صانع القواعد الجديد للاقتصاد العالمي

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٣٥ ص

مايكل سبنس

في تعليق نُشر مؤخرًا في صحيفة ساوث تشينا مورنينج بوست، أوضحت هيلين وونج، الرئيسة التنفيذية لبنك اتش اس بي سي في منطقة الصين العظمى، أن جيل المستهلكين الصاعد في الصين وقوامه 400 مليون شاب ستبلغ نسبتهم من الاستهلاك المحلي في الدولة أكثر من النصف في القريب العاجل. ولاحظت وونج أن معظم معاملات هذا الجيل تجري عبر فضاء الإنترنت عبر منصات متحركة مبتكرة ومتكاملة، مشيرة إلى أن هذا الجيل بالفعل «قفز مباشرة من عصر ما قبل الشبكة العنكبوتية إلى الإنترنت المحمول، متخطيًا (مرحلة) الحواسب الشخصية برمتها».

لا شك أن وجود طبقة متوسطة صاعدة في الصين أمر معروف للجميع، لكن ما يفتقر إلى الاهتمام الكافي حتى الآن هو مدى تأثير المستهلكين الصغار ذوي التوجهات الرقمية على النمو السريع في صناعات الخدمات بالصين وقيادتهم له.

قبل سنوات قليلة، كان الكثير من الخبراء يشككون في قدرة الصين على إنجاز التحول من اقتصاد يهيمن عليه التصنيع كثيف العمال، والصادرات، واستثمارات البنية التحتية، والصناعة الثقيلة إلى اقتصاد خدمات يعززه الطلب المحلي.
في السنوات الأخيرة، اتجهت الصين للتخلص من قطاعات الصادرات كثيفة العمال ونقلها للدول الأقل تطورًا بتكاليف عمال أقل. كما حوّلت قطاعات أخرى إلى أشكال إنتاجية تعتمد بدرجة أكبر على التكنولوجيا الرقمية وكثافة رأس المال، لتخفف كثيرًا من مساوئ تكلفة الأيدي العاملة.
نتيجة لتلك التغييرات، تتنامى قوة الصين الاقتصادية بسرعة، وقد تصبح قريبًا الأكبر في العالم. ونظرًا لقدرة الحكومة الصينية على التحكم في الوصول إلى هذه السوق، فمن الممكن أن تمارس نفوذها بشكل متزايد في آسيا وما ورائها.
لكن الصين ليست في حاجة حقيقية لتقييد الوصول لأسواقها؛ لأنها تستطيع تعزيز قوتها التفاوضية بمجرد التهديد بفعل ذلك، الأمر الذي يؤشر إلى أن وضع الصين في الاقتصاد العالمي بدأ يماثل وضع الولايات المتحدة خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فعلى مدار عقود بعد الحرب العالمية الثانية، كان إنتاج أوروبا والولايات المتحدة يمثل أكثر من نصف الناتج العالمي ولم تعتمدا بشدة على الأسواق الأخرى، إلا فيما يتعلق بالموارد الطبيعية كالنفط والمعادن.والآن تقترب الصين بسرعة من تموضع مشابه، فهي تتمتع بسوق محلية ضخمة للغاية. كذلك فإن نموذج النمو الذي تتبنّاه الصين يعتمد إلى حد كبير على الاستهلاك والاستثمار المحليين، فيما يقل اعتماده على الصادرات.لكن كيف ستستخدم الصين قوتها الاقتصادية المتزايدة؟ في فترة ما بعد الحرب، استغلت الاقتصادات المتقدمة وضعها لوضع قواعد للنشاط الاقتصادي العالمي. ولا شك أنها فعلت ذلك بطريقة تعود عليها هي ذاتها بالمنفعة، لكنها حاولت أيضًا أن يكون للدول النامية نصيب من هذه المنافع قدر الإمكان.
ويدل كل تحرك للصين على أنها تتحرك في نفس الاتجاه، فهي لن تنتهج نهجًا ضيقًا يركز على مصالحها الذاتية فقط؛ لأن هذا من شأنه أن يقلل من وضعها ونفوذها العالميين.
تعتمد قدرة الصين على تحقيق هذا الهدف على تحركاتها في مجالين الأول: الاستثمار، الذي تحركت فيه الصين بقوة بتقديم مجموعة متنوعة من المبادرات. فقد أنشأت البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية العام 2015، وقبلها في العام 2013 أعلنت عن مبادرة الحزام والطريق الهادفة لتحقيق التكامل في أوراسيا من خلال استثمارات هائلة في الطرق السريعة، والموانئ، والنقل بالسكك الحديدية.

والثاني هو الكيفية التي ستدير بها الصين عملية الوصول لسوقها الداخلية الضخمة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والتي ستكون لها توابع بعيدة المدى بالنسبة لكل شركاء الصين الاقتصاديين الخارجيين، وليس فقط الدول النامية. إذ تعتبر سوق الصين المحلية الآن مصدر قوتها، ما يعني أن خياراتها في هذا المجال ستحدد بشكل كبير على المدى القريب موقفها الدولي لعقود قادمة.

حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد.