تضاؤل فرص العمل

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٣٤ ص
تضاؤل فرص العمل

محمد محمود عثمان
mohmeedosman @yahoo.com

البطالة تدق ناقوس الخطر، مع انحسار وتضاؤل فرص العمل الجديدة في السنوات الأخيرة، في القطاعين الحكومي والخاص على السواء، تأثرًا بتقلبات أسعار النفط، في ظل عدم الالتفات إلى حجم الظاهرة، وإهمال البحث الجدي عن البدائل الممكنة لاستيعاب الأفواج القادمة إلى سوق العمل.

وتشير تقارير «البنك الدولي» إلى أنّ ثلث شباب العالم باحثون عن العمل ولا يحصلون على التعليم أو التدريب، ومن بين البليون شاب الذين سيدخلون سوق العمل في العقد القادم، يُتوقع أن يحصل منهم 40 % فقط على وظائف متوقعة، ومن ثم سيحتاج الاقتصاد العالمي إلى إيجاد 600 مليون فرصة عمل في السنوات العشر المقبلة لمواكبة المعدلات المتوقعة لتوظيف الشباب التي بلغت حالات الانتحار بينهم إلى 45 ألف حالة انتحار في نحو 60 دولة، مع تعرض 50 % منهم لتعاطي المخدرات، واتساع فرص انخراط جزء كبير في عمليات الإرهاب باعتبار أن هذه البيئة الأكثر خصبًا وملائمة لتنمية الاتجاهات الإرهابية في العالم.

الخطير في الأمر أن نسبة البطالة في الدول العربية تقدّر بنحو 11.3 % أو أكثر، بعيدًا عن الإحصاءات «الرسمية» التي قد تكون غير دقيقة، وهذه النسبة من أعلى معدلات البطالة على مستوى العالم، وأن أعداد البطالة هذه ليست نتيجة انكماش اقتصادي مؤقت، بل ظاهرة طويلة الأمد وهيكلية تزداد سوءًا، لذلك تعدُّ البطالة من أبرز التحديات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيما أنها تتركز في فئة الشباب والمتعلمين والداخلين الجدد إلى سوق العمل، وهذا ينعكس على حجم الطاقات الإنتاجية غير المستغلّة في الكثير من البلدان العربية.
إلى ذلك، تعدُّ البطالة من أخطر وأكبر المشاكل التي تهدد استقرار الأمم والدول، وتختلف حدتها من دولة لأخرى ومن مجتمع لآخر، فالبطالة تشكّل السبب الرئيسي لمعظم الأمراض الاجتماعية وتمثّل تهديدًا واضحًا على الاستقرار السياسي وتماسك المجتمعات العربية، وليس بخافٍ أن أسبابها تختلف من مجتمع لآخر، وحتى أنها تتباين داخل نفس المجتمع من منطقة لأخرى، ويحكمها في ذلك، نمو قوة العمل العربية سنويًا، ومدى نجاح أو إخفاق خطط التنمية الاقتصادية في البلدان العربية، إلى جانب المنعكسات السلبية للمتغيّرات الدولية على القوى العاملة العربية، وانخفاض الطلب عليها عربيًا ودوليًا، ثم عدم قدرتها على المنافسة مع الآخرين، وعدم مواكبة المهارات التكنولوجية والتقنية المتطورة التي تصنع العامل الماهر، نتيجة التوجيه غير السليم للموارد المالية، واستنزاف معظمها خلال فترة انتعاش أسعار النفط في الإنفاق على التسلح وتمويل الحروب الحديثة التي اندلعت في المنطقة العربية، منذ التسعينيات، وأدت إلى الوقوع في شراك المديونية وخدمات الدين المكلفة جدًا وفواتير هذه الحروب التي ما زال بعضها مستحقًا حتى الآن.
يأتي ذلك، والقسم الأكبر من الموارد المالية العربية وبصورة خاصة الفوائض المالية النفطية اتجهت صوب الأسواق والمصارف العالمية لتصب في دورة رأس المال العالمي وإعادة إنتاجه بعيدًا عن الأسواق العربية، وضاعف من هذه الإشكالية أنه خلال العقود الثلاثة الفائتة اتجهت الاستثمارات الرأسمالية العالمية بصورة أساسية إلى دول شرق آسيا وبعض دول أمريكا اللاتينية، عبر الشركات متعددة الجنسيات، والتي لم يكن نصيب الأقطار العربية من هذه الاستثمارات سوى القدر اليسير، ونتيجة لاتجاهات الشركات الدولية وخياراتها لمناطق الاستثمار في العالم التي تحقق مصالحها، فان المنطقة العربية ما زالت خارج اهتمام هذه الشركات باستثناء الشركات الدولية العاملة في مجالات النفط ومشتقاته والتي تستخدم التقنيات العالية والأيدي العاملة عالية المهارة.
هذا يعني أن التحديات كبيرة ومتعددة لأن حل مشكلة البطالة يحتاج إلى العمل في اتجاهات عدة تبدأ من مخرجات التعليم المتراكمة التي تدخل سوق العمل سنويًا والتي لم تقابلها فرص عمل حقيقية، من خلال تعاون القطاعين العام والخاص، لتعزيز دور المؤسسات الاقتصادية الكبرى في دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حتى تتمكن من استيعاب أعداد أكبر من الشباب، خاصة مع استمرار نمط التوظيف في القطاع الحكومي بالوتيرة الحالية، الذي تسبب في تفاقم الهوة بين أعداد المتعطلين وقدرة الحكومات على إيجاد فرص العمل سنويًا، ومما يزيد الأمر تعقيدًا هو عدم قدرة القطاع الخاص العربي على إضافة استثمارات جديدة، وأيضًا عدم القدرة عن استيعاب أيدٍ عاملة وطنية، تقلص من طوابير الباحثين عن عمل؛ لأنه ما زال يبحث عن الإعانات المقدمة من الحكومات.