صنع القرار في عالم مضطرب

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١١/سبتمبر/٢٠١٧ ٠٤:٢٨ ص
صنع القرار في عالم مضطرب

جراهام أليسون
أريانا هافينجتون

لقد وصلت الولايات المتحدة والصين إلى لحظة محفوفة بالمخاطر في علاقتهما وسيكون ضمان التوصل إلى نتيجة سلمية أكبر تحد جيوسياسي في القرن الحادي والعشرين فهل لدى قادتنا القدرة على التصدي لذلك التحدي ؟

إن المخاطر تتصاعد كما تبدو الأمور اليوم فقد فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عقوبات اقتصادية على الكيانات الصينية التي لها علاقات مالية مع كوريا الشمالية لأنها لا تعتقد بأن الصين قامت بما فيه الكفاية لتقييد نظام كوريا الشمالية وكما قال ترامب بصراحة، إذا كان الصينيون لا يستطيعون التصدي لكوريا الشمالية، فهو سيقوم بذلك وقد هدد ترامب كوريا الشمالية مع اقترابها من تطوير صاروخ برأس نووي يمكن أن يصيب الولايات المتحدة «بالنار والغضب» كما لم يشهده العالم من قبل».

ترفض الصين من جانبها ما وصفته وزارة الخارجية «بنظرية المسؤولية الصينية» فيما يتعلق بكوريا الشمالية ولقد أكدت افتتاحية نشرت مؤخرا في صحيفة صينية تديرها الدولة بأن الصين ستبقى على الحياد إذا ما هاجمت كوريا الشمالية أولا،إلا أن أي ضربات أمريكية تهدف إلى تغيير النظام ستدفع الصين للتدخل كما رد الصينيون بشراسة على مرور سفينة حربية تابعة للبحرية الأمريكية من خلال المياه المتنازع عليها فى بحر الصين الجنوبي الشهر الفائت وهي الخطوة التي وصفتها وزارة الخارجية بـ «الاستفزاز» الذي «يقوض بشدة سيادة الصين وأمنها.»
وفي حين أن هذه القضايا حديثة، فإن الديناميكية السياسية الكامنة ليست جديدة. لقد وصف المؤرخ ثوسيديدس صراعا مماثلا على السلطة في اليونان الكلاسيكية بأن» صعود أثينا والخوف الذي زرعه ذلك لدى سبارطة هو الذي جعل الحرب حتمية.»
لقد ظهر على مر العصور ما يسمى بمصيدة ثوسيديدس مرارا وتكرارا مما أدى إلى تأجيج التوترات بين القوى الصاعدة والقوى الحاكمة والتي تسببت في جعل أحداث كان من الممكن السيطرة عليها تؤدي لأفعال وردود أفعال انتهت بحروب مدمرة وعلى مدى السنوات الـ 500 الفائتة، في 16 حالة هددت فيها قوة صاعدة بإزاحة سلطة حاكمة نتج عن ذلك نشوب حرب في 12 حالة منها. يجب أن تدرك الولايات المتحدة والصين بإن بقاء الأمور على ما هي عليه قد يؤدي إلى أن يعيد التاريخ نفسه.
يقدم التاريخ الى جانب التحذيرات المروعة مفاتيح بناءه لتجنب الصراع. فكر في المعضلة التي كان يبدو أنه لا يمكن التغلب عليها والتي واجهها الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت العام 1940 عندما كانت المملكة المتحدة تحت ضغط شديد في معركتها ضد ألمانيا النازية وبدأت تنخفض إمداداتها وأموالها ولكن روزفلت كان يعلم أن الكونجرس الأمريكي لن يقرض ببساطة بريطانيا المال الذي تحتاجه.
لقد كانت مشكلة روزفلت «تبدو عصية على الحل» كما كتبت المؤرخة دوريس كيرنز غودوين في كتابها زمن غير عادي و لكن روزفلت فعل شيئا يبدو مستحيلا في المناخ السياسي اليوم حيث أخذ استراحة لمدة عشرة أيام على متن سفينة تابعة للبحرية الأمريكية وأعطى هذا المأزق التفكير الذي يستحقه.
