مسقط - فريد قمر
يشهد العالم تطورًا كبيرًا من حيث استخدام الطاقة البديلة، لا سيما في مجالات حيوية أبرزها قطاع السيارات.
الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والمرشحة لتتصدر اقتصاديات الكوكب بعد نحو عقدين من الزمن، كشفت أنها تعمل على وضع جدول زمني لحظر إنتاج وبيع سيارات الطاقة التقليدية في ظل توجه صناعة السيارات العالمية بشكل متزايد نحو إنتاج السيارات الذكية والكهربائية. إعلان الصين لم يكن يتيمًا، فقد سبقتها دول أخرى في هذا التوجه، فبريطانيا أعلنت عن نيتها حظر بيع أي سيارات جديدة تعمل بالبنزين أو الديزل اعتبارًا من 2040، كما تعهدت فرنسا بالتخلص التدريجي من هذه السيارات في الموعد نفسه، وتسير أسكتلندا على الخطى نفسها وبوتيرة أسرع، إذ إنها ستسبق أخواتها بنحو 6 سنوات. فهل أعلنت الطاقة البديلة العد العكسي لانتهاء العصر النفطي؟ للخبراء رأي آخر.
يقول الخبير النفطي د.جمعة الغيلاني: «رغم كل هذه التطورات فإن مستقبل النفط ما يزال زاهرًا، والطلب العالمي سيستمر كمصدر رئيسي للطاقة في العالم بأسره».
ويضيف الغيلاني في تصريح خاص لـ«الشبيبة»: «من الواضح أن البدائل تنمو يومًا بعد يوم، وهذا مردُّه الرئيس إلى أن الدول الصناعية لا يمكن أن تبقي اقتصاداتها رهينة للدول المنتجة، لكن في المقابل البدائل المتاحة لن تكون جاهزة لأن تحل مكان النفط وأن تلبي الطلب المتزايد والذي يبلغ الآن عشرات الملايين من البراميل يوميًا، فضلًا عن كون كلفة النفط باتت أقل بكثير مما كانت عليه منذ سنوات».
ويعتقد الغيلاني «أن مستقبل النفط لا يعتمد حصرًا على الدول المنتجة، بل كذلك على الدول الصناعية التي تنتمي إليها الشركات النفطية الكبرى، وهذه الشركات تستفيد من النفط أكثر من الدول المنتجة نفسها، وهي ذات تأثير كبير على سياسة الدول التي تنتمي إليها، وهي ليست في وارد الاستغناء عن مصادر ثرواتها».
لكن في المقابل يعتقد الغيلاني أن الأمر لن يكون من دون تأثيرات، لا سيما على سعر النفط، و«سندخل في منظومة تسعير جديدة لن تتحكم فيها الدول المنتجة بالأسعار».
ويؤيد الخبير الاقتصادي لؤي بطاينة وجهة النظر القائلة بعدم أفول قطاع النفط، ويستند في رأيه إلى عوامل عدة أبرزها «أنه في الوقت الذي تتطور فيه البدائل عن النفط، يشهد النفط كذلك تطورًا في استخداماته».
ويضيف بطاينة في تصريح خاص لـ«الشبيبة»: «حتى في حال تراجع السيارات العاملة على النفط فإن هذا لا يعني أننا لن نشهد سيارات عاملة على الوقود في السنوات المقبلة، فضلًا عن كون تلك السيارات ستحتاج إلى الطاقة الكهربائية التي بدورها تحتاج إلى مزودات للطاقة ومحطات ضخمة والتي يعمل جزء كبير منها على النفط».
ويتابع بطاينة: «إن مصادر إنتاج الكهرباء تعتمد إما على النفط والغاز وإما على الفحم وإما على الطاقة النووية، في الوقت الذي لم تستطع فيه الطاقة الهوائية والشمسية أن تحل مكان الطاقة التقليدية».
ويتابع: «إنتاج الطاقة من الفحم يواجه ضغوطًا كثيرة لأسباب بيئية، والطاقة النووية كذلك تواجه صعوبات بسبب المخاوف المرتبطة بها وعدم قدرة الكثير من الدول على امتلاك تقنياتها، لذلك فإن هذا يعدُّ مؤشرًا يدعم التوجه نحو استثمارات نفطية ضخمة».
ويتساءل بطاينة: «ثمة استثمارات ببلايين الدولارات حول العام في النفط، فهل يمكن تخيل أن تلك الاستثمارات ستغدو من دون قيمة خلال سنوات؟! هذا غير ممكن، لكن ما يمكن توقعه هو حصول تحول باستخدامات النفط نفسها فتستمر الاستثمارات والحاجة إلى القطاع النفطي».
بدوره، يستبعد الخبير الاقتصادي الجزائري عبدالرحمن عية انتهاء عصر النفط، «على الأقل ليس قبل 70عامًا». ويقول في تصريح خاص لـ«الشبيبة»: «النفط ليس مجرد مورد طبيعي يجري استخلاص مختلف أشكال الوقود منه، بل من الناحية الاقتصادية هو أحد أشكال الثروة كالذهب والعقارات، سواء في شكله الطبيعي أو من خلال المضاربة عليه بوصفة أصلًا ماليًا في مختلف البورصات العالمية».
ويعتبر عية أنه كان في إمكان الدول المتقدمة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وفرنسا (التي تعدُّ رائدة في الطاقة النووية) أن تستغني بشكل كبير عن النفط، وأن تستبدله بمختلف أشكال الطاقة الأخرى، غير أن ذلك سيؤدي إلى الإضرار بشكل كبير بالشركات البترولية ومصانع سيارات الاحتراق الداخلي ما سينعكس سلبًا على اقتصادياتها، فضلًا عن صعوبة تجاوز تلك الشركات داخل الحكومات نفسها.
ويعتبر عية أن الهدف الأساسي من الإعلان عن الاستغناء عن الوقود وتزامنه مع اقتراب البحث في تخفيض إنتاج النفط هدفه التأثير على الأسعار ومحاولة كبحها، لتبقى عند مستوياتها الحالية، إذ إن الدول الصناعية ترغب في إطالة هذا المستوى المنخفض لتحقيق مكاسب اقتصادية وحتى سياسية.