُئِل تشو ان لاي، أول رئيس وزراء لجمهورية الصين الشعبية، عن رأيه في التأثير الذي خلفته الثورة الفرنسية عام 1789، ويُقال إن رده كان: "من السابق لأوانه كثيراً أن نجزم".
ولعل تشو أساء فهم السؤال (متصوراً أنه كان يشير إلى العصيان الفرنسي في مايو 1968). ولكن إجابته ربما يمكن تطبيقها بنفس السهولة على الثورة التي هزت مؤخراً عالَم العمل الخيري. وقد تكون عواقب هذه الثورة بعيدة المدى ــ ولكن فهم هذه العواقب بشكل كامل سوف يستغرق بعض الوقت.
بدأت ثورة العمل الخيري في نوفمبر عندما أعلنت مجموعة تتألف من نحو ثلاثين ملياديرا، بما في ذلك جيف بيزوس من أمازون، وريتشارد برانسون من فيرجين، وجاك ما من علي بابا، عن تشكيل تحالف اختراق الطاقة. وقد وَعَد تحالف اختراق الطاقة بإنشاء "نموذج جديد" قادر على الاستفادة من الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتعبئة الاستثمارات "في حلول الطاقة القادرة حقاً على تحويل المستقبل".
وبعد فترة وجيزة من هذا الإعلان جاء تعهد مارك زوكربيرج وبيرسيلا تشان بتخصيص 99% من أسهمهما في فيسبوك (والتي تقدر قيمتها حالياً بنحو 45 مليار دولار أميركي) لتحسين حياة المواليد الجدد في مختلف أنحاء العالم. وقد أكَّدا هما أيضاً على أهمية "الشراكة مع الحكومات، والمؤسسات غير الربحية، والشركات".
وكان التطور الذي غير قواعد اللعبة متمثلاً في الاعتراف بفجوة التمويل ــ "الفشل الجماعي" من قِبَل الحكومات، والمؤسسات الخيرية التقليدية، والمستثمرين التجاريين، على حد تعبير تحالف اختراق الطاقة ــ التي تخلق "وادي الموت الذي يكاد يكون من المستحيل اجتيازه بين المفهوم الواعد والمنتَج القابل للتطبيق والنمو".
ولن يتسنى لأي جهة فاعلة ــ سواء كانت حكومة، أو مختبر بحثي جامعي، أو منظمة غير حكومية، أو رجل أعمال، أو مجموعة من المستثمرين ــ أن تتمكن من حل المشاكل الكبيرة حقاً اليوم منفردة. والفجوة ملحوظة في مجالات متنوعة مثل الرعاية الصحية والتعليم ومكافحة تغير المناخ.
ولهذا السبب كانت مبادرة تشان زوكربيرج مصممة لتوظيف أقصى قدر ممكن من المرونة، على النحو الذي يسمح بتوجيه الأموال إلى المؤسسات غير الربحية أو الاستثمارات الخاصة، أو استخدامها للمساعدة في التأثير على مناقشات السياسات. وعلى نحو مماثل، تعهد تحالف اختراق الطاقة بتعزيز عمل الآخرين من خلال تبني "نهج مرن في المراحل المبكرة، وتوفير الاستثمارات البادئة، في ظل التوقعات بتحرك رأس المال التجاري التقليدي نحو الاستثمار في المراحل اللاحقة بمجرد تأمين الاستثمارات وإزالة المخاطر المحيطة بها".
بطبيعة الحال، لا يستطيع حتى أصحاب المليارات حل مشاكل العالم بمفردهم. وسوف يكون لزاماً على أصحاب المصلحة الآخرين أن يضطلعوا بدورهم في الثورة أيضا. ويتعين على المؤسسات الخيرية التقليدية أن تعيد النظر في مجالات تفويضها. كما يتعين على الحكومات أن تبذل المزيد من الجهد لتسهيل زيادة تدفق الأموال الخاصة إلى أصول البنية الأساسية الأكثر استدامة. وبوسع صناع السياسات أن ينظروا في الحوافز الضريبية، بما في ذلك الاعتمادات في المجالات الرئيسية.