و قد أثارت أيضا في بداية الأمر فكرة الرئيس الأمريكي بالهروب من العالم في تلك الفترة الحرجة انتقادات وقال هاري هوبكنز مساعد روزفلت «لم أكن أعرف لفترة بماذا كان يفكر، إذا افترضنا انه كان يفكر بشيء». و قال لاحقا: «ولكن بعد ذلك - بدأت في إدراك فكرة أنه كان يستجمع قواه وهي الطريقة التي غالبا ما يلجأ إليها عندما كان يبدو أنه يستريح و خالي من الهم لذلك لم أسأله أي أسئلة و من ثم خرج في إحدى الأمسيات ومعه البرنامج كاملا».
لقد كان هوبكنز يشير إلى البرنامج الرائد الذي تصل قيمته لمبلغ 50 بليون دولار أمريكي والمتعلق بقانون الإقراض والتأجير والذي أصبح الوسيلة الرئيسية التي من خلالها قدمت الولايات المتحدة مساعدات عسكرية للدول الأجنبية خلال الحرب العالمية الثانية ويمكن للرئيس من خلال هذا البرنامج نقل مواد الدفاع التى خصص لها الكونغرس الأمريكي الأموال لحكومة أي دولة يعتبر الدفاع فيها أمرا حيويا بالنسبة للأمن الأمريكي دون الحاجة إلى التعويض.
يتعرض القادة اليوم لضغوط غير عادية لتطبيق مهارات مماثلة في كيفية صنع القرار على مجموعة من التحديات الصعبة فإلى جانب زيادة التوترات بين الصين والولايات المتحدة، يجب أن يواجهوا تصعيد روسيا المتزايد واستمرار عدم الاستقرار في الشرق الأوسط و شبح تغير المناخ الكارثي فكم شخص لديه الشجاعة للتعلم من نهج روزفلت؟
يصعب تصور أن ترامب يمكنه اتباع خطى فرانكلين روزفلت و لكن القول بإن الطريق الأقرب لاتخاذ قرارات كارثية محتملة يبدأ بعقل متعب وغير منضبط ليست ملاحظة على أساس حزبي.
لقد أدركت الفلسفة الرواقية ذلك فلقد واجه ماركوس أوريليوس خلال 19 عاما قضاها كإمبراطور روما حربا مستمرة تقريبا ووباء مروع ومحاولة انقلاب و لكن بدلا من مهاجمة أولئك الذين يفترض أنهم كانوا ضده فقد سأل أوريليوس نفسه بهدوء «هل ما حدث يمنعك من العمل بالعدل والكرم وضبط النفس والعقل والحكمة والصدق والتواضع والتسامح وجميع الصفات الأخرى التي تسمح لطبيعة الشخص بأن تحقق ذاتها؟»
تقدم الحكمة الصينية وجهة نظر أخرى مفيدة حيث أن الفلسفة الطاوية تعتمد على فكرة وو وي والتي يمكن ترجمتها حرفيا بأنها «عدم العمل» ولكنها في الحقيقة أكثر بكثير من ذلك ففي الفلسفة الطاوية، عندما نكون في حالة من الانسجام والاتصال مع أنفسنا، نحن نعمل من غير جهد و بطريقة بديهية وعفوية.
وعندما كان بيل كلينتون يسترجع ذكريات فترة رئاسته اعترف بمخاطر الإرهاق الشديد، حيث قال: إن «كل خطأ مهم قمت به في حياتي، ارتكبته لأنني كنت متعبا جدا.» و قام ديفيد جيرغن في كتابه «شاهد عيان على السلطة»، بتفصيل تكلفة عادات كلينتون غير المنضبطة في الاستراحة خلال الفترة الأولى من رئاسته. وكتب ديفيد جيرغن: «كان كلينتون ما زال يحتفل بالانتصار وكان يحب البقاء مستيقظا حتى ساعة متأخرة من الليل للضحك والتحدث مع الأصدقاء القدامى». وقد كان لهذا تأثير واضح على الرئيس، الذي وفقا لجيرجن، «كان يبدو منهكا ومنتفخا ومتوترا»، فضلا عن ذلك فقد كان «منحرف المزاج ويتششت ذهنه بسهولة و قليل الصبر».
يعتبر إيجاد الوقت والمساحة اللازمة لإعادة شحن طاقاتك واستجماع قواك والتأمل من الأمور الأساسية حتى يعمل البشر على النحو الأمثل وهذه ليست علة النظام البشري بل هي ميزة قوية يتوجب على القادة اليوم أن يستخدموها إلى أقصى حد.

جراهام أليسون: أستاذ نظام الحكم والمدير الأسبق لمركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية في جامعة هارفارد

أريانا هافينجتون: المؤسسة والرئيسة التنفيذية لمؤسسة «ثريف جلوبال» ومؤلفة كتاب «ثورة النوم».