والفرصة قائمة لمشاركة صناعة التمويل أيضا، من خلال ما يسمى الاستثمار المؤثر، والذي يهدف إلى تحقيق التقدم الاجتماعي والعائدات المالية المرتفعة بالقدر الكافي لاجتذاب مستثمري القطاع الخاص المنتمين إلى التيار السائد.
لا شك أن القول أسهل من الفِعل. وعلى حد تعبير بِل جيتس، الذي تبرع بقدر من الأموال أكبر مما تبرع به أي شخص آخر في تاريخ العالم: "الكثير من الأشياء لها عائد اجتماعي، ولكنها لا تدر عائداً ماليا. ولا ينبغي لك حقاً أن تتصور أنك يمكنك الحصول على كعكتك والتهامها".
ويصدق هذا بشكل خاص عندما يتعلق الأمر بأولئك الذين يصممون الأدوات المالية للاستثمار المؤثر. ومن بين أكثرها إبداعاً سندات الأثر التنموي، والتي من خلالها يوفر المستثمرون التمويل لمشاريع التنمية، في مقابل عائدات تقدمها الجهات المانحة، أو المنظمات غير الحكومية، أو الهيئات الحكومية، ولكن شريطة تحقيق النتائج المتفق عليها أولا.
على سبيل المثال، يُستَخدَم أحد أشكال هذه السندات في تمويل الجهود الرامية إلى إلحاق الفتيات بالمدارس في ولاية راجستان بالهند. فاعتماداً على معدلات الحضور للبرنامج والنجاح في نقل المهارات الحسابية واللغوية، تدفع مؤسسة صندوق الاستثمار لصالح الأطفال عائداً لحاملي السندات. والأمل أن تنجح مثل هذه البرامج في توفير نموذج يمكن تكراره وترقيته في أماكن أخرى.
وتتمثل فرصة أخرى واعدة في الاستثمار في المرحلة الأكثر خطورة من عملية تطوير العقاقير والأدوية الجديدة: المرحلة بين البحوث الأساسية والتجارب السريرية على البشر، والتي تناضل عادة لاجتذاب التمويل. ففي مقابل كل مليون دولار يُنفَق على هذا الجزء من العملية، يُنفَق نحو 8 مليون دولار على البحوث الأساسية ونحو 20 مليون دولار أخرى على التجارب السريرية.
لقد ساعدت دورات الأرباح الفصلية، والتسعير اللحظي، والمراجعة المستمرة من قِبَل المساهمين في دفع شركات الأدوية نحو مشاريع ذات عوائد ومكافآت واضحة وفورية ــ على حساب أبحاث أكثر نظرية ولكنها من المحتمل أن تحدث تحولاً هائلا. ومع انخفاض أسعار الفائدة إلى أدنى مستوياتها في الكثير من بلدان العالم المتقدم، فإن كبار اللاعبين في النظام المالي لديهم الفرصة ــ وأضيف، المسؤولية ــ للمساعدة في سد هذه الفجوة. فبالإضافة إلى توفير أثر اجتماعي قوي، تستطيع استراتيجية استثمار المرضى في هذا المجال أن تقدم أيضاً عائدات مالية مرتفعة في الأمد البعيد.
الواقع أن الرغبة قوية من جانب كثيرين في صناعة التمويل للدخول في استثمارات قادرة على تحسين العالم. ولن تحقق ثورة العمل الخيري نجاحاً حقيقياً إلا عندما ندرك أننا لا يجب أن نكون من أصحاب المليارات حتى يتسنى لنا أن نحدث الفارق المرغوب.

يورج زلتنر رئيس يو بي إس السويسري لإدارة الثروات.